اطبع هذه الصفحة


مراجعات حول الجواب عن ( حدود عورة المرأة )

د. سعد بن مطر العتيبي

 
السؤال :
خلاصة فتواكم حول عورة المرأة للمرأة، أنها من السرة إلى الركبة ما لم تخش الفتنة
فما عورة المرأة بالنسبة لمحارمها ؟ لا سيما وأن بعض العلماء يقول: إنها تظهر أمام محارمها –وربما قالوا أمام النساء- ما يظهر غالبا ، كالوجه والكفين والذراعين والساقين ، ويذكر بعض العلماء أن عورة المرأة للمرأة كعورتها أمام محارمها، فما الدليل الذي استند إليه من ذهب إلى ذلك؟


الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
أخي الكريم .. في الجواب - الذي تشير إليه - قيد لم يتضمنه اختصارك ! فالذي ذكرتُه هو أنَّ عورة المرأة المسلمة التي يجب سترها أمام المرأة المسلمة هي ما بين السرَّة والركبة ، سواء كانت قريبة أم بعيدة ، كعورة الرجل أمام الرجل . وهذا إنَّما هو ذكرٌ للقدر المتفق عليه من حكم العورة - المذكور - بين العلماء وإن شذّ عنهم بعض أهل الظاهر ، والذي أبدأ به الجواب عند الاقتضاء ؛ وقد جاء تمام الجواب في العبارة التالية منه : " وعلى كلٍ فينبغي التنبه إلى أنَّ المرأة المسلمة مطلوب منها الاحتشام والتحلي بالحياء ، فلا تكشف أمام النساء إلا ما جرت العادة بكشفه أو دعت الحاجة لكشفه ؛ ويتأكد هذا الأمر أمام الكافرات ، وفي المجتمعات التي توجد فيها فاسقات ، ولا سيما في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الوسائل التي يتيسر معها لأهل الشر والفجور تصوير النساء على غِرّة .
وقد نصّ الفقهاء - رحمهم الله - على أنه يجب على المرأة أن تتحجب عن المرأة والمحرم متى كان يُخاف منه الفتنة . ومن يعرف شيئاً من حقيقة ما يعرف بالإعجاب بين الفتيات والنساء يدرك معنى كلام الفقهاء رحمهم الله " .
ويدخل في ذلك كل لباس ينافي الستر أو يثير كوامن الفتنة كالبنطال الضيق واللباس الحاسر أو الشفاف ونحوه .
ومن مواضع الإجماع في مسألة حدود نظر المَحْرَم : تحريم نظر المَحْرَم إلى محرمه بشهوة مطلقا ، وكذلك عند خوف الاشتهاء .
وأمَّا ما يجب ستره عند المحرم فالأصل فيه قول الله تعالى : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ) ، و المراد بالزينة هنا – والله تعالى أعلم - مواضع الزينة التي توضع الزينة عليها عادة ، كالوجه واليدين والذراع ونحو ذلك ، لأن الزينة نفسها كالقرط والسوار - مثلا - لا حرج في رؤية الرجال لها لو وضعتها صاحبتها في مكان من الأرض – مثلاً - يراه الرجال ، وكما لو عرضتها للبيع .
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في كتابه القيم أحكام القرآن مبيناً أن المراد بالزينة مواضعها المعتادة من بدن المرأة : " فاقتضى ذلك إباحة النظر للمذكورين في الآية إلى هذه المواضع ، وهي مواضع الزينة الباطنة ؛ لأنه خص في أول الآية إباحة الزينة الظاهرة للأجنبيين ، وأباح للزوج وذوي المحارم النظر إلى الزينة الباطنة . وروي عن ابن مسعود والزبير : القرط والقلادة والسوار والخلخال " ( 3/317) .
ولا يدخل في ذلك ما لم تجر العادة بكشفه عند أهل الإسلام قبل اختلاطهم بالأجانب ، وإن وضعت عليه الزينة في هذا العصر ، ويشتد الأمر حرمة إن كانت الزينة في ذاتها محرمة كالوشم الذي بدأ ينتشر بين الفتيات تقليداً للأجنبيات من الإفرنج ومن تشبه بهم ، وكذلك ما جاء على خلاف الفطرة السوية ، ككشف الصدر مثلا ، وهو أمر يستنكره العقلاء من البشر ؛ فإنَّنا نجد القوانين الأجنبية في البلاد الإباحية تمنع خروج المرأة أمام الناس من غير ستر لهما مثلا .
وقد سبق أن ذكرت في بعض المقالات - إفحاماً لأهل الباطل - حكم محكمة فرانكفورت بصحة قرار فصل موظفة من أحد البنوك ، لأنها كانت تلبس لباساً يكشف جزءاً من صدرها أثناء العمل .
وقبل مدة يسيرة أكّد البيت الأبيض ضرورة احترام قوانين الملابس المحتشمة ! فمنع البيت الأبيض السماح لدخول غير المحتشمين والمحتشمات – وفق مفهومهم الغربي – والتشديد في منع انتعال الصندل ! وكذلك ( الشورتات والجينز ) والقمصان الرياضية ! ويشمل المنع من لا يمنعون كممثلي وسائل الإعلام ! وذلك بغض النظر عن الظروف المناخية !! وهي من بقايا الفطرة التي تنحتها في نفوسهم الليبرالية المقيتة .
ومما يشهد لأهمية إخفاء ما عدا ذلك مما ليس محلاً للزينة المعتادة عند أهل الإسلام ممن لم تنحرف فطرهم ، وتتلوث أذواقهم ، قول الله تعالى : (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، فلم يفرق سبحانه وتعالى بين من كان من الأطفال أجنبياً أو ذا رحم محرم ، إلا أن أمر ذوي المحارم أيسر شأنا كما في الآية السابقة فيجوز إبداء مواضع الزينة المعتادة لهم . وقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً سأله : أستأذن على أمي قال : نعم ، أيسرك أن تراها عريانة ؟ وكذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه في رجل سأله عن الاستئذان على الأخت . وروي نحو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه مرسل .
وأمَّا الدليل الذي استند إليه هؤلاء ، فجملة من الأدلة منها تأويل الآية السابقة على معنى ما رأوه ، لما روي في ذلك من أحاديث لا تخلو من نقدٍ لمتن أو استدلال .
والمسألة مبحوثة في كتب الفقه والتفسير وشروح الأحاديث وغيرها .
والله تعالى أعلم .

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية