اطبع هذه الصفحة


فضل الإسلام و مصيبة موت الإمام

د. سعد بن مطر العتيبي

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد :

نحن جزء من أمَّة تدين بالإسلام ، فلا عجب أن تنقاد لأحكام الشرع الحنيف في شؤونها ، صغيرها وكبيرها ، ولا عبرة بمن شذَّ .. هذه حقيقة يجب أن تبقى واضحة جليَّة .

وحيث يعيش مجتمعنا هذه الأحداث الأخيرة المهمَّة التي كان أوَّلها مصيبة وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - ينبغي لنا أن ننظر بتأمّل إلى أهمية هذه الحقيقة التي صدّرت بها هذا المقال وأن لا نرددها ترديد المتغنين ولا نمر بها مرور العابرين.

ومن هنا رغبت أن أضع بعض ما يؤكِّدها ، لتعلم الأمَّة بركة هذا الدين لأهله ما كانت مستقيمة على أصوله ، وأهمية الاعتصام بأصليه ( الكتاب والسنة ) ورحمة الله بالمستمسكين بها صدقا وإن وجد منهم قصور ؛ وليعلم الآخرون أنَّ أمامهم أرقاماً صعبة إن كان بهم حراك خارج الحقيقة أعلاه ، أو كان لهم مناهج خفية توحي بها بعض فلتات ألسنتهم ! وهذا شيء من التوضيح للقضية الكبرى أعلاه ، في نقاط موجزة مختارة من واقع الحدث :

أولاً : باختصار .. انتقل المُلك إلى ولي العهد بطريقة قانونية دستورية واضحة ، عيَّن فيها الملك الجديد ولي عهد له ، و مرَّ الحدث بهدوء لا ينكره إلا مكابر ؛ وهذا كلَّه مع ما كان من إرجافٍ وتحليلات فاشلة ؛ فلله الحمد والمنّة .

ثانياً : نُفِّذت أحكام الجنائز وفق الكتاب والسنة - بوصفها أوَّل أحكام شرعية إسلامية عامَّة في ظل القيادة الجديدة - في جنازة الملك فهد رحمه الله تعالى ، من الغسل والتكفن والصلاة والدفن والقبر ، وشاهد ملايين الناس هذه التفاصيل الشرعية من غير غلوِّ مُبْتَدِعٍ أو غوايةِ قبوريِّ مفتون ؛ فكانت رسالة عملية أصدق إنباء من الكتب . اطَّلع بها المسلمون على يُسْرِ هذا الدين ، ومساواته ، وسهولته (( إنَّا أمَّة أميَّة ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا )) ، بمثل هذه البساطة والسهولة واليسر اتضح لمن ينهجون نهجاً آخر في شأن الجنائز ، أنَّهم قد وضعوا على أنفسهم آصاراً و في أعناقهم أغلالاً ، لم يشأ الله أن يشدِّد على الأمة بها ( ولو شاء الله لأعنتكم ) .

فلا عرباتٍ ولا مدافعَ ولا صحبة موسيقى حزينةٍ ولا عقودَ بناءٍ للقباب ، وهي أمور لن تعجز عنها ميزانية من وسَّع الحرمين لو كان على غير هدى .

بل أحضره الأقربون مسجى على نعش خشبيٍ عامٍّ يحمل اسم المستشفى الذي توفي فيه .. مغطى بعباءةٍ رجالية وفق الأسلوب المعتاد الذي لا محذور فيه .. ورفعوه على أعناقهم إلى المسجد ومنه ، وكذا في المقبرة ، بين القبور .. ليس في ساحة مسجد قد بُني ، أو وضع أساسه ببناء القبر .

إنَّها دروس في العقيدة الإسلامية الصافية ، لم نملك مدامعنا ونحن نراها ، كما نراها مع كلِّ جنازة ! ولولا رؤية حامليها لما فرقنا بينها وبين الجنازة الأخرى .

فلله الحمد والمنَّة .. وجزى الله خيرا كل من سلك في ذلك السُنَّة .

ثالثاً : ظهرت مصطلحات لها شذى إسلامي فقهي تاريخي عبق .. تداولتها وسائل الإعلام واستضافت لها المتخصصين من الفقهاء وغيرهم ممن يقرؤون السياسات ، فكم كان لسماعها في الأنفس من نشوة : إنَّها مصطلحات لم تعرفها الديمقراطية زرقاء العين ، مع أنها وجدت قبلها بأكثر من أربعة عشر قرناً !.

مصطلحات سمعها الناس وتلقّاها العوام كما ردَّدها العلماء والولاة تماما .. حتى إنَّك لتسمع بعض العامة المتصلين بالإذاعة أو القناة يفتتح مكالمته ، بعبارة في غاية البراءة : ألو .. ممكن أبايع ؟! ممكن أبايع ؟! فيرد المذيع : تفضل .. تفضل .. تسمع الفقيه يتحدث عن وجوب المبايعة ، وأنها حكم شرعي وليس دعاية سياسية .

وهكذا مصطلح ( المنشَط ) و مصطلح ( المَكْرَه ) وغيرها من مصطلحات الفقه السياسي الإسلامي الأصيل .

لقد كانت هذه المصطلحات في هذه الأيام تحوم حول الأرض حوم الأقمار الصناعية ، وتلفت أنظار الأباعد فيما أتخيله ببساطة : أشعة ليزر دعائية ، تقول للعالم : هنا مكَّة ! هنا الإسلام هنا السلام .

وهنا أرفع صوتي أكثر .. لأقول لمن ينادون بثقافات الآخرين - في كل مكان - من العلمانيين واللبراليين ومن تمسح بهم و نحى نحوهم واتبع غوايتهم : أربعوا على أنفسكم أيَّها القوم ، فو الله إنَّ ولاءنا لأمتنا وولاة أمرنا ، ولاء ديني إسلامي ، يوجبه الدين في المنشط والمَكْرَه .. وليس ولاء مصلحياً لا يتحمل نقص المصلحة الشخصية في المنشط ، بلْه أن يدين بالولاء في المَكْرَه ! .

فشيئاً من الحياء يا من تلبسون الثياب وتتحدثون من خلال ربطة العنق .
إي وربي لقد سمعنا عجبا .

ففي الوقت الذي يتكلم فيه علماؤنا ودعاة الإسلام في هذا البلد وعلى رأسهم شيخنا سماحة مفتي عام المملكة / عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، ورئيس مجلس القضاء الأعلى ، و الشيخ صالح اللحيدان حفظهما الله ، وكلِّ من تيسر له الحديث من الدعاة إلى الله في إذاعة أو قناة - أقول : في هذا الوقت الذي يؤكِّد فيه هؤلاء العلماء والدعاة على مسألة البيعة لولاة الأمر على الكتاب والسنة ، نجد الآخرين يتحدثون عن آمالهم في تغيير ثقافة المجتمع ؟! بل ومنهم من وجد وقتاً ليطالب بأيام للحداد ! ما هذا ؟ أهذا وقت مطالبات ؟ أهذا وقت إزعاج للولاة والأمَّة ؟!.

وما هي آليات المطالبة الجادَّة على فرض التسليم بهذه الدعوى ؟!.
لقد تبرع لنا بفتوى من النوع ( السفري ) المسمم بالجهل بأبجديات العقيدة الإسلامية الصافية ؟! بل و بأبجديات أصول القانون التي تمنع المطالبة بما يخالف الدستور ؟! وعلى أقل تقدير إن زعموا أنهم يستشرفون المستقبل فحسب : فهلا تحدثوا عن خِطط متجدِّدة من التنمية تُنتظر ، بدل الحديث عن ثقافة الأمَّة التي تفسر مدلولها طروحاتهم الأخرى ؟! حينها لربما وجدنا لهم شيئاً من عذر !.

رابعاً : الرجل الذي يساهم في صنع التاريخ ، هو الذي يُورِّث أعمالاً خالدة بخلود أصولها .. وإنَّ من مآثر الملك فهد - رحمه الله تعالى - التي انتظرنا من دعاة التغريب من يعطيها شيئاً من حقها في البيان والدراسة والتغطيات الإعلامية : إصدار النظام الأساسي للحكم ، فهو بحق مفخرة تستحق التغطية المستمرة استمرار الوقائع والأحداث .. فلِم يتجاهله القوم يا ترى ؟!.

أيخجلون من ذكر الكتاب والسنة التي يؤكِّد النظام انطلاقه منهما ؟!.
أم هل يرونه نظاماً ظلامياً رجعياً ؟!.
أم أنَّه لا يخدم المشاريع التغريبية التي يتأبطونها ؟!.
كلّ ذلك وارد ولا سيما مع اختلاف مآخذ القوم على قلتهم لا كثَّرهم الله !.

وكنت في موضوع سابق أشرت إلى أهمية احترام النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية ، أو ما يعرف في لغة القانون بـ ( الدستور ) ، وأشرت فيه إلى تضمنه لمقاصد الولاية العظمى في الإسلام ، وذكرت أهم مواد النظام التي تنصّ على وجوب العناية بها ؛ بالتزام مرجعية الكتاب والسنة ، وسياسة الأمة سياسة شرعية ، والقيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، في مواد غاية في الوضوح ودقّة الصياغة .

وكانت خدمة الحرمين الشريفين ، والمسجد الأقصى ، والعناية بالجاليات المسلمة ، والمراكز الإسلامية ، وتأسيس مجمع الملك فهد للمصحف الشريف وقيامه بأعماله - تطبيقاً عملياً لبعض مواد هذا النظام المفخرة .

أيها النَّاس : إنَّ النظام الأساسي للحكم خطة سياسية إسلامية ، أصيلة المأخذ ، عميقة الجذور ، دستورها من كتاب الله ، ومنهجها الإسلام .. وهذا عينه ما عاهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الأمَّة بالسير عليه ، سائلاً الله عز وجل أن يقويه على تنفيذه ، ومطالباً الأمَّة بإعانته عليه .

ومن هنا يجب على وسائل الإعلام أن تكون معينة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - وفقه الله - في تنفيذ ما عاهد عليه ، وأن تعدل عن كل ما يخالف كتاب الله عز وجل ، وتعدل إلى ما يقتضيه المنهج الإسلامي الذي تقوم عليه هذه الدولة المباركة إن شاء الله تعالى .. فليتقوا الله في أنفسهم وفي ولاتهم وفي أمتهم التي ينتمون إليها .. وليفتحوا صفحة جديدة من الاتباع المخلص للدين ، والولاء الصادق لولي الأمر ، والنصح السديد للرعية .

وفَّق الله الولاة والرعية لما يحبه ويرضاه وجنبهم ما يسخطه ويقلاه .

اللهم وفق ولاتنا لما للسير بنا فيما يرضيك ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وترشدهم إلى طريقه ، وتحذِّرهم من الشر وتصرفهم عن طرائقه .

اللهم وصل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله .
 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية