اطبع هذه الصفحة


أما الخيام فإنها كخيامهم

نزار محمد عثمان


تحدث العلماء عن الحديث القدسي الذي يقول فيه رب العزة: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه لأجلي)، فالمعلوم أن المسلم يفعل كل العبادات من صلاة وزكاة ووصوم ونحوه لله، فلماذا لم يقل الله جل وعلا: الصلاة أو الزكاة لي، وقال: (إلا الصوم فأنه لي، وأنا أجزي به)؟
قرأت قول القرطبي الذي نقله عنه كثير من المفسرين عن أن لذلك سببين أولهما أن الصوم فيه من منع ملاذ النفس ما لا يحدث في سائر العبادات، والثاني أن الصوم سر بين العبد وربه ولا يعلم الصائمَ حقيقةً إلا الله. وقرأت قول الشعراوي، الذي يرى أن الصوم عبادة قهرية منع الله الناس أن يصرفوها لغيره، فهي له وحده لا يشاركه فيها أحد، قال: رأينا من يركع ويسجد لغير الله، ورأينا من يحج إلى قبور البشر ويطوف بها، ورأينا من ينفق ماله في محاب الرؤساء والكبراء كأنه يزكي، ولكنا لم نر أحدا يصوم لأحد، فبذلك يكون الصوم العبادة الوحيدة التي لا يتقرب بها مخلوق لمخلوق.

وأجد نفسي مع قول القرطبي الذي يؤكد أن الصوم سر بين العبد وربه، وأن حقيقة الصوم لا يعلمها إلا الله، فلكل شيء صورة وحقيقة، وصورة الصوم هي الجوع والعطش، وحقيقته هي تحقيق الإيمان والاحتساب، فمن رعى الصورة فقط نذكره بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)، ومن حقق الإيمان والاحتساب نبشره بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).

والإيمان والاحتساب يظهران في أحاديث عديدة عن الصوم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، (الصيام جنة ما لم يخرقها، قالوا كيف يخرقها يا رسول الله، قال بكذب أو غيبة)، (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم) وغيرها من الأحاديث التي تبين أن حقيقة الصوم هي انقطاع النفس عن ما سوى الله، وذلك بتحقيق مراقبته وإحسان عبادته: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

إن التركيز على صورة الصوم (الجوع والعطش) تفقدنا حقيقته (مراقبة الله)، بينما التركيز على الحقيقة ييسر لنا الصورة، ويجعلنا نرتقي في مدارج الإحسان، التركيز على الصورة يظهر جليا في أن نعطي الاهتمام الأكبر للنوم والراحة خلال اليوم، وللطعام والشراب خلال الليل، في حين أن اهتمامنا يجب أن ينصب على تلاوة القرآن، وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، لندخل الجنة بسلام.
إن من ينظر في شارعنا ووسائل أعلامنا لا يجد بدا من أن يردد قول القائل

أما الخيام فإنها كخيامهم *** وأرى نساء الحي غير نسائها

 

نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية