اطبع هذه الصفحة


القيام ببعض الأعمال دون إذن الزوج

د. سعد بن مطر العتيبي

 
السؤال  :
هل يجوز لي القيام ببعض الأعمال دون إذن الزوج كشراء سيارة من مالي الخاص للضرورة بدون رضا زوجي. هو معترض على ذلك بدون أن يظهر السبب الحقيقي، ويريدني أن أصرف على البيت بدلاً من شراء السيارة، مع العلم أنه مقتدر ولكنه لا ينفق منه، فكيف يكون التعامل معه ؟وأريد أن أعرف ما هي القوامة الشرعية، وما يتوجب علي كمسلمة؟

الجواب  :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد .. ففي سؤالك ثلاث مسائل رئيسة :
الأول : تصرفك في مالك . فهذا حق من حقوقك ؛ فإنَّ ملكية المرأة الرشيدة لمالها ملكية تامة ، فلها حق التصرف المشروع فيه ببيع أو شراء أو غيره ، كما للرجل حق التصرف المشروع في ماله، ومما يدل لذلك : عموم الأدلة الشرعية في إثبات حق صاحب المال في التصرف في ماله في الحالات العادية ؛ ومن الأدلة في ذات الموضوع قول الله _عز وجل_ : "وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ" (النساء6 )؛ وهذا عام في الذكور والإناث . ومن الأدلة الخاصة قول الله _عز وجل_ : "وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً" (النساء4) ، ففي هذه الآية تأكيد حقها في مهرها ، وحرمة أخذ شيء منه ما لم ترض هي بذلك رضا لا ضغط عليها فيه ، وفي هذا التشريع مزيد عناية وحماية للمرأة ، ففيه تقوية جانب المرأة أمام سوء ولاية الولي ، واستغلال الزوج حق القوامة في غير محله ؛ وهذا مما يجب أن يعيه الرجال جيداً ؛ ومن الأدلة من السنة تصدق النساء بعد أن وعظهن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في مكان حضورهن يوم العيد ، ( فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن ) رواه البخاري ومسلم ؛ ولم يرد أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ طلب من أحدهن أن تستأذن زوجاً ولا غيره قبل أن تتصرف في مالها ، فدل على حقهن في التصرف من غير اشتراط إذن من أحد .
وأما شراء السيارة من مالك الخاص أو إيجارها ، للضرورة ، فلا أدري ما تقصدين به ؛ فإن كنت تقصدين شراءها لحفظ مالك عن النفقة أو بغرض الاستثمار ، فهذا من حقك ، ولا يحق لزوجك أن يمنعك من ذلك من دون وجه شرعي ، فكيف إذا قصد ما ذكرت من الاستمرار في النفقة التي هي من الحقوق الواجبة عليه، وأما إن قصدت الاستعمال الشخصي للسيارة ، في أمور تنقلكما مثلا ، فهذه المسألة تحتاج إلى بيان مرادك بالضرورة وبيان سبب رفض زوجك لذلك .
ولكن ينبغي التنبيه إلى أنَّ من المستحب للزوجة أن تُطلع زوجها على بعض تصرفاتها المالية ، ولو في صورة استشارة ، من باب الإفادة من رأيه إن كان ذا رأي ناصح ، ومن باب حسن العشرة والحفاظ على تماسك الأسرة إن كانت أرشد منه رأياً ؛ ويتأكد ذلك في حال المرأة الأقل رشداً وتدبيراً ؛ ومما استدل به أهل العلم في هذا ، قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها " رواه أحمد وغيره ، وصححه بعض أهل العلم ؛ فقد بيّن العلماء أنَّه يدل على أنّ المرأة إن كانت سفيهة ، أي : غير رشيدة في تصرفها، لم يجز لها أن تتصرف في المال إلا بإذن زوجها ، وإن كانت رشيدة تحسن التصرف ، فيستحب لها أن تستأذن زوجها ، ولا يجب لعموم الأدلة الواردة في حقها في التصرف في مالها ؛ و لأنَّ من التصرفات المالية ما قد يؤثر على القيام بحقوق الزوج ، لكثرة الانشغال عنه بمتابعتها الشخصية لشؤونها المالية .
ثانياً : وجوب النفقة على الزوج . وهذا حق من حقوق المرأة على الزوج ، وواجب من واجبات الزوج تجاه زوجته بإجماع المسلمين . والأدلة على ذلك كثيرة ، منها قول الله _عز وجل_ : "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (البقرة233) ، وقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ في خطبته أمام الحجيج : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ... ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم ؛ فهي واجبة على الزوج بالمعروف ، حتى ولو كانت امرأته غنية ما دامت قد سلمت نفسها له ، ولم تفوت عليه حقه في عشرتها بخروجها من بيت الزوجية بغير إذنه مثلا .
ولكن إن كان الزوج قد شرط على المرأة في عقد النكاح أنّ المصاريف بينه وبينها فإن عليها أن تفي بالشرط ، لقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج" رواه البخاري ومسلم .
وإذا لم ينفق عليها النفقة الواجبة بالمعروف ولم يكن بينهما شرط في عقد النكاح يلزمها بدفع مبلغ من مرتبها مثلا إن كانت موظفة ، وكان الزوج قادرا موسراً واجداً للمال ، فإنَّ لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف ، ولو بدون علمه ، إن لم تخش من وقوعها في مخالفة قانونية تتسبب في مجازاتها ؛ ويدل لذلك قصة هند زوجة أبي سفيان _رضي الله عنها وعنه_ ، فإنها جاءت وقالت : يا رسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه ، وهو لا يعلم فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ لهند _رضي الله عنها_ :" خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" رواه البخاري ومسلم .
فإن خشيت المرأة من آثار ذلك ، وامتنع الزوج من النفقة عليها ، فلها طلب الفسخ عن طريق القضاء . وفي حالكم أرى الرجوع إلى رئيس المركز الإسلامي للإصلاح أولاً ، وأرى أن توافقي على بذل جزء من النفقة ولو مؤقتاً ، حفاظاً على بقاء الأسرة ، ولكونه أخف ضرراً عليك وعلى الذرية إن خشيت تعقد الأمور ؛ فإن سدت الطرق ، ولم يمكن التفاهم فبالتحكيم ، وهناك مخارج قانونية شرعية ينبغي التعرف عليها .
ثالثاً : القوامة الشرعية . وهي حق أوجبه الله _عز وجل_ على الرجل لمصلحة الحياة الزوجية ؛ وتتحقق بالإنفاق عليها وأداء حقها وإحسان عشرتها ، والسعي في مصالحها المتعلقة بالحياة الزوجية ، فالواجب على الرجل أن يقوم على المرأة وينفق عليها مع حسن العشرة ؛ ومما يدل عليه قول الله _عز وجل_ :"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ" (النساء34)؛ فهي ربة البيت والقائمة على الأولاد وبما يلزم في البيت ، وهو القائم عليها وعلى أولادها بكل ما يلزم من نفقة وحسن معاشرة . ذكره شيخنا ابن باز _رحمه الله تعالى_ .
وجعل الله عز وجل القوامة لتحسم القرارات داخل مؤسسة الأسرة ، وخصّ الله _عز وجل_ الرجل بها في الآية لأمرين : الأول : تفضيل الله _عز وجل_ للرجل على المرأة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" ، وقوله :"وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ " (البقرة228)، والله _عز وجل_ يخلق ما يشاء ويختار ، ثم إنَّ في الرجل من صفات القيادة البدنية والنفسية ما ليس في المرأة ؛ والثاني : أنَّ الرجل قد فُرِض عليه المهر ، وحُمِّل واجب النفقة قدر استطاعته ، بينما أُعفيت منها المرأة ولو كانت غنية ؛ فمؤهلات الرجل بهذا أكثر وأخطر ، فكان هو الأولى بالقوامة، ولكن الآية السابقة أكَّدت على العدالة في المعاملة قبل ذكر الدرجة : "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ " (البقرة228) حتى لا تبقى الحقوق محفوظة في ظل القوامة ؛ فلا يجور الرجل في قوامته على زوجه .
وقولك إنك لا تقبلين القوامة عليه ، ما كان ينبغي أن يصدر منك وأنت المرأة المسلمة ، فالقوامة حق شرعه الله _عز وجل_ ؛ ولكن لك أن ترفضي تصرفات زوجك الجائرة ، مثل امتناعه عن النفقة عليك إن كان بغير سبب مشروع ، ومثل منعه لك من التصرف في مالك مع عدم تضرره بذلك .
هذا والله _تعالى_ أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

كتبه / سعد بن مطر العتيبي

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية