اطبع هذه الصفحة


المشروع الجهادي في العراق بين مقاصد الشريعة ومقاصد المجاهدين

رضا أحمد صمدي

 
إن جرائم الاحتلال الأمريكي وأعوانه باتتْ ماثلة في بُؤْرَة المشهد الالمي بحيث لا يستطيع أي منصف أن يجادل أن ما اجترحت أيدي الأمريكان في حق الشعب العراقي لَيُمثِّل علامة فارقة في التاريخ الإنساني المعاصر، فمع أن هذا المحتل هو الذي صاغ وقرر لشعوب الأرض مبادئ العدل والمساواة والحرية وأنشأ لها الجمعيات والمؤسسات الدولية، إلا أن الإنسان لم تُنَل حقوقه ظلما وهَضْمَا وحَيْفا مثلما نِيْلِت من قِبَل المحتل الأمريكي.

وما فعله الجنود الأمريكان في العراق من تدمير للبنية التحتية في العراق، وتفجيرٍ للمباني والمنشآت المدنية، وقتلٍ للنساء والأطفال والعجزة والمعوقين، واغتصابٍ للنساء والأطفال والمسجونين، لَيُجَمِّعُ رصيدا انتقاميا هائلا في قلوب المظلومين لن تَمْحُوَهُ تقلبات الدهور وتصرفات الغِيَر.

وفي المقابل يبرز المشروع الجهادي في العراق ليُعَبِّر عن النهضة الإسلامية في العصر الحديث بوجه من وجوه التعبير، فالنهضة الإسلامية التي ابتدأت الصحوة الإسلامية وَضْعَ لَبِنَاتِهَا في بدايات القرن العشرين الميلادي مارست دورا فاعلا في تحرير الشعوب الإسلامية مِن وَطْأة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، ولما انقضى عهد الاستعمار وولّى جاء المشروع الجهادي في أفغانستان ليثبت أن أَثِيْر النهضة ما زال يسري في جسد الأمة، وأن طموحاتها ما زالت ماثلة في وُجدان شبابها على مر العصور.

نعم .. إن المشروع الجهادي في كل مرحلة من مراحل النهضة الإسلامية يبدو كأنه عُضْوٌ مُؤَسِّسٌ مُهِمٌّ في كيان النهضة، بَصْمَتُه واضحة في بيانات النهضة، تأثيره واضح في اتجاهها، ولا ينكر ذلك إلا منكر أن الجهاد هو الذي ساعد ليبيا والجزائر والمغرب ومصر والسودان وغيرها من بلدان الدول العربية والإسلامية على الاستقلال من نفوذ الاستعمار الغربي.

وإذا كان المشروع الجهادي داخلا في نسيج النهضة الإسلامية، فاعلا ومتفاعلا في كيانها، فلا يمكن بحال أن ننسى أن مقاصد هذا المشروع هي عين مقاصد الشريعة الإسلامية، وأهدافه هي عين أهداف الشريعة.

والذي نحمده لفصائل الجهاد العراقي أنهم يَصْدُرُوْنَ عن مَرْجِعِيّة إسلامية واضحة لا تشوبها شائبة، بل يتنافسون في إثبات ولائهم الصارم للشريعة الإسلامية ومقاصدها، ويتباهون بتعصبهم لكل ما تفرضه الشريعه وتلزمه من أحكام وقيود.

غير أن أي مشروع في عالم الإنسان لا بد أن تعرض له آفة التقصير والخلل، خاصة إذا كان المشروع الجهادي في العراق يعاني ضغوطا غير اعتيادية أخطرُها تداعِي الأَكَلة على القصعة العراقية حتى بدا المجاهدون في العراق أفذاذا في مقاومتهم، شُذاذا في معارضتهم!

ومع مشهد الفردية والشذوذ الذي يجتهد إعلام الاحتلال على ترسيخه في وجدان المتابع للأحداث فإن أي تصرف يقوم به أولئك المجاهدون وإن كان صوابا ومُمَثِّلا للحق الإنساني المحض سيبدو كأنه سباحة ضد التيار وتغريد خارج السرب.

وتبدو النازلة أليمة، والمصيبة أعظم لو أخطأ المجاهدون أو قارفوا ما يعتبر مناقضا للشرع الإسلامي المطهر، فأما العدو فلن يَأْلُوَ جَهْدا في استغلال الخطأ وتسخير الزَّلَّة لمصلحته في تثبيت تلك الصورة التي يروج لها عن المجاهدين، وفي المقابل يقف الغيورون على المشروع الجهادي -الذي هو في نسيج النهضة الإسلامية- موقف الحائر المتربص! هل نتكلم أو لا نتكلم؟ هل ننصح المجاهدين أو لا ننصح؟ هل نبين الخطأ أو لا نبين؟ فالمؤامرة التي حاكها الاحتلال ضد المشروع الجهادي جعلت الكثير من الغيورين يتبنون السكوت، ويقعّدون للتغاضي، ويبررون لمبدأ المقايسة بين جرائم الاحتلال الأمريكي وأخطاء المجاهدين الصغيرة، ليبدو للناس أن الخطأ وارد في حق أي إنسان، وأن استغلال الخطأ الصغير لِيكون مطية في تبرير الجرم الكبير سيكون غفلة وحماقة، ومِنْ ثَمَّ ظن أولئك الغيورين أن أي مناصحة علنية للجهاد والمجاهدين ستصب في مصلحة المحتل الأمريكي وتَشُدُّ من عَضُدِه وترفع معنوياته، وفي المقابل سَتَفُتُّ من عَضُدِ المجاهدين، وتنال من حماستهم وتضحيتهم.

غير أن كاتب هذه السطور ينظر إلى القضية نظرة أخرى حَرِيَّةً أن تكون هي الميثاق في الطرح الإسلامي المتعلق بالجهاد والمجاهدين، وهو أن المشروع الجهادي بات ملكا للنهضة الإسلامية بأسرها، وأي محاولة لنزع المشروع الجهادي خارج إطار النهضة الإسلامية سيجعل المشروع الجهادي نفسه غير ذي مشروعية، كما أن نزع كيان النهضة الإسلامية عن مشروع الجهاد الإسلامي سيجعل النهضة ذاتها غير ذي موضوع، وعليه فإن القائم بالمشروع الجهادي أو المنافح عنه، سواء كان مقاتلا في ميدان الوغى، أو باحثا في ميدان القلم يتحمل مسئولية كاملة تجاه هذا المشروع، تأييداً ونصرةً وولاءً، وتبعات هذا التأييد بالنسبة للكاتب بقلمه لا تقل عن تبعات المقاتل في الميدان بسلاحه، بل إن من يكتب بقلمه معرض لكثير من المخاطر التي قد لا يتعرض لها المجاهد في الميدان، فزاوية المواجهة في ميدان الفكر والبحث بَدَت تُمَثِّلُ خطورة استراتيجية لا تقل عن خطورة أسلحة الدمار الشامل ، ولنعتبر بنفقات الدول العظمى على مراكز البحث مقارنة بنفقاتها على الأسلحة، فسنجد تقاربا بين نفقات السلاح ونفقات الأبحاث، وتهمة الإرهاب التي طالت المجاهدين والمقاتلين ستطال من يكتب نصف كلمة في تأييدهم ونصرتهم .

كل ذلك قدمناه لأننا نعرف أن بعضا ممن سيقرأ هذه المقالة قد يكون من تلك الطائفة التي ترى في المشروع الجهادي حِكرا على طائفة أو فئة معينة، أو يرى المشروع الجهادي مُنْبَتَّا عن مشروع النهضة، ومنهم من يرى في المشروع الجهادي أنه هو نفسه مشروع النهضة الإسلامية بأسرها! ومنهم من يرى أن المجاهدين كأنهم على علم ودراية بكل فنون الحرب والسياسة، وأن الخطأ في حقهم غير وارد أو قليل، بل إن منهم من يثبت لهم العصمة من طَرْفٍ خَفِيّ بناء على قوله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).

كيف يمكن أن نقنع هؤلاء أن المشروع الجهادي ليس مشروعا فرديا، ولا يمكن أن يكون مشروعا فئويا طائفيا، بل هل مشروع متكامل يسعى كل أفراد الأمة في دعمه والقيام به باعتباره جزءا لا يتجزأ من مشروع النهضة الإسلامية الشاملة، كيف يمكن أن نقنع أولئك الغيورين أن أبحاث المفكرين غير المشاركين في ميدان القتال لها دور كبير في مساعدة المقاتلين لرسم سياسية قتالية واضحة وناجحة ، كيف نستطيع أن نقنع هؤلاء أن النصر إنما هو نتاج تفاعل وثيق بين المواجهة القتالية والبحث العلمي - سواء كان شرعيا أو متعلقا بالعلوم المادية العصرية- والدعم المالي والتأييد المعنوي والقيادة السياسية الماهرة المحنكة مع ضَمِيمَةِ كيان ضخم من المفكرين والباحثين الذين يعينون المقاتلين بالمعلومات المعقدة حول مناسبة التوقيت، ومناسبة الضربات، وصواب التحركات، إلى غير ذلك مما نراه مُقَرَّرَاً في أصول الشريعة قبل أن نراه مُطَبَّقا في سياسات الدول العظمى!

إن المشروع الجهادي في العراق يمر بمرحلة حاسمة من مراحل النصر، تبدّت إرهاصاته في البيانات المتعاقبة التي يصدرها المحتل بين كل حين وآخر، تثبت فشله في إدارة الصراع، وعدم قدرته على تحقيق وعوده بل أكاذيبه، وفي نفس الوقت فإن المراحل الأخيرة تقتضي حَشد كل الجهود المادية والمعنوية لدَعم الجهاد العراقي، لأن خِذلان الجهاد في هذه المرحلة الدقيقة كفيل أن يعيد المجاهدين لنقطة البداية، فمن الأهمية بمكان إذاً أن نقول إن الدعم الشعبي في هذه المرحلة يجب أن يكون كاسحا، والتأييد الإسلامي العام يجب أن يكون واضحا، والحشد الإعلامي وراء عمليات المجاهدين يجب أن يكون قويا ومؤثرا، وبناء على ما سبق فإن أي خطأ أو انحراف في المشروع الجهادي سيكون أثره خطيرا على هذا الدعم الشعبي والتأييد الإعلامي.

والأحداث التي شهدتها الساحة العراقية في الأسابيع الماضية تَبُثُّ مخاوف متعاظمة تجاه الآمال في مستقبل النصر المنشود، فعمليات قتل السفراء، وبعض التفجيرات التي تَطَال أبرياء بالتَّبَع لا علاقة لهم بالمحتل وأعوانه، تضع المشروع الجهادي في مَحَكٍّ عسير ومُفْتَرَقٍ وَعْر، وقد يكون صعبا على الأمة بأسرها أن تتجاوز هذا المرتقى بدون خسائر أو إخفاقات.

ليس من العسير أن نثبت أن المحتل الأمريكي يخاف من العمليات الاستشهادية التي تطال بعض الأبرياء، وليس من الصعب أن نبين بالأدلة أن قتل السفراء سَيَبُثُّ الرعب في قلب كل من يريد تثبيت الاحتلال بأي ممارسة أو مساهمة أو معاونة، وليس جَلَلا أن يُبَرْهِنَ قائلٌ إن تفجير مساجد الشيعة سيجعلهم يتراجعون عن تأييد المحتل؛ ولكن: هل يستطيع أي إنسان أن يثبت أن هذه العمليات تزيد من التأييد الشعبي وترفع معنويات الأمة الإسلامية وتزيد من طموحاتها في تأييد المشروع الجهادي؟ هذا الذي دونه خَرْطُ القَتَاد.

بل المُدَّعى أعظم من ذلك وأنكى .. وهو أن تلك العمليات المشار إليها تُوْهِنُ موقف المجاهدين، وتُضْعِفُ مركزهم القتالي، وتصيب ميثاق شرفهم النضالي في مقتل، إذْ صار سهلا يسيرا على إعلام المحتل أن يتهم المجاهدين بكل التهم الزائفة، كالإرهاب والإجرام وانعدام الضمير، وغدا من غير الضروري أن يقدم أي أدلة للمجتمع العالمي، ولم يعد المحتل محتاجا أن يمارس الأكاذيب ليشوه صورة المجاهدين ما دام التشويه يمارسه المجاهدون أنفهسم عبر بياناتهم!

إن مناقشة مشروعية تلك العمليات (قتل السفراء والعمليات الاستشهادية التي تطال أبرياء أو تفجير مساجد الشيعة) فرعٌ عن أصل قناعتنا أن المشروع الجهادي في العراق ملك للأمة بأسرها، وأن استقلال طائفة أو فئة برسم سياسات هذا المشروع النهضوي الإسلامي لهو افتئات على الأعضاء المشاركين في تأسيس مشروع النهضة الإسلامية.

إن قتل السفراء لم يستند عند الإخوة المجاهدين في العراق إلى أي سند شرعي مقبول، وما ذكر في البيانات الصادرة عن بعض فصائل الجهاد حول مقتل السفراء ليَشِيْ بحجم الأزمة الفكرية التي يعانيها بعض الأفراد المنتمين لتلك الفصائل، إذْ ليس من العسير مثلا أن نلاحظ أن الحجج التي سيقت في قتل السفراء أقرب ما تكون إلى التماس المخارج منها إلا العلم الصحيح القراح.

وبعض التقريرات الشرعية التي سيقت لتبرير العمليات الاستشهادية التي تطال أبرياء بَدَتْ كأنها بَيَانٌ لمقاصد المجاهدين ورؤاهم واجتهادهم مغلفا ومبررا بغطاء من النصوص التي تتحدث عن المقاصد الشرعية وضرورات وحاجيات الشريعة المراعاة في أحكامها.

إن غالب البيانات التي تصدر في تبرير تلك العمليات تؤكد على دور الاجتهاد وتقدير الظرف في اتخاذ القرار، وأن المجاهدين أحق بغيرهم في ذلك، وعليه؛ تكون عملياتهم وإن رآها الناس خاطئة فهي على وفق اجتهادهم وتقديرهم صائبة تنادي على الحق وتجاوره!

ونحن إن سلمنا بحق المجاهدين في اتخاذ القرارات المصيرية الميدانية المتعلقة بالجهاد والقتال، إلا أننا لا نسلم أن لهم الحق في البت في الأمور الشرعية ومن ثم تقريرها كأنها سياسة قتالية مقرَّرة في شريعة الله الغراء، ولا نستطيع أن نقبل أن يجتهد بعض الباحثين من المجاهدين الميدانيين في تقرير وجهة نظره الشرعية المقتصرة على المصالح الخاصة للمجاهدين أو الشأن الجهادي العراقي ضاربا بعرض الحائط المصالح العامة للأمة، بل متغافلا عن مسئولية المشروع الجهادي، وجلالة الدور الذي يمارسه المجاهدون في تدعيم الصورة الصحيحة للنهضة الإسلامية الحضارية.

إن انحسار التأييد الشعبي، وتضاؤل الدعم المادي للمجاهدين جَرَّاء تلك العمليات التي تثير البلبلة بين صفوف المؤيدين للمشروع الجهادي العراقي لَيُمثِّل جزءا من الخسارة التي ستلحق بهذا المشروع، والحُسْبَانُ قَاصِرٌ أن يحدد حجم الخسارة الحقيقية في ذلك الدعم الشعبي الكاسح الذي كان يلقاه المجاهدون من العامة والبسطاء، وهؤلاء وإن كان تأثيرهم المباشر ضعيفا، إلا أن دعمهم غير المباشر والمتطاول للجهاد في كل مكان لا ينكر أثرَه مُنصف وعاقل .

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلّم أصحابه في كل غزوة يغزوها أو سرية يبعثها مقاصد الشريعة من الجهاد، ويختصرها في كلمات قليلة، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه ‏عَنْ ‏سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ‏‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ‏قَالَ :‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ ‏ ‏سَرِيَّةٍ ‏ ‏أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ ‏‏اغْزُوا بِاسْم ِاللَّه ِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلا‏تَغُلُّوا ‏ ‏وَلا‏تَغْدِرُوا ‏ ‏وَلَا ‏‏تَمْثُلُوا ‏ ‏وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا .

والوصية بتقوى الله والأمر بالغزوة باسم الله دليل ناصع واضح أن الجهاد ليس مجرد مواجهة قتالية، بل هو مشروع إصلاحي يستحضر طهارة المقصد، ونزاهة الوسيلة، ويستلهم جلالة النسبة، فالغازي والمجاهد إنما يغزو ويجاهد باسم الله، أنه مُنْتَمٍ لله منتسب لشريعته مُظَاهِرٌ لمبادئها وأحكامها، فلا غَدْر ولاغِيلة ولا تمثيل ولا ظلمَ للضعفاء ولا تجاوز للحدود، فالجهاد في ذاته مَرْحَمَة، والقتال في نفسه رسالة ومبدأ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود من رواية ابن مسعود مرفوعا: (أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الإِيْمَان)، يقول بعض الشراح: لِمَا جَعَلَ اللَّه فِي قُلُوب أهل الإيمان مِنْ الرَّحْمَة وَالشَّفَقَة لِجَمِيعِ خَلْقه بِخِلَافِ أَهْل الْكُفْر .

و‏روى البخاري عَنْ ‏ ‏عِكْرِمَةَ‏ ‏قَالَ ‏‏أُتِيَ ‏ ‏عَلِيٌّ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ‏ ‏ابْنَ عَبَّاسٍ ‏ ‏فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ‏.

و‏عَنْ ‏شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ‏ ‏قَالَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَة رواه مسلم .

إن مثل هذه النصوص التي تثبت مبدأ الرحمة وأصل الشفقة حتى في القتل والقتال قال عنها النووي إنها تمثل قواعد الإسلام، أي أن مبادئ الإسلام ومقاصده تدور حولها، ومِن ثَم وجب على المجاهدين أن يراعوا تلك المقاصد الشرعية في نواياهم وأفعالهم ، ولزم الممارسين لمشروع النهضة الإسلامية أن يتمثلوا هذه المقاصد الشرعية المعصومة لتكتنف مقاصدهم الإنسانية وأفكارهم وخططهم التي قد يعتريها ما يعتري البشر من النقص والقصور ، لترقى مقاصدهم فتشابه مقاصد الشرع فلا يتصرفون إلا بما يوافق الشريعة ، ولا تقع أفعالهم إلا على وجه يطابق أحكام الشريعة .

ليس نصر الإسلام والمسلمين في عَدّاد القتلى الذي يحصده المجاهدون من العلوج المحتلين، ولكن نصر الإسلام والمسلمين في انتصار مبادئهم، وظهور مناهجهم، وعلو شعارهم، وتطبيق أحكام دينهم الحنيف، وإذا كان الجهاد الذي هو ذِروة سنام الإسلام يمارَس بما ليس من الإسلام، أو بما يَثْلِم الإسلام وينال منه، فماذا سيبقى للإسلام من نصر وفضيلة، وقد جعله الرافعون لرايته مثالَ نَقْدٍ وتجريح وطعن وتشويه؟ بل ليت شعري كيف سننتصر أصلا في ميدان القتال وقد انهزمنا في عرصات الفضيلة والمُثُل والمبادئ؟

إن تلك الكلمات قد تبدو شديدة في حق تلك الثُّلَّة من الشباب المسلم الطاهر الأَبِيّ الذي انتفض وهب للذب عن حياض الدين وشرف المسلمين، قد يكون بعض النقد المباشر الصريح مريرا عسيرا، بل إن بعض الضعاف والمتربصين قد يجتزئ بعض عبارات نقدنا للمجاهدين ويطير بها كل مَطار، ولَرُبَّمَا استغلها في التشنيع على المجاهدين والنيل من عملهم وجهادهم، ومثل هؤلاء أنا بريء منهم ومما يَمْكُرُون، وإنني أدعو المجاهدين أن ينظروا في كلماتي وعباراتي نظرة واثق أنها ما خرجت إلى غَيرة على الدين، فهو أحب إلينا من الجهاد والمجاهدين، وأن يطمئنوا إلى أن كاتب هذه السطور قد عقد في قلبه من من مواثيق الولاء والتأييد والنصرة للجهاد والمجاهدين في سبيل الله ما لن يستطيع أحد أن يَفُلَّه إلا أن يشاء الله، كما أدعوهم أن تَرْكَنَ نفوسهم إلى اليقين أننا ما سطرنا سطرا ولا كلمة إلا ونرجو منها أن يتكامل جهدهم ويكون مقبولا عند الله ليكون لهم الأجر الجزيل، وأننا ما أحببنا لأنفسنا ولذوينا من خير ونصر وهناءة إلا وأحببنا أضعافه للمجاهدين في سبيل الله ، فهم نِقَاوَة الأمة وغيرهم بَقَلها، وهم صفوة الصحوة وغيرهم زَبَدها، فلله درهم وعلى الله نصرهم، والحمد لله رب العالمين.

 

رضا صمدي
  • رسائل ومقالات
  • كتب وبحوث
  • صــوتـيـات
  • الصفحة الرئيسية