اطبع هذه الصفحة


سماع الرجل لتلاوة المرأة

د. سعد بن مطر العتيبي

 
السؤال  :
هل يجوز للرجل أن يسمع قراءة القرآن للمرأة؟ أسألك بالله يا شيخ أن تجيبني لأني في بلد غير مسلم، ومن الصعب أن أجد من يجاوبني، وجزاكم الله خيرا.

الجواب  :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد، أما بعد.

فإن الحكم في هذه المسألة يحتاج إلى شيء من الضبط و التفصيل، وبيانه في النقاط التالية :

أولاً: صوت المرأة ليس بعورة في ذاته، ويدل لهذا الأصل أدلة منها:

1) قول الله _عز وجل_لنساء نبيه _صلى الله عليه وسلم_ في آيات الحجاب: " فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً"، ( الأحزاب: 32 )؛ ففيه دليل على أن صوت المرأة إذا لم يكن فيه خضوع ولا قول منكر فلا عورة فيه. والسنة العملية تدل على ذلك؛ فقد كانت النساء تشتكي إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وتسأله وتبايعه على شرائع الإسلام بأصواتهن؛ وكان يجيبهن __صلى الله عليه وسلم__، وهذه أمور أشهر من أن تذكر كتكليمه للمجادِلة والممتحنة، الثابتان بنص الكتاب العزيز.

2) وكذلك ما جرى عليه عمل أهل الإسلام؛ إذ ما زال النساء يخاطبن الرجال في إفادة العلم واستفادته، وتعلم القرآن الكريم وتعليمه، ورواية الحديث النبوي، والفتوى، وعلى رأسهن أمهات المؤمنين نساء النبي - __صلى الله عليه وسلم__ – بل و في المحاكمات والشهادات والمبايعات وغير ذلك من المعاملات: كخطبة النكاح، دون أن ينكر ذلك علماء الأمة وأئمة الهدى فيها.

ثانياً: أن صوت المرأة كالعورة في حرمة خضوع المرأة به، كأن تتحدث بصوت فيه تغنج وتليين وتمطيط وتنغيم وتقطيع ونحوه مما ينكر، كما تفعل المومسات ومن نحى نحوهن من المغنيات ومن يُبْتَذلَن من النساء بامتهان الإعلانات التجارية والدعايات الإعلامبة ونحوها. وهو كالعورة – أيضاً - في حرمة التلذذ به لمن سمعه، خشية الفتنة. ويدل لذلك جملة أدلة منها:

الآية السابقة: " فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً" ففيها النهي الصريح عن الخضوع بالقول وتليينه وتزيينه؛ قال الإمام ابن كثير _رحمه الله_ في تفسير هذه الآية: "ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم؛ أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها". ولذا ورد عن بعض نساء المؤمنين في العصر الأول، أنهن كن يضعن أيديهن على أفواههن عند مخاطبتهن للرجال، حتى لا تظهر رقة أصواتهن من غير قصد؛ ومن هنا استحب بعض الفقهاء تشويه المرأة لصوتها إذا طرق عليها الباب طارق، فتغلظ صوتها في الرد عليه حتى لا يظهر صوتها رخيما.

ثالثا: صوت المرأة بمسمع من الرجال الأجانب لا يجوز إلا للحاجة التي تقتضي ذلك، وأن يكوم من وراء حجاب؛ وهذا يدل له جملة من الأدلة، منها:

1) قول الله _عز وجل_: " وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب " ، والمتاع الحاجة من الأثاث وغيره، وقال بعض العلماء: ومن ذلك الفتوى؛ و قال _سبحانه_ بعد ذلك " ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن " أي: أنقى من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء والنساء في أمر الرجال.

2) قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: (( إذا نابكم شيء في صلاتكم، فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء)) متفق عليه؛ قال بعض أهل العلم وذلك منعاً للافتتان به، كما في منعها من الأذان ورفع الصوت بالتلبية ونحوه.

رابعاً: إذا خيفت الفتنة من سماع كلام المرأة، فيحرم الاستماع إليه في هذه الحال؛ بل نص عدد من الفقهاء على أنه يحرم سماعه ولو كان بتلاوة القرآن، وممن نص على ذلك النفراوي من المالكية والبهوتي من الحنابلة؛ لأن دفع الفتنة عند خوفها بترك السماع لها دفع للمفسدة، ودفع المفاسد أولى من جلب المنافع.

وبناء على ما سبق من الأصول الشرعية لها؛ فإن سماع الرجل لصوت المرأة بالقرآن جائز إذا أمنت الفتنة؛ كأن تكون المرأة متحجبة بحضرة محرم، أو من وراء حجاب بغرض التعليم ونحوه؛ أو أن تكون القراءة من جهاز تسجيل ( مسجل ) وغير ذلك من الحالات، التي تنتفي فيها المحظورت الشرعية.

وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ما نصه: " ما حكم سماع قراءة المرأة في المسجل؟

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد: يجوز سماعها للنساء، ويجوز للرجال إذا لم يترتب عليه فتنة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
عبد الله بن قعود
عضو
عبد الله بن غديان
عضو
عبد الرزاق عفيفي
الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز " ( الفتوى رقم ( 3863) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : ج/4/126 ) .

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية