اطبع هذه الصفحة


بين إشكالية (القانون) ودستورية (النظام)
الجمعة 11/05/2012

د. سعد بن مطر العتيبي


بسم الله الرحمن الرحيم

1/2


من الموضوعات التي يكثر الجدل فيها بين الحقوقيين: موضوع إطلاق لفظ (القانون) على مصطلح (النظام) في المملكة؟ ويُعدّ هذا إشكالية بالنظر إلى ما نتج عنه من آثار على الناحية العلمية والتأصيلية، منها: وجود تخلفٍ في دراسة الأنظمة، أو شطَطٌ في مقررات ومناهج دراسة النظام باسم القانون، والقانون باسم النظام؛ حدّ التناقض!

ومساهمة في تقريب الموضوع أُجمل الجدل حوله في رأيين فكريين رئيسين :

الرأي الأول: أنَّ مصطلح (القانون) مرادف لمصطلح (النظام) في المملكة، وأنَّه لا فرق بينهما البتة؛ وأنَّ الخلاف بينهما خلاف لفظي، ومن ثمّ فلا مشاحة في الاصطلاح.
ويحتج هؤلاء -وجلّهم من القانونيين والمحامين- بأنَّ لفظ (القانون) مستعمل لدى علماء الشريعة في التراث الإسلامي؛ مما يدل على أنَّه لا حرج في استعماله.
والرأي الثاني: أنَّ مصطلح (القانون) ليس مرادفاً لمصطلح (النظام) في المملكة، وأنَّ بينهما فروقاً جوهرية؛ ومن ثم فالخلاف بينهما خلاف حقيقي لا لفظي، إذْ تترتب عليه آثار لا يصح تجاهلها؛ وأنَّ ثمة إشكالاً في استعمال فظ(القانون) المتضمن لدلالة اصطلاحية شئنا أم أبينا .

ويحتج هؤلاء-وغالبهم من الشرعيين-بأنَّ مصطلح (القانون) يستعمل عند كثير من علماء الحقوق -وخاصة الشرعيين- في مقابل (الحكم الشرعي)؛ بخلاف النظام فهو متفرّع عن الحكم الشرعي، وعليه فهو ليس في مرتبة القانون عند القانونيين، فلا يكون مرادفاً للنظام؛ ولذلك نجدهم يعبرون بما يفيد ذلك في مثل قولهم: "الشريعة والقانون"؛ كما نجد الحقوقيين الشرعيين يضيفون كلمة(الإسلامي) إلى القانون عندما يستخدمون لفظ(قانون)، فيقولون(القانون الإسلامي)؛ لإخراج مفهومه الاصطلاحي المخالف.

وبعبارة أخرى، فإنَّ الفارق الرئيس بين مصطلح(النظام) في المملكة العربية السعودية، وبين مصطلح (القانون) عند الإطلاق، يتجلّى بقوة ووضوح في مصدر كلٍّ منهما؛ فمصدر (النظام) في المملكة هو: الكتاب والسنة، وهذا شرط صحته ودستوريته الشرعية؛ كما هو واضح وصريح في عدد من مواد النظام الأساسي للحكم في المملكة، وخاصة المادة السابعة التي نصّها:" يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة " .
بينما لا يشترط هذا الشرط الجوهري في القانون؛ وهو الحدّ الفاصل بين نظام الحكم الذي يلتزم الشريعة وبين غيره .

ومن هنا يؤكّد أصحاب هذا الرأي بأنَّ الإشكالية ليست في لفظ (القانون)، وإنما في مصطلح (القانون) الذي ينصرف عند الإطلاق إلى القانون الوضعي؛ وفرق كبير بين استعمال لفظ القانون بمعناه اللغوي، الذي يراد به القاعدة الكلية في أي علم: فقها أو طباً أو رياضيات إلخ؛ وبين استعمال مصطلح القانون الحقوقي المعاصر، والذي يُعبّرُ عن القانون الوضعي، الذي يراد به: "مجموعة من القواعد تُنظّم سلوك الأفراد الخارجي في المجتمع بصورة عامة مجرّدة، وتُوقع الدولة جزاء على من يخالفها". وأنَّ هذا المعنى الاصطلاحي الحقوقي المعاصر الذي هو محلّ الجدل هنا، لم يكن معروفاً ولا مألوفاً في التراث الإسلامي! بل جاء بديلاً للحكم الشرعي، مما حمل بعض علماء مصر على تحريم استعماله.

وإذا كان (القانون) بمعناه اللغوي -ذي الأصل الأعجمي- قد استُعمل في تراث الفقهاء؛ فإنَّ (النظام) -ذا الأصل اللغوي العربي- قد استُعمل قبل ذلك بمعنى الحكم الإسلامي بشموله، وذلك في عهد الخلافة الراشدة؛ بل في عهد أبي بكر، وعلى لسان عليّ رضي الله عنهما.
قالوا : ثم إنَّ الشرع الحكيم ، نهى عن استعمال اللفظ اللغوي الصحيح الذي يحتمل معنى فاسداً؛ فكلمة (راعنا) وكلمة (انظرنا) بمعنى واحد عند العرب، إلا أنَّ الله تعالى نهى عن استعمال لفظ (راعنا)، بسبب استعماله في معنى باطل، وأمر باستعمال لفظ بديل عنه، لا مفسدة فيه، وهو (انظرنا)، في قوله تعالى: يا أيها الذين ءآمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا .

ثم وضّح هؤلاء أهمية الحفاظ على لفظ (النظام) وعدم خلطه بلفظ القانون، بجملة من الفروق الشرعية والنظامية المهمّة التي لها أبعاد وآثار، تستوقف الباحث عن الحقيقة .

وهذا ما سيُستَكملُ في المقال التالي إن شاء الله تعالى .

المصدر : http://www.al-madina.com/node/377079

 



1/2


القائلون بأنَّ مصطلح (النظام) في المملكة ليس مرادفاً لمصطلح (القانون)، أيّدوا رأيَهم بذكر فروق جوهرية بينهما؛ أُجمل أهمها فيما يلي :

أولاً :
تضمن مصطلح (النظام) تأكيدَ حاكميّة الشريعة الإسلامية على الأنظمة السعودية، على نحو ما سبق بيانه في المقالة الأولى؛ وعليه كيَّف علماءُ الشريعة دراسة الأنظمة في المملكة ضمن إطار السياسة الشرعية؛ وهذا من الآثار المهمّة لمصطلح النظام، التي أسهمت في مشاركة العلماء في مراجعة الأنظمة، بل وفي سنّها، إضافة إلى تعليق الفتاوى المرتبطة بها عليها؛ كما أسهمت في إبعاد وإبطال فتاوى التكفير -المستندة على أدلة نبذ القوانين الوضعية- عن بلادنا سلّمها الله. و هذا كلّه لا يتحقق عند استعمال مصطلح (القانون).

ثانياً :
تأصيل الإلزام الشرعي للكافّة (حكاماً ومحكومين، قضاة ومحامين) بامتثال الأنظمة المرعيّة، ومنع تجاوزها؛ إذ مصدر شرعيتها هو الشريعة الإسلامية، وعنه انبثقت فتاوى تجريم مخالفة الأنظمة المرعية شرعا؛ بخلاف (القانون) الذي يستمد قوته من دستوريته الوضعية ولو خالف الشريعة؛ فالإلزام الشرعي لمقتضى (النظام)، ميزة لا يتمتع بها (القانون) في المجتمعات الإسلامية عامّة وفي مجتمعنا خاصة.

ثالثاً :
لزوم تفسير النظام داخل إطار الشريعة الإسلامية؛ فكل تفسير لـ(النظام)، يخالف الكتاب والسنة يُعدّ تفسيراً باطلا مهما كانت جهة إصداره، وذلك خضوعاً لمبدأ سيادة الشريعة؛ بخلاف (القانون) فلا يشترط في تفسيره ولا إنشائه عدم مخالفة الشريعة الإسلامية، كما هو معلوم.

رابعاً :
وجوب التزام شرط التأهيل الشرعي للقضاء، المعبّر عنه نظاماً بالحصول على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة، أو شهادة معادلة لها، مع اشتراط النجاح في امتحان خاص يُعدّه المجلس الأعلى للقضاء، كما جاء في نصّ (المادة الحادية والثلاثون) من نظام القضاء الحالي الصادر عام 1428هـ؛ ويعدّ هذا القدر أدنى حدود الشرط الشرعي المتفق عليه بين علماء الشريعة لتولي القضاء؛ وهذا بخلاف القانون، فلا يشترط في القضاء به شرط التخصص في الشريعة، مع أنَّه أهم شروط تولي القضاء في الإسلام، ولا يعدّ -شرعاً- من يتولى القضاء بدونه قاضيا شرعياً، حتى لو وافق الشريعة في أحكامه، ويكون من المتوعَّدين في الآخرة بالنّار، كما نصّ عليه أهل العلم؛ لتصديه للقضاء مع تخلف شرط الأهلية الشرعية لديه؛ ولا حجة في وجود درجات قضاء تصحح التجاوز؛ لفقد الشرط؛ ولأنَّ الحكم لا يرتقي للدرجة الأعلى على كل حال، كما لو لم يَعتَرِض الخصوم.

خامساً :
خضوع (النظام) للرقابة الشرعية على دستورية الأنظمة، ويتضح عمليا في الرقابة القضائية الشرعية؛ بخلاف القانون فلا يشترط خضوعه للرقابة الشرعية؛ لأنَّه لا يخضع لسيادة الشريعة.

سادساً :
لزوم التسبيب الشرعي للأحكام القضائية، التي يطبق فيها النظام المرعي؛ إذ النظام المرعي في المملكة، لا يخلو: إمَّا أن يكون حكماً شرعياً أو تدبيراً فقهياً أو مركباً منهما؛ وعليه فلا بد من التسبيب الشرعي له؛ بخلاف القانون، فلا يلزم ذلك، بل قد يُرفض!

سابعاً :
أن استعمال مصطلح (قانون) مرادفاً لمصطلح (النظام) في المملكة-مع ما فيه من خطأ علمي وآثارٍ سلبية- هو أيضاً مخالف للنظام، وبمعنى آخر: لا يسوغ استعماله -مطلقاً عن قيدٍ- في توصيف النظام السعودي، الذي تؤكّد أنظمته الأساسية أنَّ (النظام) هو المصطلح الرسمي في الدولة وأنظمتها؛ فأصول القانون هنا تقف مع مصطلح النظام، التزاما بالاستعمال الرسمي السعودي.

و من ثمّ قالوا باستعمال مصطلح (النظام) دون لفظ (القانون)؛ لما لذلك من أبعاد وآثار متنوعة، قد تُستبعد في حال استعمال لفظ (القانون)، ولو مع مضي الزمن.

ومما ينبغي التنبيه إليه هنا : أنَّ جُلّ أصحاب الرأي القائل بالترادف، يرون الترادف في إطار الشرعية الإسلامية لا غير ؛ وإن وُجد من يرى ذلك بوصفه خطوة نحو التفلّت من الشريعة، فهم قلّة قليلة بحمد الله .

وأخيراً فالملاحظ أنَّه مهما أردنا تطبيع مصطلح (القانون) في إطار مرجعيتنا الشرعية، فإنَّه يفتح أبوابا من الجدل والخلاف، دون ضرورة أو حاجة عامّة؛ بل يساهم في تخلفنا في الثقافة النظامية التي نطمع في نشرها في ضوء سيادة شريعة خالقنا جلّ وعلا؛ فهل نعتز بمصطلحاتنا، وننشر إصلاحاتنا الإسلامية وتجربتنا التنظيمية باعتزاز، أم نبقى متأرجحين، فيسبقنا غيرنا في الاعتزاز بشريعتنا في ظل التطورات المعاصرة؟

وفقنا الله إلى ما فيه رضاه ..
 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية