اطبع هذه الصفحة


الأدلة المانعة من إمامة المرأة

د. سعد بن مطر العتيبي

 
السؤال  :
أعيش في أوربا وسئلت عن الأدلة المانعة في إمامة المرأة، فأرجو منكم أن تسعفوني بها، وجزاكم الله خيراً.

الجواب  :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد ..

فأولاً : الأصل أنّ نصوص القرآن والسنة تخاطب الرجل والمرأة على السواء ، فالمرأة كالرجل في الأحكام الشرعية إلا ما دلّ الدليل على تخصيصه بأحدهما . ومما يدل على أصل التساوي في الأحكام الشرعية ، قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ " رواه أبو داود وغيره ، وصححه غير واحد من أهل العلم بالحديث .

ومما يدل على تخصيص كل من الجنسين بأحكام ينفرد بها عن الآخر ، النصوص الشرعية الواردة في بيان هذه الأحكام ؛ فمن الأمور المقرّرة في الشرع الحنيف أنَّ لكل من الجنسين أحكام تخصّه ، لما بينهما من الفروق الخَلْقية البدنية والعاطفية والوظيفية ؛ ومما جاء في ذلك : اختصاص الولايات والقيادات بالرجال دون النساء في الجملة , ولذلك كانت النبوة والرسالة من وظائف الرجال دون النساء , واختصهم الله عز وجل بالعبادات الشاقة , كالجهاد , والمنتظمة الظاهرة العلنية ، التي تتطلب حضوراً متكرراً كالجمع والجماعات .

والله _عز وجل_ هو الذي خلق وقدّر ، فجعل التفاضل من سننه في الكون ، ولكنه من عدله سبحانه لم يؤاخذ المكلّف بنقص لا يَدَ للمكلّف فيه ، بل نهى _سبحانه_ عن تمني ما لم يقدِّره لأحدٍ من ذلك، ومنه ما فضّل به أحد الجنسين على الآخر إذ قال : "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً " (النساء/32) أي : لكل من الجنسين نصيب من العمل، فاطلبوا الفضل بالعمل ، لا بالتمني ؛ لأنَّ ما وقع أمر محتوم لا يفيد فيه التمني ، ولأنه يقتضي السخط على قدر الله ؛ فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي فضلهم الله بها على النساء ؛ واسألوا الله من فضله يعطكم .

وثانياً : الإمامة التي وردت في سؤالك غير محدّدة ، والمسألة من الناحية الفقهية على أقسام ؛ وأظنك تريد الإمامة في الصلاة ؛ وإمامة المرأة لغيرها في الصلاة : إمَّا أن تكون للنساء ؛ وإمَّا أن تكون للرجال .

فأمَّا إمامتها للنساء ففيه خلاف بين أهل العلم والراجح أنَّها مشروعة ؛ لما ورد عن عائشة _رضي الله عنها_ أنَّها ( كانت تؤم النساء ، تقوم معهن في الصف ) ، وما ورد عن أم سلمة _رضي الله عنها_ أنَّها كانت تؤم النساء في رمضان وغير ذلك من الآثار التي احتج بها أهل العلم هنا .

وأمَّا إمامة المرأة للرجال فممنوعة غير مشروعة ؛ لأدلة كثيرة ، منها :

1) قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " رواه مسلم ، فمتى وُجِد رجل لم يجز للمرأة أن تؤمّ ؛ لأنَّ المرأة غير داخلة في لفظة (( القوم )) فلا يشملها هذا الخطاب ؛ كما في قول الله _عز وجل_ : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ "(الحجرات11) فقد قسم الله _تعالى_ المجتمع إلى قسمين هما : الرجال وذلك في قوله ( قوم ) ، والنساء في قوله ( نساء ) ، وعلى هذا فلا تدخل المرأة في عموم هذا الحديث .

وأما ما روي من أن أم ورقة بنت نوفل استأذنت النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها ؛ فمع أنَّه قد ضعفه عدد من أهل العلم بالحديث ، إلا أنَّه على فرض صحته قد جاء مفسراً في رواية أخرى من رواياته . وقد نبّه إلى ذلك ابن قدامة _رحمه الله_ في (المغني) .

2) قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة " رواه البخاري وغيره . والإمامة في الصلاة من الولايات الدينية ، وإنما ورد الاستثناء في صلاة المرأة ببنات جنسها ، ويبقى الحكم على أصل المنع فيما عداه .

3) أنَّ إمامة المرأة للرجال يترتب عليها مخالفة لعدد من النصوص الواردة في أحكام صلاة المرأة ، من مثل قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " رواه مسلم ، فكيف يشرع لها أن تكون في موقع يتقدم شرّ صفوف النساء ، وتكون بين يدي الرجال ؟ وقوله _صلى الله عليه وسلم_ : " من رابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه ، وإنما التصفيق للنساء " رواه الشيخان ؛ فكيف تؤم الرجال وتكبر وتركع وترفع وتسجد وتجلس وتقوم وتقرأ أمام الرجال وتخطب بين أيديهم وأمام نواظرهم ، وهي منهية عن تنبيه الإمام بالجملة التي ينبها بها الرجال وهي ( سبحان الله ) ؟ وحديث : (( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها )) رواه أبو داود وغيره وصححه غير واحد من أهل العلم بالحديث ؛ فكيف يحث الشرع على صلاتها في مخدعها ثم يشرع لها أن تتقدم إماما في الصلاة بالرجال ؟

فكل هذا مما لا يتفق مع أصول التشريع الكلية فيما يتعلق بأحكام المرأة وسترها والحرص على نقائها وعفتها ، وافتتان الآخرين بها .

4) أنَّه لم ينقل إلينا نحن المسلمين ولو مرّة واحدة أنَّ امرأة كانت تؤم الرجال ، لا في عهد الصحابة _رضي الله عنهم_ ولا في عهد من جاء بعدهم من المسلمين، مع أننا وجدنا في بعض بلاد المسلمين مساجد خاصة بالنساء تؤمهن فيها نساء منهن .

ونصوص علماء الإسلام في عدم جواز ذلك كثيرة جداً ، وقد صرّحوا بأنَّ الرجل لو صلّى خلف امرأة مؤتماً بها لم تجزئه صلاته ووجب عليه إعادة الصلاة .

وعلى هذا سار المسلمون على مرّ العصور ، حتى نفّذ بعض المتآمرين على الإسلام خطتهم المعلنة في تغيير أحكام الدين ، فوقع ما وقع في أحد الكنائس الأجنبية من إمامة امرأة بجمع من الرجال والنساء ، ومما يكشف التآمر : أذان امرأة أخرى بهم حاسرة الرأس متبرجة المظهر ؛ ولكن المسلمين بحمد الله قد ردّوا على ذلك ونبذوه برفضهم السماح لتنفيذ تلك المؤامرة في مساجدهم ، وتحدث الناس أن بعضهم من النصارى العرب جاؤوا لتكثير سواد هؤلاء القوم بعد أن نبذهم أهل الإسلام ، ولم يحتضن تلك الشرذمة سوى الكنيسة ، وهذه من حكم الله في فضحهم فله الحمد والمنّة .

هذا والله _تعالى_ أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية