اطبع هذه الصفحة


الشيخ توفيق الشاوي رجل المشاريع الإسلامية الصامت

د. سعد بن مطر العتيبي


مما جاء في سيرته رحمه الله : أنه :


وُلِدَ عام 1918 بقرية الغنيمية بمركز فارسكور بدمياط، وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق، ثم التحق بالمدرسة الثانوية بالمنصورة، وحصل منها على الشهادة الثانوية، وكان ترتيبه الثاني على القطر المصري، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وحصل على ليسانس الحقوق بتفوق وكان ترتيبه الثاني، ليعيَّن بعد ذلك في النيابة بالمنصورة .

وعندما فُتِحَ باب البعثات في عام 1945م سافر إلى فرنسا لدراسة الدكتوراه في جامعة باريس ، وحصل عليها في نهاية عام 1949م ليعود إلى مصر، ويعيَّن مدرسًا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة .

ودرّس في عدد من الجامعات في عدد من البلدان العربية ..

وإلى جانب مسيرته الطويلة أستاذاً جامعيَّاً فإن له دورًا كبيرًا في طريق العمل للصحوة الإسلامية في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي ...

انتقل بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية في عام 1965م، حينما تعاقدت معه وزارة البترول كمستشارٍ قانونيٍّ لإدارة الثروة المعدنية في جدة ، ثم عيَّنه الملك فيصل رحمه الله عضوًا بالمجلس الأعلى لجامعة الرياض .

وفي عام 1966م منحته المملكة العربية السعودية جنسيتها ، كذلك عُيِّن أستاذًا للقانون والفقه المقارن بكلية الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، واستمر يتعاون مع الأمير "محمد الفيصل" في مشروعه لإنشاء مدارس المنارات وإدارتها، ابتداءً من عام 1971م ، والاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية الذي أنشئ تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامي وحكومة المملكة العربية السعودية عام 1976م.

وبتكليفٍ من الملك "فيصل" رحمه الله تعاون مع "تنكو عبد الرحمن" عندما كان الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي في إعداد اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية، ثم شارك الأميرَ "محمد الفيصل" وأصدقاءه من دعاة الاقتصاد الإسلامي في تأسيس بنك فيصل الإسلامي بالخرطوم والقاهرة، وبقي عضوًا بمجلس إدارة هذا البنك عشر سنوات؛ مما أدى به إلى نشر 3 كتب عن الاقتصاد الإسلامي في التطبيق ...

ومن أقواله المهمة التي اعتبرها نتيجة تجاربه مع الفئات المتخلية عن وصف الإسلامية من أصحاب الاتجاهات الأخرى في العالم العربي :


" ومما يؤلم النفس الحرة الأبيّة أن البعض يتسترون وراء شعار الوطنية القطرية ، ويعملون لمصالحهم الأنانية الحزبية ، ويتعاونون مع عملاء القوى الأجنبية لمطاردة ذوي الفكر الإسلامي والعاملين في طريق الحل الإسلامي ، وهم يعلمون أنه طريق الجهاد والتضحية الذي لا ترضى عنه قوى أجنبية طامعة تخشى نهضة أمتنا ووحدتها وقوتها وتغري بعض أعوانها لمقاومة الصحوة الإسلامية ، وحرمان الشعوب التي تختارها من حقها في ( الانتخابات الحرة ) التي هي أساس الديمقراطية .. لكن أمتنا الأصيلة العريقة ستظل صامدة مجاهدة ؛ لأنَّ الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة ... "

وحيث قد قرأت في سيرة الرجل أمراً يستحق التوقف عنده حتى تمنيت مقابلته أيام حياته ، لأثير فيه كوامن أجوبة لأسئلة تشغلني حول الشريعة والقانون في مصر والمغرب العربي

وذات مساء .. في قاعة تبعد عن ضفاف النيل أمتارا ، وضمن تراتيب مؤتمر عالمي كبير - حضره مئات من العلماء والمفكرين ، منهم الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع والشيخ عبد الله المطلق وغيرهم - كانت لي مداخلة على إحدى أوراق العمل المقدمة ، وكان مما جاء في المداخلة ما معناه : إضافة إلى الحاجة العظيمة إلى علماء كبار في الإسلام عقيدة وشريعة ، كم نحن بحاجة إلى رجال يجمعون بين علم الشريعة وعلم القانون ، رجال يفقهون الشريعة ويفهمون أصول القوانين ، يتولون تقريب الشريعة وأصولها لعلماء القانون ، وتقريب أصول القوانين لعلماء الشريعة ... إلخ

ولم أكد أنتهي من المداخلة حتى رأيت رجلا اختلط الشيب بشعره ، يتخطى صفوف القاعة وهممت أن أفسح له ليتجاوز إلى حيث يريد ، فوقف عندي قائلا : أنت فلان ؟

قلت : نعم ، فأبدا توافقه معي تماما في المداخلة شاكرا ، وطلب نسخة من بطاقة التعريف للتواصل ، موضحا أنه من المقربين من الأستاذ توفيق الشاوي الذي ورد ذكره في المداخلة ..

ثم عرض عليّ عرضا لم يخطر ببالي ، وهو : هل ترغب في زيارة الدكتور توفيق ؟

قلت : بالتأكيد ، لكن هل يستطيع أن يقابل أحدا الآن ! لأنه حسب علمي مريض قعيد فراش ؟

قال : لكن مع ذلك سيرحب جدا ..

ولم تنته الجلسة إلا وقد رتبنا أمرنا لزيارة الدكتور توفيق الشاوي .

ذهبنا إليه ، وكان يسكن منزل والد زوجه د.نادية ، الدكتور عبد الرزاق السنهوري رحمه الله وغفر لنا وله ، ذلك الرجل العبقري الذي ظلم نفسه بجلب القوانين ، وظلمه كثيرون في اتهامه في الدين ..

دخلنا المنزل وصعدنا إلى حيث يجلس الدكتور توفيق بين أوراقه وكتبه ! مع أنه كان يعاني من شلل لا يتمكن معه من القبض التام على القلم ، لكنه كان يملي على كاتبه ، ووجدناه يصحح أحد كتبه الأخيرة التي لم تطبع ، وهو كتاب يتجاوز المائتي صفحة ، أملاه إملاء على كاتبه حول موضوعات الشريعة والقانون ..

سلمنا على الدكتور توفيق ونحن نراه من منعطف الدرج قبل أن نكمل صعودنا إليه ، ورحب بنا ترحيبا أشعرنا بعافيته المعنوية التي تحولت إلى عطاء حال البلاء ..

قلت له : يا شيخ توفيق ، من حقك علينا أن نشكرك على جهودك الخيرة وأعمالك العظيمة ، وجمعك بين التنظير والتطبيق في إيصال رسالة الإسلام ، وتلك الأعمال التي لخصت بعضها في كتابك الذي كان مختلفا عن بقية كتب المذكرات : " نصف قرن من العمل الإسلامي " .. فابتسم ، وأعرب عن سروره بقراءة كتابه ، ووصول نفعه للآخرين .. ( وتجدون رابط تحميله رقميا آخر المقالة ) ..

وبعد أن سألني عن تخصصي .. دار بيننا حديث عن صاحب الدار الأول ، الدكتور السنهوري ، وكيف أنه كان من عباقرة العصر ، وقلت : ربما لو قدر للسنهوري باشا معرفة الشريعة والعلم بأصولها قبل تمكن القانون منه ، لكان له في الشريعة شأن آخر أظن أنه لن يقل عن شأنه في القانون ، وهو الرجل الذي كان يتمتع بتدين قد لا يصدقه من لا يعرفه ، حتى إنه جعل موضوع أطروحته : الخلافة الإسلامية ، إثر صدمته من التآمر على الخلافة العثمانية وإسقاطها بالتآمر مع الطابور الخامس .. وبينت أنني قرأت في مذكراته عبارات إيمانية رائعة ، ( وأنا هنا أنقل منها بالمناسبة قوله : " كتبت اليوم لصديقي كتابا ختمته بهذه العبارة : إني أؤمن بالله إيمانا لا حدّ له ، فآمن به بكل ما تستطيع من قوة ، فإنَّ قلبا كقلبك لا يكون سعيدا بغير هذا الإيمان .. نعم ! إني أؤمن بالله وليس لي غير هذا الإيمان من ملجأ فاللهم أدمه عليّ ، وإني عينيّ تغرورقان بالدموع عند كتابتي هذا " أهـ كلام السنهوري باشا . والحديث عن السنهوري يطول .. ولدي من ردود أستاذنا د. عباس حسني عليه ، ما لم ينشر ! لكن يبقى النقد للمقولات الخاطئة شيء ، والحكم على الأعيان شيء آخر ..

من أهم مؤلفاته: ترجمة بالاشتراك مع زوجه نادية : فقه الخلافة الإسلامية وتطورها لتصبح عصبة أمم للعلامة السنهوري، الموسوعة العصرية للفقه الجنائي الإسلامي، نصف قرن من العمل الإسلامي، فقه الحكومة الإسلامية بين السنة والشيعة.

ويبقى العلم والذكرى الحسنة والدعاء للأخيار ..


لقد سجنه عبد الناصر ، فهلك عبد الناصر وبقي الشاوي يشوي أهل الباطل .. حتى تذكرت قصة أستاذنا الجليل الدكتور عباس حسني أجزل الله مثوبته ، حين أخبره اللواء قائد السجن الذي كان شيخنا مسجونا فيه : أن عبد الناصر حكم عليه بمدى الحياة ! فرد شيخنا عباس : حياة مين ؟ حياتي أو حياته ؟ وما إن هلك عبد الناصر حتى خرج شيخنا في نفس الأسبوع ! فكانت حياته !

توفي الشيخ ، وسار إلى الآخرة ، دون عناية من إعلامنا العربي ، الذي لا يعرف قدر الرجال ، ويتلهى عنهم بتتبع أخبار الجواري والسفلة ؛ بل وتتبع كلاب بني الأصفر فضلا عن ذكورهم وإناثهم ..

رحمك الله يا توفيق فلقد كنت موفقا حين ابتدعت أفكارا وطورت أخرى ، من مثل : فكرة المدارس الإسلامية والبنوك الإسلامية في بلاد بني الأصفر والأغبر ..

أما جهادك في شأن المسجد الأقصى وفلسطين المحتلة كلها ، فذكر خبر لم يخل من أسرار أفصحت عنها في كتابك : نصف قرن من العمل الإسلامي ..

وأخيرا أحب أن أقول : أنني مغرم بحب الأخيار ، والجلوس مع من كان منهم من الكبار ، لأن مجالسة الكبار من ذوي الخبرة ، يورث اعتدالا وإنصافا ومزيد تجربة وصحة نظر .. كما أنه ليس من عادتي تقييم الناس أو تصنيفهم بحسب انتماءاتهم الحزبية أو الدعوية بشكل عام ، ولكن معيار الاهتمام عندي : ما يظهر لي من مدى صدق الشخص في ولائه لدينه قبل أي ولاء ، ومدى صدقه في العمل لهذا الدين ، كما أنني لا أهتم كثيرا بمن هم تحت الأضواء ، بقدر اهتمامي بمن قاموا بأعمالهم وتفرغوا لحياة عمل أخرى بعيدة عن الصخب والضوضاء وملاحقة الأضواء لهم فضلا عن ملاحقتهم للأضواء بقصد إيصال رسالتهم ..

يمكنكم تحميل الكتاب من هذا الرابط :

http://www.4shared.com/file/72658707/8c865de1/_____.html?dirPwdVerified=831150ca  
 



ومما كتب عن الشيخ توفيق رحمه الله :

توفيق الشاوي..معالم في همة عالية
إبراهيم البيومي غانم / 09-04-2009
 

واحد وتسعون عاماً وجهاده لم يفتر، وصبره لم ينفد، وقناته صلبة كما هي، وعزمه من فولاذ كما العهد به في عنفوان الشباب. عندما زرته في الأيام الأخيرة قبل رحيله كان قد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيباً وفقد القدرة على النطق، ولكنه لم يفقد القدرة على الكلام بالإشارة يأمر وينهي، يحييه أحد زواره فيرد التحية بأحسن منها على طريقته، وعيناه تبرقان كعين الصقر الواقف فوق أعالي القمم.

لسان حاله يقول: لم أنته من أداء واجبي. بقيت لي معركة أو معركتان أو أكثر. رأيته يتابع القصف الوحشي على غزة عبر شاشة التلفزيون ويرى أشلاء الضحايا من الأطفال والشيوخ وعيناه تنهمران بالدموع دون أن يقدر على النطق، وكأنه يقول "لا زلت قادراً على الجهاد، ولو بهذه الدموع، وسأنتصر، وسينتصرون"؛ كان هذا قوله الذي لم ينطقه.

من عرف العلامة الشاوي يعرف أن قاموسه ليس فيه كلمة "هزيمة"، وأن سجل أعماله ليس فيه نزول ولو مرة واحدة من فوق القمة، ولا سمح لنفسه أن تنشغل بغير عظائم الأمور وعلو الهمة.

هو الموت وحده


هو الموت. "مصيبة الموت". فقط "مصيبة الموت"، والموت وحده هو الذي جعل العلامة توفيقمحمد إبراهيم الشاوي يترجل من فوق صهوة جواد جهاده الطويل في سبيل الله بعد أن جاوز التسعين عاماً. ظل خلالها قوي الشكيمة، عالي الهمة، لا تكاد البسمة تتسلل لتخفف شيئاً من صرامة قسمات وجهه حتى تغادره مسرعة.

عركته الحياة بمرها أكثر مما عركته بحلوها، ولكنه عركها هو أيضاً بصبر لا ينفد، وقلب لا يجزع، وإيمان لا يتزحزح، وشجاعة لا يتطرق إليها الوهن من أي باب.

عندما سجنه عبد الناصر في السجن الحربي باعتباره من قيادات جماعة الإخوان المسلمين سنة 1945 وطلب منه كتابة رسالة تأييد مقابل إطلاق سراحه، استجاب، ولكنه بدلاً من أن يكتب رسالة تأييد، كتب وهو في السجن الحربي رسالة هجومية شديدة اللهجة أنهاها بتوقيعه " توفيق الشاوي جداً"!!. أضاف كلمة "جداً" بعد لقبه "الشاوي" لتكشف هذه الإضافة البسيطة في مبناها، العميقة في معناها عن العملاق الذي تنطوي عليه نفسه الحرة، ولتزيح جانباً من الستار الذي كان يغطي آنذاك روحه الوثابة، وعزيمته الفولاذية الأبية.

كان أكثر الناس في ذلك الزمن ترتعد فرائصهم من سيرة السجن الحربي، ومن سجاني السجن الحربي، وكان"الشاوي" في ذلك الزمن نفسه يذكر عبد الناصر وهو في قمة مجده، وعز صولجانه، بأنه لا يرفض فقط تأييده، وإنما يتوعده مستخدما معنى لقبه الذي يشير إلى القوة التي تحرق من يتصدى لها، وذلك بتوقيعه على الرسالة التي كتبها ليقول لعبد الناصر أنا "الشاوي جداً"، ولست "الشاوي" فقط.

ومرت السنون والأيام، وخرج الشاوي من المعتقل، ومات عبد الناصر، ومات أغلب أبناء جيله، وبقي الشاوي ليعمر طويلاً، وليبلي بلاء حسناً في سبيل أمته العربية والإسلامية سبعين عاماً متواصلات، لم يؤخذ عليه فيها يوماً أنه وقف موقفاً يجلب الندم. وفي عشرات آلاف الصفحات التي كتبها لم يخط بيمينه كلمة لا يحسن بالحر أن يرسمها بالقلم، أو تطرح في نفس كاتبها ولو بعد حين الألم.

معالم في همة عالية


فاضت روح العلامة توفيق الشاوي إلى بارئها يوم الأربعاء الموافق 12 ربيع الآخر 1430ـ 8 أبريل 2009 ، وكان مولده في قرية الغنيمية/مركز فراسكور بمحافظة دمياط يوم 9 محرم 1337ـ 15 أكتوبر 1918م. وقد حكى لي فيما حكى ـ وما أكثر ما حكى لي، وما أكثر ما تعلمت منه، وما أشد تقصيري في حقوقه عليَّ ـ قال: "والدي كان فلاحاً يملك عشرة أفدنة في زمام قرية الغنيمية، وعندما ولدت تمهل كثيراً في إثبات اسمي في سجل المواليد، خشية أن أموت سريعاً وأنا طفل صغير، وبلغ تأخره عدة سنوات، ثم سجلني، وسقطت تلك السنوات من حساب عمري عند الحكومة ".

عاش العلامة الشاوي أكثر من تسعين عاماً؛ بحساب سجلات الحكومة، وأكثر من ذلك ببضع سنوات بحسب سجلات الحقيقة. ويبدو أن "الهمة العالية" تولد مع صاحبها، ولا تكتسب، أو هكذا تقول لنا سيرة العلامة الشاوي ومسيرته الحافلة بجلائل الأعمال الجهادية، والعلمية، والتعليمية، والاقتصادية، والسياسية، والقانونية، والخيرية، داخل مصر وخارجها في عديد من بلدان العالمين العربي والإسلامي، وبخاصة في بلدان المغرب العربي الكبير.

سيرة العلامة توفيق الشاوي المفعمة بالأمل والمتعالية على الألم، ومسيرته الطويلة على درب العلم والجهاد والعمل، تقول لنا أنه كان رجلاً "عالي الهمة"؛ لم يهدأ له بال في حياته الطويلة المليئة بجلائل الأعمال، ولم يكن يرى توفير جهد لديه اليوم إلى عمل يكون فيه غداً، ولم يعرف عنه أنه التمس علة ليدخر بذريعتها همة، ولم يركن يوماً واحداً ولا ساعة من نهار "إلى الذين ظلموا"، وكثيراً ما كان يردد قول الله تعالى "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار".

بدأ العلامة الشاوي مشواره الطويل في كتاب قريته "الغنيمية" فحفظ نصف القرآن الكريم على يد الشيخ "علي حواس"، وهو في السادسة من عمره، ثم انتقل إلى مدينة المنصورة ليلتحق بالمدرسة الابتدائية. وفاجأ والده بأن طلب منه أن يختار له شيخاً ليكمل معه حفظ القرآن الكريم بعد أن فارق شيخه "على حواس"، فاختار له "الشيخ شمس الدين"، وأتم على يديه حفظ كتاب الله كاملاً قبل أن ينتهي من المرحلة الابتدائية.

في صحبة الإخوان


انتقل إلى القاهرة في مطلع الثلاثينيات والتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، وفي السنة الثانية أصيب هو أخوه أحمد بالحمى، فمات أخوه وبرئ هو. وفي السنة الثالثة أصيب بالتهاب رئوي حاد ألزمه مستشفى السل بحلوان مدة عام كامل، وخرج بعد انتهاء الامتحانات، ولكنه أصر على دخول امتحان الملحق، فدخل ونجح بتفوق.

ثم شده الحنين إلى المنصورة فعاد إليها، ليحصل منها على شهادة البكالوريا سنة 1937 بترتيب الثالث على المملكة المصرية.

تمنت نفسه الالتحاق بكلية الآداب بجامعة فؤاد (القاهرة الآن)، وخاصة أنه إلى جانب حفظه للقرآن الكريم، كان يحب قراءة كتب الأدب والشعر والتاريخ، وقرأ في صباه الباكر كتب الإمام محمد عبده، والأفغاني، ودواوين أمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وكتب الرافعي والمنفلوطي، وغيرهم.

ولكن"ما كل ما يتمنى المرء يدركه"؛ فعمه إبراهيم الشاوي لم يشجعه على ذلك بحجة أنه سيصبح مدرساً مثله إن هو دخل كلية الآداب، وحثه على الالتحاق بكلية الحقوق "التي يتخرج فيها الوزراء والقادة".

ولكن الكلية تحتاج إلى رسوم قدرها ثلاثون جنيها. ونصحه عمه بتقديم طلب للالتحاق بالكلية مجاناً، فقبل طلبه لتفوقه في البكالوريا، ومن ثم عاد إلى القاهرة ليواصل دراسته في كلية الحقوق ويتخرج بتفوق بترتيب الثاني بعد زميله "محمود جمال الدين زكي".

في كلية حقوق جامعة فؤاد حدثت النقلة الكبرى التي حددت معالم حياته حتى نهايتها؛ إذ التحق بجماعة الإخوان المسلمين عن طريق طلاب الإخوان في الكلية نفسها وهو في السنة الأولى 1937/1938. وبقي وفياً لعهده ملتزماً به إلى أن لقي وجه ربه، محتسباً ما ناله من عنت ومحن بسبب انتمائه هذا عند الله؛ فقد فصل من الجامعة واعتقل مع الإخوان المسلمين سنة 1954، وبقي في السجن حولين كاملين إلى أن أفرج عنه سنة 1956.

ذاق أصناف العذاب، وتعرض لأقسى الانتهاكات التي حاولوا أن ينالوا بها من عزيمته، أو أن يحطموا معنوياته؛ حتى إن جلاديه كانوا يكرهونه على تنظيف الكنيف بيده، ففعل وهو يقول لبعض إخوانه " يا صاحبي السجن كم كتبت يدي هذه مقالات وبحوثاً في القانون، وفي فلسفة العقوبات، وفي قانون الإجراءات الجنائية، وفي حقوق المعتقلين"، مشيراً إلى سلسلة مقالاته الشهيرة التي كتبها ونشرها في جريدة المصري (لسان حال الوفد القديم آنذاك) قبل اعتقاله، وكانت بعنوان "حقوقك إذا اعتقلت"، ونشرتها الصحيفة في خمس حلقات بتواريخ 10، و12، و14، و18، و26 من مارس سنة 1954، وهي من أنفس ما كتب دفاعاً عن حقوق الإنسان، بأسلوب أدبي/ قانوني، أو قانوني/أدبي راق، وكان زبانية التعذيب يتندرون بها عليه ويقولون له وهو كالأسد حبيس القفص "ستأخذ حقوقك كاملة يا شاوي"، ثم يأمره أحدهم بمواصلة العمل في تنظيف الكنيف بيده التي كتبت تلك المقالات!!. " ألا لعنة الله على الظالمين".

قبل أن يُعين مدرساً في كلية الحقوق بجامعة فؤاد، عمل العلامة الشاوي سنتين وكيلا للنيابة 1942ـ1944، تنقل فيهما بين نيابات المنصورة، والسنبلاوين، والمنزلة. وبعد تعيينه في كلية الحقوق عاد للقاهرة ليذهب سنة 1945هو وزميله محمود جمال الدين في بعثة دراسية إلى فرنسا، وحصل على دكتوراه الدولة من جامعة في باريس سنة 1949 في موضوع "النظرية العامة للتفتيش في القانون الجنائي الفرنسي والمصري"، وقد نالت هذه الرسالة جائزة التفوق من جامعة باريس، ونشرتها جامعة فؤاد (القاهرة) سنة 1950 م ـ 1370 هـ مع مقدمة للبروفسور هوجيني أستاذ القانون الجنائي بجامعة باريس.

وعاد الشاوي من باريس سنة 1950 ليستمر في عمله أستاذاً بحقوق القاهرة إلى أن فصله ثوار يوليو مع من فصلتهم من الجامعة واعتقلتهم سنة 1954.

حركة الأفندية


ليس من اليسير الحديث عن أي جانب من جوانب سيرة العلامة الشاوي بمعزل عن بقية جوانبها. فقد بدأ انخراطه في العمل العام بالتحاقه بجماعة الإخوان المسلمين وهي تخطو خطوتها الثانية "سنة 1938" بالدخول المباشر في معترك الحياة السياسية، استناداً على قاعدة واسعة من طلاب الجامعة المصرية؛ حتى أطلق عليها في الأربعينيات من القرن الماضي "حركة الأفندية" لكثرة الذين اجتذبتهم من طلاب الجامعة الحديثة، وليس من جامعة الأزهر العتيقة على ما كان متوقعاً من حركة تدعو الناس إلى العودة إلى منابع الإسلام الصافية باعتباره ديناً ودولة، ومصحفاً وسيفاً مسلطاً على رقاب الاستعمار الأجنبي.

وعمل الشاوي أول ما عمل في صفوف الإخوان المسلمين في "قسم الاتصال بالعالم الإسلامي" الذي أنشأته الجماعة لمتابعة قضايا التحرر والجهاد ضد الاستعمار.

يقول الشاوي في مذكراته" نصف قرن من العمل الإسلامي 1945ـ1995": عندما كنا نتكلم عن إحدى قضايا العالم الإسلامي فإنها كانت جميعاً في نظرنا قضية واحدة؛ هي قضية الوحدة والحرية للمسلمين جميعاً... وكانت أولها وأهمها قضية فلسطين".

كان الجهاد ضد الاستعمار هو المجال الأول الذي أخذ القسط الأكبر من حياة العلامة الشاوي، مقدماً نموذجاً نادراً للعالم العامل المجاهد . وفي البدء كانت فلسطين، وظلت على لسانه حتى آخر لحظة استطاع فيها أن ينطق به، وبعد أن ثقل عليه النطق كان يشير إليها بيده عندما يشاهد نشرات التلفزيون وهي تبث صور المذابح التي يرتكبها جيش العدوان الصهيوني على أبناء غزة، ودموعه تنهمر وهو مقعد على كرسيه المتحرك .

وكان آخر ما سمعته منه أن المقاومة هي طريق حرية فلسطين، وستنتصر وإن طال الزمن، وستعود لأهلها حتى لو تحالفت أوربا وأمريكا وأتباعهم في بلادنا للقضاء على المقاومة، فمآلهم إلى الفشل، ومآل المقاومة إلى النصر بإذن الله".

في سبيل حرية فلسطين أنفق الشاوي قسماً من جهده وبذل من أجلها جانباً من جهاده. وأسندت إليه قضيتها كمهمة أساسية له في قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، وقبل أن يسافر إلى باريس في البعثة أفهمه حسن البنا "أن قضية فلسطين ستبقى هي مهمته الأولى" ؛ حيث كان الحاج أمين الحسيني المفتي الأكبر معتقلاً في فرنسا تحت الإقامة الجبرية.

وبالفعل لازمه الشاوي في باريس بدءاً من سنة 1946، ونجح في توثيق صلته بالإخوان إلى أن نجح في تهريبه إلى مصر بمعاونة أشخاص لم يفصح الشاوي عن أسمائهم إلى أن لقي ربه.

من أجل الحرية


ثم واصل الشاوي جهاده في سبيل تحرير البلدان العربية، وخاصة: فلسطين، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب. ونشرت مجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات أولى مقالات الشاوي وكانت عن تلك القضايا، وكانت أولها عن فلسطين، وثانيتها عن الجزائر بعنوان "طلائع المجد الطريف في أفريقيا الشمالية: ماذا فعلتم من أجلهم"(الرسالة العدد 630ـ 30/7/1945)، ثم عن قضية ليبيا مقالة بعنوان" وطن الأحرار في سوق العبيد"( الرسالة العدد 735ـ 8 سبتمبر 1947). واظب الشاوي على هذا النهج مدافعاً عن حق شعوب أمته في الحرية والاستقلال طيلة ما يقرب من سبعة عقود.

وكلما قلبنا في صفحات الجهاد الذي خاضته شعوب شمال المغرب العربي من ليبيا إلى المغرب، إلى جانب فلسطين، وسوريا ولبنان، واليمن، وجدنا اسم الشاوي حاضراً وفاعلاً ومؤثراً، ووجدناه على علاقة وثيقة بأهم رموز العلماء وقادة حركات التحرر الوطني في تلك البلدان بدءاً بالشيخ حسن البنا وعبد الرحمن عزام والدكتور طه حسين، والدكتور محمد صلاح الدين، وسيد قطب، وعبد القادر عودة، وغيرهم في مصر، مروراً بجميع قادة التحرر في شمال المغرب العربي، من خلال "مكتب المغرب العربي في مصر" ثم بالاتصال والعمل المباشر مع كثيرين منهم من أمثال الزعيم التونسي بورقيبة، والليبي بشير السعداوي، والغنوشي بعد ذلك.

ومن المغرب: علال الفاسي، والأمير عبد الكريم الخطابي، والملك محمد الخامس، والدكتور عبد الكريم الخطيب ـ الذي توفي العام الماضي وهو مؤسس حزب العدالة والتنمية المغربي ـ وانتقل سنة 1958 إلى المغرب بناء على طلب من الملك محمد الخامس وحكومته ليعمل مستشاراً بالمجلس الأعلى للقضاء، وكان حلقة الوصل بين المغرب وزعماء الثورة الجزائرية الخمسة الذين اعتقلتهم فرنسا لحين الإفراج عنهم وإعلان استقلال الجزائر سنة 1963. وباستقلال الجزائر انتقل إليها، وعين مستشاراً للمكتب السياسي لقادة الثورة برئاسة بن بيلا، ومحمد خيضر.

وكان قد شارك قادة المقاومة الجزائرية منذ وقت طويل، ومنهم: الفضيل الورتلاني، ومصالي الحاج مؤسس حزب "نجمة شمال أفريقيا"، و"حزب الشعب الجزائري"، والبشير الإبراهيمي وغيرهم من زعماء الجزائر وصناديد الجهاد ضد المستعمر الفرنسي، واستمرت علاقته بالأجيال المتتالية من قادة الجزائر إلى نهاية حياته، فكان يذهب إلى هناك ويأتي، وكأن الجزائر صارت عنده "دمياط" مسقط رأسه!!، وفيها قسم من أهله(وكان الفضيل الوتلاني يذكره بأن قبائل الشاوية من أكبر قبائل البربر في الجزائر وأن له فيها نسباً وصهراً، ثم واصل تعاونه مع عباسي، مدني، وعلي بلحاج، ومحفوظ نحناح، والرئيس زروال، وعبد الحميد مهري، وعبد الله جاب الله، والشيخ سحنون، وغيرهم من قادة مختلف أطياف الاتجاهات السياسية في الجزائر في المرحلة الأخيرة، وظل هؤلاء يقدرونه ويجلونه، ويعرفون قدره، ويشكرون جهاده ووقوفه إلى جانب قضايا بلدهم لعقود طويلة.

اتحاد الكتاب


وفي الجزائر طرح فكرة إنشاء اتحاد للكتاب والمفكرين في ندوة "قضايا المستقبل" سنة 1995، وتطورت الفكرة بعد ذلك على يد عدد من العلماء كان في مقدمتهم الشيخ القرضاوي، حتى تأسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

الميدان الثاني الذي جاهد فيه العلامة الشاوي، هو ميدان التربية والتعليم والعلم. فقد درس في الجامعة المصرية بكلية الحقوق، حتى سنة 1976 أستاذا ورئيساً لقسم القانون الجنائي، كما عمل في عديد من الجامعات العربية منها جامعة الرباط بالمغرب، والرياض والملك عبد العزيز بالسعودية.

وشارك منذ وقت مبكر في مطلع السبعينيات من القرن الماضي في تأسيس المدارس العربية الإسلامية الدولية، والاتحاد العالمي لتلك المدارس التي انتشرت في عديد من البلدان خارج السعودية مثل مصر وبعض البلاد الأفريقية.

لم تكن هذه هي أهم أعماله في هذا الميدان؛ بل أهم أعماله هي مؤلفاته وكتاباته الغزيرة التي تعتبر ثروة فكرية وفقهية وسياسية قل نظيرها لدى أي من العلماء والمفكرين خلال النصف قرن الماضي.

القائمة طويلة تحتاج إلى صفحات، فقط نشير إلى أن من أهمها على الإطلاق الآتي:


1ـ كتاب "فقه الشورى والاستشارة" وهو يقدم نقلة نوعية هائلة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وسيظل هذا الكتاب مرجعاً لفترة طويلة في المستقبل نظراً لجدة الاجتهادات التي تضمنها، ولعمقها ورسوخ جذورها الشرعية، واستيعابها للقضايا المركزية التي تواجه العالم الإسلامي المعاصر.

2ـ كتاب " فقه الحكومة الإسلامية بين السنة والشيعة وقراءة في فكر الثورة الإيرانية"، وفيه تعليقات على كتاب الخميني "الحكومة الإسلامية"، وفيه أيضاً انتقادات لبعض الأفكار والاجتهادات التي طرحها الخميني في كتابه، إلى جانب مقارنات رصينة بين الفقه السياسي الشيعي، والفقه السياسي السني.

3ـ ترجمة كتاب "فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية" ، وهو في الأصل رسالة الدكتوراه الثانية التي حصل عليها الدكتور عبد الرزاق السنهوري من جامعة ليون بفرنسا سنة 1926.وفيه إلى جانب الترجمة، تعليقاته هو وزوجته المرحومة الدكتورة نادية السنهوري، كريمة الدكتور السنهوري، على الأفكار التي قدمها العلامة السنهوري في الكتاب، وأهمها فكرة "الحكومات الناقصة"، وفكرة عصبة الأمم الشرقية" التي كانت ملهمة لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بعد حريق الأقصى سنة 1969، وإن كان مؤسسو المنظمة قد استوعبوا جانباً صغيراً من فكرة السنهوري، فجاءت المنظمة بلا حول ولا قوة كما نراها اليوم.

4ـ كتاب" الموسوعة العصرية في الفقه الجنائي الإسلامي"، في أربعة مجلدات، وهو ثروة فقهية وقانونية، كتبها شرحاً وتأصيلاً لكتاب التشريع الجنائي للشهيد عبد القادر عودة. وفي هذه الموسوعة قدم العلامة الشاوي نموذجاً في التأليف وإذكاء المطارحات الفقهية والقانونية بين عدد من العلماء منهم الدكتور محمد سليم العوا، والعلامة السيد إسماعيل الصدر الفقيه الشيعي الإيراني الأصل.

وفي هذه الموسوعة خطا العلامة الشاوي خطوة واسعة على طريق حل معضلات تقنين الاجتهادات الفقهية وتحويلها إلى مدونات قانونية يسهل على القضاة الرجوع إليها، والاستضاءة بها في أحكامهم، وفي تنزيل تلك الأحكام على الوقائع المتغيرة.

5ـ مذكراته "نصف قرن من العمل الإسلامي1945ـ1995"، وفيه قصة جهاده الطويل من أجل الحرية لبلده مصر، ولكل بلدان العالم الإسلامي، وخاصة بلدان شمال المغرب العربي كما ذكرنا . وهذه المذكرات ليست كغيرها من المذكرات التي يكتبها بعض السياسيين والزعماء والعلماء؛ الذين نجدهم في الأغلب الأعم يسهبون في قصص وحكايات طويلة بلا طائل، وذاتية/شخصية تطرح في نفس القارئ هواجس وما هو أكثر من الهواجس حول الهدف من كتابة المذكرات أهو لإثبات "الأنا الذاتية"، أم لاستخلاص عبرة الحياة، ودروس الزمن من منظور الجماعة الأكبر، والأمة التي ينتمي إليها صحاب المذكرات.

مذكرات العلامة الشاوي هي عبارة عن عمل إبداعي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، رغم أنها تسجل مسيرته الحياتية في ميادين الجهاد الفعلي، والكفاح الدائم لمصاعب الحياة ، وصروف الدهر. وإذا كان جلال أمين يقول إن تجربة حياة كل منا يمكن أن تشكل قصة رائعة تستحق أن تروى، وأنها تحتاج فقط إلى يد نحات ماهر يشذبها ويحدد معالمها كأنه يحدد معالم تمثال جميل، فإن العلامة الشاوي في مذكراته قد كشف لنا عن موهبة أخرى لا يعلمها كثير من الناس وهي أنه مبدع وأديب، وروائي من الطراز الأول، ورغم أن مادة هذه المذكرات هي مثل الجرانيت الصلد ؛ إلا أنه استطاع أن يشكلها في صورة بارعة وصادقة.

ولا يأتي ذكر الجانب الأدبي عند العلامة الشاوي إلا ونذكر بعض كتبه الأخرى التي تصنف ضمن "أدب الجهاد"، أو "أدب السجون" وأهمها رائعته المسماة "هندي في السجن الحربي" ، ورائعته الأخرى المسماة " كمين في مطار بيروت" " ورائعته الثالثة ـ التي لم تكتمل للأسف ـ التي كان يزمع تسميتها "عثرات وعصايات". وكلها من طراز أدبي رفيع المستوى، قد تجد في يوم من الأيام من يحولها إلى فيلم أو مسلسل درامي، تراجيدي أو كوميدي، أو ميليودراما أيضاً.

القانون الجنائي


للعلامة الشاوي كتب وكتابات أخرى كثيرة في مجال تخصصه الدقيق "القانون الجنائي"، وفي مجال الاقتصاد والبنوك الإسلامية، وفي السياسة الدولية، وفي تحليل ميكيافيلية السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي تحديداً له كتاب " الدبلوماسية والميكيافيلية في العلاقات العربية الأمريكية".

أما الصحف والمجلات المصرية والعربية فقط واظب علي الكتابة في كثير منها منذ سنة 1945، إلى بدايات القرن الحالي، ومن أهمها: مجلة الرسالة، وجريدة المصري(الوفدية)، والشرق الأوسط اللندنية، والوفد الجديد، والمسلمون الدولية، ومجلة المجتمع الكويتية. إضافة إلى عديد من البحوث والدراسات المتعمقة في الفقه والقانون منشورة في: مجلة القانون والاقتصاد ، ومجلة المحامين(مصريتان)، ومجلة القضاء والقانون المغربية، ومجلة العلوم الجنائية بباريس.

رحل العلامة الشاوي بعد رحلة طويلة من الجهاد المتواصل. خرج من قريته "الغنيمية" مسقط رأسه ، وكان عمره ست سنوات، ليغالب الحياة وتغالبه لما يقرب من قرن من الزمان، وعاد إليها يوم الأربعاء الثاني عشر من ربيع الآخر 1430ـ 8 أبريل 2009، ليوارى الثرى، بعد أن بلغ أكثر من تسعين سنة، ظل خلالها ذا همة عالية، وكرامة موفورة، وهامة مرفوعة. غلب كل من تصدى له، ولم يغلبه إلا حكم القدر. فقط "مصيبة الموت" هي التي أوقفت نبضات قلبه الذي استمر يهتف خلف النبي الأكرم، محمد صلى الله عليه وسلم هو:" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين". فاللهم ارحمه برحمتك، واعف عنه، واجزه عنا وعن أمته خير الجزاء وأحسنه، واجعله من ورثة جنة النعيم.

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية