اطبع هذه الصفحة


تزوجها ولم يجدها بكرا

د. سعد بن مطر العتيبي

 
السؤال  :
فضيلة الشيخ .. تزوجت من فتاة زوجة ثانية بتوصية من زميل لي ذو خلق ودين على أساس أنها بكر، ولكن بعد الزواج أحسست أنها ليست ببكر، لكني لم أتكلم لحساسية الموقف، وبعد سنتين ونصف تبين لي أنها فعلاً لم تكن بكراً أي زانية، فماذا أفعل هل أطلقها أم ماذا؟ بارك الله فيكم، وهل لو سترت عليها يكون لي أجر أم إثم، علماً أنها تابت وصلح حالها؟

الجواب  :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .. أما بعد ..

فأولاً : لا شك أن الزنا من كبائر الذنوب وأسوئها مسلكاً ؛ فقد قال الله _عز وجل_ :"وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً" سورة الإسراء : 32 .

وثانياً : ذكرت أنَّك تزوجت هذه المرأة بنصح من رجل ذي خلق ودين ذكر لك أنها بكر ، وهذا يتطلب منك ألا تتعجل في الحكم عليها ؛ ولكن إذا تبيَّن واتضح وتأكَّد لك أنَّ زوجتك الثانية كانت زانية ! - و ليس مجرد شكوك أو دسائس أُجبرتْ على الاعتراف بها بوسيلة ما ، كما يفعل بعض النَّاس - فينبغي أن تحسن الظنَّ بها حتى يتأكَّد لك خلاف ذلك ؛ فقد تكون ضحية عملية اغتصاب فيما بان لك من أمرها ، أي أنها مكرهة مجبرة غير مختارة ولا راضية؛ ومن ثم فلا يجوز وصفها بأنَّها زانية .. فإن وجدت الأمر كذلك فإنَّ إبقاءك لها حفظ وستر وأجر _إن شاء الله تعالى_ .

وثالثاً : إذا تأكدت أنَّها كانت زانية ؛ وتأكَّدت من توبتها ؛ فلا يخلو أمرك معها من حالين :

الأولى : أن تجد من نفسك رحمة بها ، وثقة في دوام صلاحها؛ لما تراه من صحة توبتها ، وحسن علاقتها بربها ؛ فلك أن تبقيها وتستر عليها ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأنت على خير _إن شاء الله تعالى_ ، فلعل الله _عز وجل_ أن يرحمك برحمتك لها ، ويسترك بسترك لها ، ويجعل لك من أجر استقامتها حظاً ونصيباً .

الثانية : ألا تطيقها ، بأن تجد في نفسك نفرة شديدة منها ، وعدم صبر عليها ، مع يقينك بتوبتها ، وتخشى من ظلمها بسبب ذلك ، فلك أن تطلقها ؛ فإن عزمت على ذلك فيجب أن يكون طلاقك لها طلاقا ساتراً لا فاضحاً ، وأن تتقي الله _عز وجل_ في عرضها بعد ذلك . وقد ذكر أبو حامد الغزّالي عن بعض الصالحين أنَّه أراد طلاق امرأته ، فقيل له : ما الذي يريبك فيها ؟ فقال : العاقل لا يهتك ستر امرأته . فلما طلقها قيل له : لم طلقتها ؟ فقال : ما لي ولامرأة غيري ؟!

وعلى كل حال فالذي أنصحك به – أيها الأخ الكريم - بعد أكثر من سنتين ونصف من زواجك بهذه المرأة ، وثبوت توبتها لديك ، وصلاح حالها بين يديك : أن تستر عليها ، وتبقيها في عصمتك ، وتبتغي الأجر في ذلك ، وتكون عوناً لها على الاستقامة والصلاح والعفة ، وتحذر جرح مشاعرها ؛ فقد قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية عند مسلم : " ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " ؛ وتأمَّل جميع جمل هذا الحديث تجد فيها من حالة زوجك ما يدعوك للطف بها ، والاحتساب في ذلك؛ فإنَّ الستر يكون على صاحب معصية قد انقضت وندم عليها صاحبها ، وعزم عزما أكيدا على عدم العودة إليها.

هذا والله _تعالى_ أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية