اطبع هذه الصفحة


قضايا مهمّة بين يدي علم «السياسة الشرعية»
الجمعة 13/07/2012

د. سعد بن مطر العتيبي


بسم الله الرحمن الرحيم


من المصطلحات المألوفة في تراثنا الإسلامي، مصطلح: "السياسة الشرعية"، ذلك المصطلح الذي كان يعبّر عنه قبل ظهوره بالأحكام السلطانية، ثم جاء بديلاً شرعياً تصحيحياً لمصطلح تاريخي غير شرعي، هو مصطلح "السياسة" الذي يرد في سياق تعليل المستبدّين الظلمة وأعوانهم، لظلمهم الذي كانوا يمارسونه خارج إطار الشرعيّة بالطبع .

وإذا ما أردنا التعرف السريع على استعمالات مصطلح "السياسة الشرعية" في التراث السياسي الإسلامي، فيمكن اختصاره فيما يلي:


الاستعمال الأوّل (المعنى العام) :

إطلاق السياسة الشرعية على الأحكام والتدابير السلطانية والولايات الدينية، سواء كانت أحكاما ثابتة أو متغيرة. و تشمل في المصطلحات الوضعية المعاصرة مسائل و فروع ما يعرف بالقانون العام بقسميه الداخلي: الذي يشمل : النظام الدستوري والمالي والإداري والجنائي وما إليها؛ والقسم الخارجي الذي يشمل: النظام الدولي وما إليه ؛ والقانون الإسلامي العام –إن صح التعبير للتقريب- يلتزم تطبيق القانون الإسلامي الخاصّ أيضاً بطبيعته .. ومما يصنف تحته من كتب التراث السياسي فقها وفكراً : الأحكام السلطانية والولايات الدينية، للأبي الحسن الماوردي.


والاستعمال الثاني (المعنى الخاص) :

إطلاق السياسة الشرعية على الأحكام والتدابير المتغيرة من جملة أحكام السياسة الشرعية، سواء كان مستندها النصوص غير المتعينة، أو كانت مما لا نصّ فيه.. ومما يمكن أن يُصنّف تحته من كتب التراث السياسي الشرعي: الطرق الحكمية، لابن القيم.


والاستعمال الثالث (المعنى الأخص) :
إطلاق السياسة الشرعية، على الأحكام والتدابير المتغيرة من جملة أحكام السياسة الشرعية، فيما لا نصّ فيه، ويقصد بها هنا في الجملة: أحكام العقوبات غير المقدرة وتدابيرها، أو ما يعرف بالتعازير. ويصنّف تحته : كتاب السياسة الشرعية، لإبراهيم خليفة .

ومن هنا،
فلا يدخل في مدلول "السياسة الشرعية" في التراث الفقهي السياسي الإسلامي، ما يُعرف بمرايا الحكّام وآداب الملوك، التي تعتمد على إيراد الصفات والآداب والأخلاق التي ينبغي للملوك والحكّام الاتِّصاف بها، وإيراد ما يؤيدها من حكايات الروم والفرس والعرب وغيرهم- وإن ظنّه بعض المتأخرين داخلا في مدلول السياسة الشرعية ظناً خاطئاً لا علماً.

و هنا أذكر بين يدي هذا العلم، عددا من الحقائق والقضايا المهمّة
التي تفيد في فقه الحكم على الواقع خاصّة، وفي فهم كتب التراث السياسي بصفة عامّة، وهي كالتالي :

الأولى : إيمانية ،
وهي: اعتقاد وجود سياسة شرعية، ضمن منظومة علوم الشريعة؛ ومن ثمّ العناية بتعلمها وتعليمها، وإثرائها بالبحوث والدراسات التأصيلية والتطبيقية، ونشر ثقافتها، على جميع المستويات التي تتطلب ذلك، داخل العالم الإسلامي وخارجه.. ولا سيما أنَّ ارتباط السياسة بالشرع، نهج الأنبياء الذي يرثه ولاة أمور المسلمين من أهل العلم وأهل التدبير:(كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء)..

وبهذا ينتقض الفكر العلماني الذي سعى بعض المستشرقين إلى شرعنته، وكان لذلك ضحايا من أبناء المسلمين، ومن قياداتهم التي عانت منهم الأمّة منذ سقوط الاحتلال الأجنبي المسمّى بالاستعمار .


والثانية : منهجية ،
وتتمثل في : التأكيد على بناء هذا العلم على أصوله في تقرير المسائل، وعدم إدخال أصول غيره فيه مهما كانت المبررات والمسوغات. كما قال الله عز وجل : )ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم( ؛ فالتزام الكتاب والسنة، أهم أصول الفكر السياسي لمنهج أهل السنة والجماعة. ومن هنا فالسياسة الشرعية لا تخرج عن شرعية السياسة، وذلك أنَّ شرعية السياسة لا تخلو: إما أن تكون شرعية أصلية، أو شرعية استثنائية؛ فالأولى تكون عند صياغة الواقع، والثانية تكون في التعامل مع الواقع.

والثالثة : تطبيقية ،
تتمثل في : تفعيل هذا العلم في الواقع، من خلال صياغة مبادئه في الدساتير الإسلامية، ومراعاة ضوابطه في ما يجد من آليات الممارسة السياسية. ليبقى مجسّداً أمام الأمّة، فكم نفيت حقائق بسبب ضعف تصور المتلقي عن تصورها، وكم استوعبت فلسفات ونظريات بسبب وجود النموذج الحيّ لها، بغض النظر عن شرعيتها.

وهذا التفعيل، يجب أن ينطلق من الأصول، وينبغي أن يفيد من التجارب البشرية فيما لا محظور فيه ..


والرابعة : فكرية ،
وتتمثّل في : أهميّة قراءة كتب التراث السياسي قراءة فكرية في تنزيلهم للأحكام على الوقائع في عصرهم، مع التفريق بين التطبيقات الجزئية التي قد لا تكرر ، والتقعيدات الكلية التي يمكن الإفادة منها عبر العصور ؛ مع ضرورة الابتعاد عن القراءات المرهَقة بالواقعِ الملوّث ومحاكمة التراث السياسي الشرعي من خلالها، والحذر من القراءات المهزومة المتشبِّثة بالوافد الغربي؛ فبيان السياسة الشرعية والدفاع عن السياسة الشرعية، إنَّما يكون بالتزام ثوابتها وتحكيم مرجعيتها، والحذر الشديد من محاكمتها إلى ثقافة تناقضها؛ مع الإفادة من تجارب الأمم بعد تنقيحها مما يعارض الثوابت الإسلامية والمرجعية الشرعية ..

والموضوع ذو شجون ، وإنما هي إطلالة ..

------------------------------

المصدر :
http://www.al-madina.com/node/389787/risala



 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية