اطبع هذه الصفحة


نظام القضاء ونظام ديوان المظالم الجديدان ( قراءة دستورية )

د. سعد بن مطر العتيبي

 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد صدر المرسوم الملكي ذو الرقم م/78 وتاريخ 19/9 / 1428 هـ بالموافقة على نظام القضاء، ونظام ديوان المظالم الجديدين؛ ومن مكة المكرمة كما هو في خبر وكالة الأنباء السعودية، وكأنّ صدوره من هناك إشارة أولى إلى خضوعه للوحي الإلهي؛ كتابًا وسنّة صحيحة.
وهذا ما يجب أن يكون، وهو ما جاء النص عليه صريحًا في ذكر ملامح هذين النظامين، في أكثر من موضع.

1) يُعدّ أول تنظيم مدوّن للنظام القضائي الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثاني رجال السنة التشريعية التي أوصى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - باتِّباعها بعد اتبّاع سنته، وهو ما يعرف بكتاب عمر إلى أبي موسى، ذلك الكتاب الذي لقي عناية فائقة من علماء الإسلام وكبار محققيه، من مختلف المذاهب الفقهية، حتى شرحه بعضهم شرحًا مستقلاً فيما يزيد على أربعمائة صفحة، وهو التنظيم الذي قال فيه العلامة السرخسي: "يسمونه: كتاب سياسة القضاء وتدبير الحكم"؛ فليس التدوين التنظيمي أمرًا جديدًا على دولة الإسلام كما يظنّ بعض النّاس.

ومن هنا؛ فالتنظيمات التي تقع من ولاة الإسلام تحقيقًا لعدالته، لها سلف في صنيع الخليفة الراشد، والرشد فيها بقدر التزامها بأصول الإسلام وتشريعه.
وبعد تردد في الكتابة - بسبب الظرف الزماني، حَسَمَتْهُ رسالة هاتفية وصلتني من بعض الأفاضل، يطلب فيها كتابة مقال يوضِّح الأمر لعموم القُرَّاء، ويزيل اللبس الذي تُوهِمه بعض مقالات الكتّاب - جاء هذا المقال.

ومن هنا؛ فليس هذا المقال قراءة نظامية شاملة لهذين النظامين، فهذا ما لا يمكن أن يكون دقيقًا في مثل هذا الوقت، ولا سِيَّمَا أنني لم أقف – حتى هذه اللحظة - على شيء من مسودات مشروع النظام ومداولاته، وإنَّما هو قراءة دستورية لهما؛ إذ إنّ هذا الأمر هو ما يهم عموم النّاس في بلاد جَعَلت مَرجِع أنظمتها – بما في ذلك النظام الأساسي للحكم - كتابَ الله تعالى وسنّةَ رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا صريح المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم، ونصّها: "المادة السابعة: يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة".

2) ومما يحسن التنبيه إليه في هذا المقام، أنَّ من المبادئ الدستورية المتفق عليها بين شُرَّاح القوانين وما يُعرف بالقضاء المقارن: مبدأ سمو الدستور، أي علوه على بقية الأنظمة والقوانين، ومرجعيته في التَّحَقُّق من مدى ملاءمتها وفق أصول قانونية مُعَيَّنَة، بحيث يكون حاكمًا عليها بالملاءمة (الدستورية) أو عدمها (عدم الدستورية).
ويتفرع عن ذلك ضرورة مراعاة السلطة التنظيمية، التي يسميها القانونيون "السلطة التشريعية" للدستور وتقيدها بقواعده في أثناء سنِّها للأنظمة.
كما يتفرع عنه حق الرقابة السلبية اللاحقة على الأنظمة والقوانين العادية وما دونها، إذا لم ينصّ الدستور على تحديد جهة تتولى الرقابة الدستورية على الأنظمة والقوانين؛ وهذا يعني أنَّ للمحاكم الامتناع عن تطبيق أي مخالفة نظامية للدستور، وعليها الحكم بما يتوافق معه مع تسبيب الحكم شرعًا.

3) وإذا أردنا بيان مدى مراعاة هذين النظامين للنظام الأساسي للحكم، الذي يُعد الوثيقة الدستورية في بلادنا حماها الله! فيمكننا الخلوص بالنتائج الرئيسة التالية:
أ) أكّدت المادة الأولى من نظام القضاء استقلال القضاة، وهو فرع عن استقلال السلطة القضائية، التي نصَّ عليها النظام الأساسي للحكم؛ فقد جاء نص المادة الأولى من نظام القضاء كما يلي: "المادة الأولى: القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء".
وهو توافق ظاهر مع المادة (السادسة والأربعون) من النظام الأساسي للحكم؛ فنصها: "القضاء سلطة مستقلة.. ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية".
ومفهوم استقلال القضاء في النظام الإسلامي يعني: عدم وقوع القضاء تحت تأثير سلبي لسلطة أو شخص أو أي مؤثِّر في الأحكام القضائية، بحيث ينحرف القضاء عن مقصوده المتمثل في الحكم بالحق وتحقيق العدل.

واستقلال القضاء من الضمانات التي يتفق عليها العقلاء، وقد جاء تأكيدها في النصوص الشرعية، من مثل قول الله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:48]، وقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة:48]، وعقَّب ذلك ببيان مآل الإخلال باستقلال القضاء في قوله سبحانه: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:48]، وحكم الجاهلية نموذج التخلف الذي يتنافى مع التطوير وإيجابياته.

ومن مثل قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من أعان على خصومة بظلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع))؛ رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وصححه غير واحد من أهل العلم.
وقد جاء التنبيه إلى هذه الضمانة العدلية في نظام القضاء العمري السابق ذكره، فقد جاء فيه ما نصّه: "آس بين النّاس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك".

ويُميز كثير من القانونيين استقلال القضاء بما يُعرف بالفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية (التي تتولى تصريف شؤون البلاد وفق الأنظمة)، والتنظيمية (التي تتولى إصدار الأنظمة والقوانين)، والقضائية (التي تتولى القضاء والفصل بين المتنازعين). وهو معيار يَصْدق إن قُصد به الفصل بين السلطات فيما يخصها، لا الفصل التام كما يوهمه إطلاق الكلام فيه؛ إذ إنَّ الفصل التام نوع من التنظير للعدالة ليس إلا.

ومما يجدر بالذكر هنا أن النظام الأساسي للحكم في المملكة، جعل العلاقة بين السلطات الثلاث علاقة تعاون تكاملي في أداء وظائفها المستقلة، وفق النظام الأساسي للحكم وغيره من الأنظمة، كما هو مقتضى المادة (الرابعة والأربعون) منه؛ وهذا يقتضي أن يكون كل ذلك في إطار السياسة الشرعية؛ وهو على هذا، أمر له فلسفته في النظام السياسي الإسلامي، وكذا في رأي عدد من منظري المبادئ الدستورية الوضعية.

ومن هنا يفسّر صدور الموافقة على النظامين بمرسوم ملكي، وذلك استنادًا إلى المادَّة (السبعون) التي تنصّ على صدور الأنظمة والمعاهدات والاتفاقات بموجب مراسيم ملكية ؛ وهكذا الشأن في الأمر الملكي ، إضافة إلى ما يحمله معنى الأمر الملكي من قوة للمأمور به، تُساهِم عادةً في تسهيل ما قد يعترضه من عقبات مالية وإدارية وغيرها.

وهكذا ما تضمنه النظامان من النص على تتويج بعض قرارات المجلس الأعلى للقضاء بالأمر الملكي وما جاء في معناه.

ومما يحسن التنبيه إليه أن هذين الأمرين لا يُعدّان تدخلاً في السلطة القضائية بالمعنى الممنوع شرعاً وقانونًا، وإنَّما هو جزء من وظيفة ولي الأمر في سياسة الأمة سياسة شرعية، وإشرافه على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية كما هو مقتضى المادة (الخامسة والخمسون) من النظام الأساسي للحكم، ولا شك أنَّه جزء من الولاية الشرعية، ما دام في هذا الإطار.

وقد اتَّضَح الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية في شؤون القضاء ذاته في المادة (الحادية والسبعون) من النظام التي حصرت عمل وزارة العدل في الإشراف الإداري والمالي على المحاكم وكتابات العدل، ورفع ما تراه من المقترحات أو المشروعات التي من شأنها رفع المستوى اللائق بمرفق العدالة، وإنشاء مركز بحوث تابع لها، يتولى نشر الأحكام القضائية المختارة بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء.
ويُلحَظ أن عضو المجلس الأعلى للقضاء من وزارة العدل، هو وكيل الوزارة، الذي يجب أن يُختار من بين رجال القضاء العاملين أو السابقين، بشرط أن لا تقل درجته عن رئيس محكمة (ب) أو سبق له شغل هذه الدرجة.

ب) ومن الأمور التي تؤكِّد دستورية النظامين الجديدين: النصّ على أنَّ مرجعية الأحكام هي الشريعة الإسلامية، وما تفرع عنها من الأنظمة المرعيّة؛ وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ من أهم أسباب عدول المُنظِّم السعودي عن المسمى المُعَاصِر للأنظمة وهو (القانون)، جريانُ العرف المعاصر بأنّ القانون ما تَفَرَّع من الأحكام الوضعية المضادة للشريعة في الجملة؛ فأراد المنظِّم السعودي تأكيد انتماء تنظيمات المملكة العربية السعودية إلى الشريعة الإسلامية وانبثاقها عنها، بالعدول عن اللفظ المحتمل إلى اللفظ الأسلم.

وقد جاء النصّ الدستوري بوجوب تطبيق المحاكم لأحكام الشريعة الإسلامية في جميع القضايا المعروضة عليها، وذلك في المادة (الثامنة والأربعون) من النظام الأساسي للحكم، ونصّها: "تُطَبِّق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دلّ عليه الكتاب والسنّة، وما يُصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة"؛ فالمرجعية في القضاء للشريعة الإسلامية، وهذا نص صريح في بطلان أي حكم غير شرعي، وإن استند إلى نظام صادرٍ من ولي الأمر.

كما جاء النص على تمام سلطان الشريعة على القضاء في (السادسة والأربعون)، وفي المادة الأولى من نظام القضاء الجديد، وأحالت إليها المادة الأولى في نظام ديوان المظالم الجديد، وقد ذكرتُ نص المادتين الأخيرتين في الفقرة (أ)، وكلاهما محكوم بالمادة السابعة من النظام الأساسي للحكم أيضًا.

ج) جاءت المادة الحادية والثلاثون، لتؤكِّد النصوص السابقة، بوضع آلية التنفيذ الصحيح لها، فنصت على الشروط الواجب توفرها فيمن يولَّى القضاء في المملكة كحدٍ أدنى من الشروط، وهي ما ورد في الفقرة (ج) من المادة ذاتها، ونصّها: "ج- أن يكون متمتعًا بالأهلية الكاملة للقضاء بحسب ما نص عليه شرعا ".

كما بينت هذه المادة آلية تحقيق ذلك في الواقع، في الفقرة (د) بذكر نوع التأهيل العلمي المناسب لتحقيق الشرط الوارد في الفقرة (ج)، ونص الفقرة (د): "أن يكون حاصلاً على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة، أو شهادة أخرى معادلة لها، بشرط أن ينجح - في الحالة الأخيرة - في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء".

وهذا شرط واضح يحقق مضمون الشرط الشرعي المُتَّفَق عليه بين العلماء في أهلية القضاء، الذي هو العلم بالأحكام الشرعية التي يقضي فيها، علمًا يشتمل على علم أصولها والارتياض بفروعها، لتتحقق المَلَكَةُ الفقهية المطلوبة، وهو أمر لا يتيسر لمن ليس له تخصص في علم الشريعة، وقد لا يتيسر في مَن تخرج من كلية شرعية خارج المملكة معادِلة لكلية الشريعة في المملكة؛ مما جعل المنظِّم يحتاط للشرط المتفق عليه شرعًا، المنصوص في الفقرة (ج) بتذييل الفقرة (د) بشرط إضافي في هذه الحالة، وذلك بالنص التالي: "بشرط أن ينجح - في الحالة الأخيرة - في امتحان خاص يُعدُّه المجلس الأعلى للقضاء ".

وهذه الشروط ذاتها ليست خاصة بمن يتولى القضاء فحسب، فقد اشترطها النظام - أيضًا - في من يُعَيَّن على وظيفة كاتب عدل، كما في المادة (السادسة والسبعون).

وإذا كان ما سبق هو الحد الأدنى من الشروط الواجب توفُّرها في القاضي؛ فإنَّ المواد (33 إلى 43) قد أضافت من الشروط ما يقوى بقوة الولاية، مما يعطي ارتياحًا شرعيًّا في قوة التأهيل لكل ولاية بحسبها.

ولا شكّ أنَّ هذه الشروط المهمّة الكاشفة عن مستوى التأهيل القضائي لمن يُقَلّد منصب القضاء، تجعله في مستوى من التأهيل الشرعي المطلوب شرعًا؛ حيث جمعت بين شروط علمية وشروط خبرة سابقة ومدد تجربة لاحقة، إضافة إلى التفتيش القضائي، تمنح المنصب القضائي نظرة احترام وثقة تجعل التسليم للحكم القضائي في أعلى درجاتها.

د) أكّد النظامان حصر القضاء في جهتيه الدستوريتين: المحاكم وديوان المظالم؛ ذلك أن النظام الأساسي للحكم قد حصر القضاء في هاتين الجهتين بمقتضى المادتين (التاسعة والأربعون) و(الثالثة والخمسون).

وهذا الحصر هو أحد ملامح هذين النظامين، فقد نصت تسمية المحاكم على بعض قضايا المحاكم العامة، التي كانت تحكم فيها دوائرُ قضائية ضمن اختصاصات استثنائية في ديوان المظالم، أو كانت تفصل فيها لجان خارج إطار القضاء،لم توصف بالمحاكم، فليس كل أعضائها مؤهل للقضاء، ولعلّ هذا مما ألجأ المنظِّم آنذاك إلى وصف ما تُصدره بأنَّه قرارات إدارية وليس أحكامًا قضائية شرعية؛ ومن ثم جاز التظلُّم ضدها أمام ديوان المظالم.

وقد جاء النص على أنواع المحاكم تحت تهاتين الجهتين، وإمكان إحداث محاكم جديدة ضمنهما في المادة التاسعة من نظام القضاء، مبيِّنة شموله لكل القضايا التي لا تدخل ضمن اختصاصات ديوان المظالم؛ وجاءت (المادة الثامنة) من نظام ديوان المظالم، مبيِّنة اقتصاره على اختصاصه الأصلي المتمثل في القضاء الإداري.

وقد يستنكر بعض الفضلاء وجود مسميات جديدة لبعض أنواع المحاكم في نظام القضاء الجديد، كالمحاكم التجارية والمحاكم العمالية؛ وإذا ما استذكرنا ما سبق بيانه من أنَّها - وفق هذا النظام ذاته - محاكم مُلزمة بالحكم بالشريعة، وأنَّ مؤهِّلات القاضي، فيها على النحو السابق بيانه، فإنَّه حينئذ لا خشية من هذه التسميات التخصصية، إذا ما تولاها المؤهّلون تأهيلاً شرعياً نظامياً، وحكموا فيها بمقتضى الكتاب والسنة، كما هو مقتضى النظام الأساسي.

هـ) جاء في المادة (الحادية عشرة) من نظام القضاء، بيان ولاية المحكمة العليا، وأنَّها تتولى: "مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها في القضايا التي تدخل ضمن ولاية القضاء العام... ".

وجاء في المادة (الحادية عشرة) من نظام ديوان المظالم، اختصاصها بالنظر "في الاعتراضات على الأحكام التي تصدرها محاكم الاستئناف الإدارية، إذا كان محل الاعتراض: أ – مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، أو الأنظمة التي لا تتعارض معها... ".

ويمكن أن يوصف هذا القدر من الولاية بأنَّه نوع من الرقابة الدستورية على الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف، فهي رقابة على دستورية الأحكام القضائية، لا ترقى إلى درجة اختصاصات ما يعرف بالمحاكم الدستورية إلا إذا ضُمِّنت رقابتها على الأحكام والقرارات رقابتها على مستنداتها النظامية؛ وعلى فرض عدم إمكان دخول رقابتها على الأنظمة تبعًا، فتبقى مختصة برقابة دستورية الأحكام والقرارات، وهو أمر لا يتعارض مع مسمى المحكمة العليا.

وعلى كل حال، فوجود هذا النوع من الرقابة مطلب مهم في النظامين، وإضافة تنظيمية تستحق الشكر.

ويُلحَظ أنَّ (المادة الثالثة عشرة) من نظام القضاء نصت على هيئة عامة برئاسة رئيس المحكمة العليا وعضوية جميع قضاتها تتولى فيما تتولى: أ- تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء. ب- النظر في المسائل التي ينص هذا النظام أو غيره من الأنظمة على نظرها من الهيئة العامة.

وفي الفقرة الأولى جاء تقرير المبادئ العامة بتنظيم واضح يفيد من السوابق القضائية، وبما أنها سوابق تخضع لمراقبة المحكمة العليا التي تُخضعها بولايتها لأحكام الشريعة الإسلامية، فستساهم في حصر القضايا التي يسوغ تدوينها، ليفيد منها القضاة فيما ينظرونه من قضايا.

وفي الفقرة الثانية ما قد يوحي بإمكان إضافة اختصاصات جديدة للمحكمة العليا وهيئتها العامة، وهو في حال حصوله أولى – في نظري- من المحكمة الدستورية، لأن جميع أعضائها من القضاة، وهو ما ليس شرطًا في تكوين المحاكم الدستورية، بل يُعدّ من عيوبها، كما هو الحال في النظام الفرنسي مثلاً.

وأخيرًا يمكن القول هنا باختصار: لقد انتصر التطوير التنظيمي على دعاوى الإصلاح الإعلامية، وبقيت لأنظمتنا أصالتها في محور أصولها، ومرونتها الدائرة حول هذا المحور.

هذه قراءة دستورية عامّة للنظامين، رأيت كتابتها مع ضيق الوقت تحقيقًا للأسباب السابق ذكرها أول المقال، ونسأل الله تعالى الذي وفّق ولاة أمرنا في الوصول إلى هذه الصيغة النظامية الدستورية، أن يوفقهم للسياسة الشرعية في تطبيقها، وأن يثيبهم على ذلك.
 

كتبه/ د. سعد بن مطر العتيبي
عضو هيئة التدريس بقسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء
23/9/1428
 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية