اطبع هذه الصفحة


الصلاة في مناطق يطول النهار فيها طولاً مفرطاً

د. سعد بن مطر العتيبي

 
السؤال  :
نحن جمع من المسلمين الساكنين في شمال فرنسا، حيث في كثير من الأيام يطول النهار طولاً مفرطاً ويقصر الليل قصراً مفرطاً، بحيث يصل أقصى النهار إلى 10:00 م (وقت دخول المغرب) علماً بأن هذه المدة تستمر قرابة الشهرين في فصل الصيف ، وبهذه الصورة تقع مشقة على الناس من تأخر وقت العشاء، واقتراب وقت الفجر(02:50).فهل يجوز جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم في المسجد لمن يتيسر له أن يصلي المغرب في المسجد، وذلك طوال تلك المدة؟وهل يجوز جمع المغرب مع العشاء جمع تقديم في البيت لتأخر وقت دخول العشاء، وخاصة للنساء والصبيان؟

الجواب  :
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله .. أما بعد:
فإن الله _عز وجل_ أمر بإقامة الصلاة المفروضة في أوقات محددة بعلامات شرعية ، وضعها _سبحانه وتعالى_ في مثل قوله _سبحانه_ : "إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً" النساء:103 ؛ وكما في حديث بريدة _رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ : أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة ؟ فقال له: "صل معنا هذين" يعني اليومين ، فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر ، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ،ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر ، فلما كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها ، فأنعم أن بيرد بها وصلى العصر والشمس مرتفعة ، أخرها فوق الذي كان ، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق ، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل ، وصلى الفجر فأسفر بها ، ثم قال : " أين السائل عن وقت الصلاة ؟ فقال الرجل : أنا يا رسول الله. قال: "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" رواه مسلم (613) ؛ فمتى أمكن تمييز هذه العلامات ؛ فإنه تجب إقامة الصلاة في الوقت الذي تدل عليه ، إلا في الحالات التي استثناها الشارع الحكيم ، كحال السفر ، وحال المطر المؤذي ، ونحو ذلك من الحالات الاستثنائية التي هي من باب الرخصة الشرعية .

وقد صدر في مثل هذه المسألة قرار من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، وجاء الاستناد إلى ما جاء فيه في فتوى صادرة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم 2796 جواباً على سؤال مماثل ( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :6/132-138 )، وممن وقع عليها شيخنا عبد العزيز بن باز و الشيخ عبد الرزاق عفيفي _رحمهما الله تعالى_ .

وفي الحال التي وصفتم ؛ يمكن التمييز بين الليل والنهار ووقت المغرب والعشاء بوضوح ؛ وعليه فلا يجوز الجمع بين المغرب والعشاء طوال تلك المدة للسبب المذكور ، وما ذكر من مشقة ، هو مما له نظائر في التكليف الشرعي ، بل في حديث بريدة السابق ما يؤكد عدم مراعاة مثل هذا النوع من المشقة ؛ وعليه فلا ترقى إلى الدرجة التي يشرع معها الانتقال إلى الترخص، والله تعالى أعلم ؛ ولكن يبقى حكم الجمع لمن يتمكنون من الصلاة في المسجد في حال توافر أسباب مشروعيته ، كشدة المطر أو التساقط المؤذي للثلوج مثلاً ، متى وجد سببه ولو تكرر .

وأما من لا يمكنهم الصلاة في المسجد ، فلا وجه لترخصهم والحال ما ذكر، بل يجب عليهم أداء الصلاة في الزمن الموقوت .

وعلى المسلمين في تلك المناطق ونحوها أن يرتبوا أمورهم على وفق ذلك ما استطاعوا .

وما سبق من الجواب هو في الحالات العامة، أما الحالات الخاصة التي يقع بها المسلم في حرج شديد ، فيجب على من تحصل له السؤال عنها بخصوصها ، لينظر فيها بحسب الحال والظرف ، والله تعالى أعلم .

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية