اطبع هذه الصفحة


نعم! هو الحل، فليجربوا مع أمتنا: دعه يعمل دعه يمرّ!

د.سعد بن مطر العتيبي


اطلعت على مقال الأستاذ زين العابدين الركابي سلمه الله! [وذلك في عدد جريدة (الشرق الأوسط) بتاريخ 4/11/1429] وهو مقالٌ ربما طار بعض خصوم الحل الإسلامي بعنوانه، فقد كان العنوان: "(شعار الإسلام هو الحل).. أين هو من المشكلات العالمية؟".

لكن الأستاذ زين العابدين، ما كان ليترك العنوان – وهو الخبير بالحراك الإعلامي والثقافي - دون أن يقيده بالأصل العقدي الإسلامي.. ومن هنا وضع سؤالاً حول ذلك وأجاب عليه، قبل أن يدلف إلى بقية صلب ما عناه بمقاله.. إذ قال: "هل ينزع عنوان المقال إلى التشكيك في قدرة الإسلام ذاته على تقديم حلول للأزمات والمشكلات التي تعاني منها الأسرة البشرية؟.. لا. قطعاً؛ فهذا التشكيك (ردّة بواح).. والمسلم لا يريد ولا يطيق ولا يعقل الانتقال من (دائرة الاجتهاد الفكري) الواجب – والمجدد للإيمان – إلى دائرة (الردة العقدية) التي تنقض الإيمان)". 

وحيث قطع هذا الخبير الطريق على خصوم الدين ذاته (عقيدة وشريعة) من الأجانب والآخرين من دونهم؛ فقد كفانا مؤنة تأكيد تلك الحقيقة العقدية الإسلامية، التي أفصح عنها باختصار يكفي ويشفي؛ فالحديث في الأصول العقدية ليس محلاً للتمييع أو التفلسف، أو المجاهرة بالنفرة من أهل العلم بالحل، وترديد الشنشنة القديمة التي حكاها الله لنا عن أمثالهم في وقت التنزيل وإلى اليوم: (أبشر يهدوننا؟!) في حين أنَّهم يتبعون سنن بشر لا يملكون هداية لأنفسهم ولا حلاً حقيقيا لمشكلاتهم.  

ومع موافقتي للأستاذ زين العابدين في مقاله بشأن تسبب المسلمين في تخلف سياستهم عن خدمة أمتهم، وخدمة الأسرة البشرية؛ إلا أنني رأيت من المهم تتميما لهذا الموضوع المهم أن أتحدث عن ثلاث قضايا رئيسة: 


الأولى:
أن ترديد هذا الشعار في هذا العصر – بغض النظر عمن يرفعه - هو ترديد لحقيقة عقدية شرعية، على نحو ما قرّره الأستاذ فيما أوردته عنه أعلاه. وهذا في حدّ ذاته مطلب مهم، في تحقيق مضمونه إيمانا في الحال، وتحقيقه واقعا في المآل.. فهو شعار يكشف عن الحل، لمشكلات لا حاجة للنصّ عليها، لتعددها وتنوعها.. واستشعار صدقه، يبعث على تحقيقه بإذن الله تعالى؛ إذ الاعتراف بتأثير العلاج يحمل على تناوله، وتناوله سبب في الشفاء.. ولهذا المعنى في التاريخ شواهد..  

والثانية:
تحدث الأستاذ عن عائق داخلي حقيقي، يتمثل في فئة من المنتسبين للعلم اكتفت بنقل الفقه عن إيجاد الفقه، وبتثبيت المعلوم عن الوصول للمجهول.. وهي أزمة كبرى تحدّث عنها عدد من مفكري العصر من العلماء، كالمفكر المعروف مالك بن نبي، وكالشيخ محمد رشيد رضا رحمهما الله! وتحدّث عنها من قبل المفكّر الشرعي (المحقق) الشيخ أبو العبّاس ابن تيمية رحمه الله! ومن حديثه في ذلك ما ساقه الأستاذ عنه، وهي مقالة طالما رددت أمام الطلاب، وقد تكلمت عنها بالتفصيل العلمي في سلسلة مقالات: أضواء على السياسة الشرعية؛ رجاء الالتفات إلى ما نبّه إليه الأستاذ زين العابدين في مقاله محل المداخلة.. 

والثالثة:
من المكمِّل للمقال، والمتمّم له: ذكر عوائق جسام، كان لها أثر في العائق السابق؛ فإنَّ جملة من العوائق الداخلية والخارجية لأمتنا حجبت كثيرا من الرؤى الشرعية عن الراعي والرعية.. وليس المراد التعلق بتلك العوائق، لكنه قصد الإنصاف وبيان الحقائق.. 

لقد كان لأهل العلم الشرعي من ذوي الفكر الشرعي آراء سديدة ومشاريع مفيدة، غير أنَّها قوبلت بالجحود والنكران، بل بما هو أكثر من ذلك؛ إذ حوربت وحورب أهلها في بعض البلاد الإسلامية، سواء منهم من كان منتميا لحزب، أو غيره؛ بل قدمت مشاريع إصلاحية من جهات علمية إسلامية رسمية عالمية، وبتكليف رسمي أحيانا، وبعضها حملت في عناوينها دلالات سياسية شرعية كالتهيئة لتطبيق الشريعة، وهي مشاريع سبق أن تحدثت عن بعضها في بعض المقالات، بدأت من صياغات الدساتير، مرورا بالنظم المالية، وحتى مشاريع حماية الطفل! 

وهنا يثور سؤال كبير: لماذا لم ينظر في هذه المشاريع؟  
وإذا كانت غير مناسبة: فلم لم توضع على بساط الدراسة والنقد من متخصصين كخطوة نحو الحل؟!  

والجواب الواقعي – إضافة إلى ما ذكره الأستاذ - يكمن في حقيقتين:
 

الأولى:
النفرة من الحلول الشرعية الإسلامية لدى بعض المتنفذين في الدول أو الأحزاب الحاكمة على مرّ التاريخ الحديث؛ عن جهل أو هوى أو خصومة..  
والثانية: الترويع الأجنبي من السير في السياسات الشرعية الإسلامية.. 

بل لقد بلغ الأمر ببعض تلك الأحزاب والأنظمة أن هاجمت الأنظمة الشرعية في المملكة العربية السعودية، مع أن تلك الأحزاب والأنظمة تئن تحت وطأة قوانين وضعية مستوردة لا تناسب بيئاتها وخلفيتها الثقافية، وهو أمر نبّه إلى تناقضه وأثره في عدم الاستقرار الحقيقي بعضُ الأجانب، وقد سمعت هذا من أحد أساتذة القانون الفرنسيين في لقاء تم في أحد الصروح العلمية.. 

وقد سعت في تشويه تطبيق الشريعة لدينا بصور مختلفة، وتنادت بعض الأحزاب وأنصارها في تشويه الحكم الإسلامي في المملكة، في داخل العالم الإسلامي وخارجه.. حتى اضطررنا إلى بذل جهود في محاولة تصحيح المفاهيم، وتوضيح المشكلات للأجانب، في لقاءات وحوارات عالمية.. وقد كان الأجانب أكثر إنصافا وتفهما من بعض بني جلدتنا! 

ومن المضحك المبكي أن بعض التجارِب والحلول الإسلامية، لم تجد ميدانا لتطبيقها أوّل مرّة، إلا خارج ديار المسلمين! ومن ذلك: البنوك الإسلامية.. 

وأمّا في بلاد الإسلام فيؤسفنا أن نتمثل قول الشاعر: 

متى يبلغ  البنيان  يوما  تمامه *** إذا كنت تنبنيه وغيرك يهدم!

ومع كل ذلك، إلا أنَّ ثمة تجارب إسلامية ناجحة: حكومية وأهلية، بقيت صامدة في وجه الأعاصير الفكرية المخالفة والمخاصمة، والإرجاف والإرهاب الأجنبي.. وكان من حق تلك التجارِب أن تأخذ طريقها في تحقيق الحل الإسلامي لمشكلات الحياة لولا ظهور عوائق مفتعلة بين حين وآخر.. فعلى الصعيد الحكومي كان من الملاحظ أن الحل الإسلامي يتجلى بقدر التمسك بتلك التجارِب الناجحة؛ فقد كنا نفخر بأننا البلد المتمسك بتطبيق الشريعة، ومن ثمّ الأقل نسبة في الجريمة، وفي الجرائم المجرّمة عالميا.. وتحدّث عن هذه الحقيقة الأجانب الأباعد بإنصافٍ، في مؤتمرات كانت تعقد في الرياض وروما وغيرها.. 

وعلى الصعيد الأهلي وجدنا تجارِب قيمة، في عدد من المجالات المتاحة، كالمجال الاجتماعي، والمجال الاقتصادي، والمجال الإعلامي، وغيرها؛ وذلك في عدد من البلاد التي أتاحت مثل هذه الأعمال ونظمت الإذن بها. ومع الأسف وجدنا مهاجمة شرسة لتلك التجارِب الناجحة! حتى قبل ظهورها للواقع وإتاحة الفرصة لها للظهور بنجاحها أو فشلها.. والسبب المعلن أنها نجاح خارج دائرة التبعية للرمز الباهر للمنتقد أو المنظومة الفكرية المستوردة من الناقد، وإن شئت فقل (الطوطم) العصري!  


فهل يستطيع المعارضون لحقيقة (الإسلام هو الحل) أن يجربوا معه شعارهم في الاقتصاد الحر: دعه يمرّ؟!
 
وإذا ما تركوه يمرّ، و وجد النقد البناء، في إطار الهوية الإسلامية والمرجعية الشرعية، فمرحبا بالنقد حينئذ، إذ حينها سنكون قد خطونا إلى الأمام على هدى، وتخلصنا من عقدة التمادي في الانكباب على الوجه مع زعم البحث عن الحل، والمشي على الهدى أهدى لنا: (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم).. 
وهذا الموضوع هو بحق موضوع يحتاج إلى مؤتمرات وندوات صادقة مخلصة. والله المستعان.

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية