اطبع هذه الصفحة


مراجعات حول الجواب عن ( قراءة كتب أهل الكتاب للرد عليهم )

د. سعد بن مطر العتيبي

 
السؤال :
خلاصة فتواكم حول قراءة كتب أهل الكتاب للرد عليهم جواز ذلك للراسخين في العلم ولكن ماذا عن الحديث الذي في مسند الإمام أحمد وحسنه الألباني لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا أصابه من بعض أهل الكتب قال له: " أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب..."؟ وهناك من طلاب العلم من ينكر على الشيخ أحمد ديدات - رحمه الله-أسلوبه في المناظرات، ويذكر أن هذا الأسلوب ليس من الأساليب السلفية، وليس موجودا على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- لا سيما أنه –وكما يقولون- أسس معاهد لتعليم الإنجيل للرد عليه، فما رأي فضيلتكم؟

الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
نص الله عز وجل في كتابه العظيم على حقيقة تحريف أهل الكتاب لكتبهم ، وأجمع المسلمون وغيرهم من المنصفين على معنى ذلك ؛ وهي قضية كانت مسلمة عند أهل الكتاب في العصر النبوي ولم ينكروها ، وقد قرأت - منذ زمن - في كتاب لأحمد سوسة رحمه الله وهو يهودي صليبة ، أسلم منذ عقود ، كلاماً عجيبا ، أذكر منه أنه ذكر في سياق أسباب إسلامه عدم نفي علماء اليهود في العهد النبوي للتحريف الذي أكّده القرآن وتلاه النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ، وأشار أحمد سوسة رحمه الله إلى أنَّ هذا الأمر يدرك قيمته الحقيقية من كان يهودياً !
أما الحديث الذي ذكرتَ – رعاك الله - فرواياته متكلم فيها ، وهو عند من حسنه من باب الحسن لغيره ؛ وقد ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعِبرانية و يفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا : ( آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل ) الآية ) " كتاب التفسير ، باب ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) ، الحديث رقم (4485) .
وإذا سُلِّم الاحتجاج بحديث عمر رضي الله عنه ، فقد ورد في بعض رواياته المتكلم فيها أيضاً ، ذكرُ لسبب غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، من ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه قال: ( انطلقت أنا فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ، ثم جئت به في أديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا في يدك يا عمر ؟ قال : قلت : يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرّت وجنتاه ، ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الأنصار : أغضب نبيكم هلم السلاح السلاح ، فجاؤا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس إنِّي أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ، واختصر لي اختصاراً ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقيّة ، ولا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون . قال عمر : فقمت فقلت : رضيت بالله رباً وبالإسلام دينا ، وبك رسولاً ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية : أخرى تفاصيل تبين أنه أتى به من خيبر بعد أن استملاه من يهودي أعجبه حديثه ، فأتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وأنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم به ، قال ( ائتني به ) قال : فانطلقت أرغب عن المشي رجاء أن أكون جئت النبي صلى الله عليه وسلم ببعض ما يحب ، إلى أن قال : ثم جعل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يتبعه رسماً رسماً فيمحوه بريقه وهو يقول : ( لا تتبعوا هؤلاء فإنهم هوكوا وتهوكوا ) حتى محى آخره حرفا حرفا . ( مسند الفاروق ، لابن كثير :2/590/592 ) .
وقد ورد في صدر الرواية اشتداد عمر رضي الله عنه على من فعل مثل ذلك في ولايته ، وأنَّه ضرب العبدي صاحب السوس الذي نسخ كتاب دانيال بعصاة معه ، ثم روى له هذا الحديث بعد أن قال له : ( فلئن بلغني عنك أنك قرأته ، أو أقرأته أحداً من الناس ، لأنهكنك عقوبة ) .
ولا شك ولا ريب أن عمر رضي الله عنه من كبار علماء الصحابة وفقهائهم ، ولكن نسخَ الكتب الأخرى الذي يساهم في حفظها وزيادة نسخها وربما انتشارها بين غير المتخصصين من المسلمين والبحث عن مزيد علمٍ فيها مع تحريفها شيء ، وقراءتها لنقدها وكشف زيوفها وبيان الحق للناس شيء آخر .
ولمَّا كانت العامة ونحوهم لا يقدرون على النقد العلمي ولا كشف الزيوف كما العلماء ، مُنعوا مما يضرّ بدينهم . ولذلك وجدنا العلماء الراسخين القادرين على القراءة الفاحصة الناقدة يقرؤون تلك الكتب ونحوها مما يكتبه أهل الكلام وغيرهم من أهل الباطل للرد عليهم وكشف زيوفهم كالرد على الطوائف الضالة ، وأهل الكتب المحرّفة ، كما أشرت في الجواب الذي أشرتَ أنتَ إليه .
وقد سبق ذكر حديث المغيرة رضي الله عنه ، وكيف أن نصارى نجران كانوا يوردون عليه شبهات فيعود للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويسأله عنها فيجيبه صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل له : أعرض عنهم ولا تستمع إلى كلامهم . وهذا من شأن أهل العلم ، ولا شك أن أهل العلم ليسوا كغيرهم .
وعلم المناظرات من العلوم التي مارسها علماء الإسلام ، وصنفت فيها التصانيف . فإذا وُجدت بضوابطها وتولّاها من أهل الإسلام من كان راسخاً فيما يناظر فيه ، فهذا نوع من دحض الباطل ونشر الحق ، وقد رأينا ذلك بحمد الله في مناظرات الشيخ أحمد ديدات رحمه الله وبعض تلاميذه ، وكذا في مناظرات دعاتنا المتمكنين لأهل الطوائف الضالة كالرافضة والأحباش وغيرهم .
وقد تحدث علماء الإسلام عن ضوابط الحوار مع أهل الطوائف والملل الباطلة ، وذكروا منها الأحوال التي يُقصد منها التشويش على أهل الحق لا ابتغاء الحق ، كالتي تُمكِّن أهل الباطل من إيصال باطلهم ، ولا تمنح أهل الحق فرصة كافية للرد ، وقد كتبت في ذلك وريقات منذ سنوات ، وأطلعت عليها بعض مشايخنا ، ولعل الله ييسر نشرها .
هذا ما وسع الجواب لذكره ، والله تعالى أعلم .

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية