اطبع هذه الصفحة


التيار السلفي الشعبي

رضا أحمد صمدي

 
دعونا نتجاوز محيط الحوار حول التيار السلفي العلمي والتيار السلفي الجهادي ، فهذه الأطروحة امتلأت بها المنتديات والساحات وكثر فيها القيل والقيل والبحث والنقاش حتى دخلت المساحة الممنوعة من التنابز والاتهام في النيات ، وصار الحق عند هؤلاء وأولئك لازما أن يكون في إطار الأفهام والقرائح التي لها انتماء لهذا الفصيل أو ذاك ، وغدا كل من من يعارض حتى ولو في فرع بسيط كأنه خارج على إجماعات الأئمة وقطعيات الأمة ، وبدا التباحث بين الأخوة في هذا الباب كأنه تكريس للنزاع والخلاف وليس خروجا منه . .

إن وجود التيار الذي يزعم نفسه تيارا جهاديا لا خلاف فيه ، وكذلك التيار الذي يزعم نفسه ليس جهاديا أو أنه علمي دعوي فقط لا خلاف في وجوده أيضا ، ولكن إنكار وجود تيار سلفي آخر في الساحة لا يعدو أن يكون عماية عن الواقع الذي تحياه الأمة ، أو تعامٍ عن المحيط الذي نعيشه ، إنه كمثل تصريح بعض قادة الدول الذي أراد أن يخدع الغرب بطريقة حكمه الموالية لأهداف الحضارة الغربية والصليبية الحديثة فقال : الإخوان المسلمون لا وجود لهم في بلادي ، ! بينما هم يملئون السهول والبقاع ، أو على الأقل تمتلي بهم سجون بلاده !! أو كمثل تصريح بعض قادة الأخوان أنفسهم في بعض البلاد أن وجود الأخوان هو الوجود الطاغي المسيطر على مجريات الحركة الإسلامية ، بينما إذا تلفت في المساجد لم تجد لهم خطيبا إلا ما ندر ( أعني في تلك البلاد ) ، إنها عقدة التجاهل التي يلجأ إليها من أحاطت به خطيئته واستيقن من تقصيره وعلم أنه مسئول لا محالة عن شيء تراه عينه وتسمعه أذناه ، فلو أثبت كان مغلوبا ، وقال لا أعرف لكان جاهلا ، فلا وسيلة أجدى من أن يتجاهل ، فيظن أن الناس أنه يعرف ولكنه يحتقر من حوله ويستصغر شأنهم ، ومثل هذا عند الحمقى بطل ، وعند الأذكياء مهلكة ، وكل فطن يعرف أن من كان له عدو فلا بد أن يعد له العدة حتى ولو  كان صغيرا حقيرا ، وقد قيل : إذا كان عدوك نمله ، فلا تنمله . .

إن هناك تيارسلفي آخر هو التيار السلفي الشعبي ، وهو ما أستطيع أن أصفه بأنه روح الصحوة وماؤها ورواؤها ، إنه التيار السلفي عقيدة ومنهجا ومشربا وموردا ومصدرا ، ولكنه متواضع من حيث الإمكانيات العلمية ، إنه ذلك الشاب المتواضع الذي جرفته المدنية يوما في مدها وجزرها القوي الهادر ، وإذا بخشبة لا يحسب الناس لها حسابا تعترضه وهو يغرق في لجج الشهوات والشبهات ، فيتعلق بها فتنجيه من غمرة الورطة التي وقع فيها ، إنها خشبة الهداية المتواضعة التي يذللها الله تعالى لملايين الشباب والفتيات ، دون تدخل هيئة أو جهة أو وساطة عالم أو طالب علم ، فيتدارك ذلك الشاب أوتلك الفتاة نفسها ، فترى ألا مرجعية لها إلا لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسط هذا البحر الهادر ، فحنينهم دوما لأول منزل ، وعشقهم دوما للحبيب الأول ، هؤلاء السلفيون البسطاء ، هم وقود الصحوة ، وهم النماء الطبيعي والتطور الحقيقي للتيار السلفي الذي يقود الصحوة الآن في كل مكان . .

هؤلاء لا يتميزون بزي ، وليست اللحية أو النقاب هو سيماهم الوحيدة، ففيهم هذا وذاك ، وهذه وتلك ، ولكن الذي يجمع آصرتهم ، حب الدين ، وحب منابعه الأصيلة ، وحنينهم للرعيل الأول ، وشوقهم للمجد الذي تأثله آباؤهم وأجدادهم من الصحابة ، إذا ما قرأوا سيرة الصحابة والرعيل الأول هاجت نفوسهم ، والتاعت شوقا لذلك الماضي الفخيم ، والتاريخ العظيم . . . هؤلاء هم التيار الهادر الذي يغذي الصحوة ، بل هم لبابها وجوهرها وسر أسرارها ، هؤلاء هم الذي يغذون كل الجماعات الأخرى والتيارات المختلفة العاملة في الصحوة ، هات لي شابا في اي جماعة لا يحن للصحابة ولا يعتبرهم قدوته في الجملة ، هات لي شابا أو فتاة في أي ميدان لا يعتبر القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما ورثه عن الرعيل الأول منهاجه في حياته ، بل إن الجماعات إذا ما أرادت خطب ود هؤلاء الشباب وأولئك الفتيات فلا مدخل لقلوبهم إلى سير السلف الصالح ، وكل من دعى إلى فكر أو منهج جماعة فلا مدخل إلى قلب أحد إلا بأن يتذرع أنه يريد إعادة أمجاد السلف الصالح
وحياة السلف الصالح ، فلعمرالله إن المنهج الذي يغذي كل تيارات الصحوة هو منهج السلف وروح حياة السلف ، والسلفية في حقيقتها هي ما عاشه السلف من منهج القرآن والسنة ، وهذا في حد ذاته هو بؤرة تفكير كل شاب وفتاة . ينتمون لهذه الصحوة المجيدة . . . .

من هذا المنبر . . أدعو كل علماء الأمة . . أن يتحملوا مسئولية هذا الدين بالدعوة إلى المنهج الأصيل الذي يمثل يمثل الدين حقيقة ، ويمثل التاريخ الإسلامي أصالة ، أدعو علماء الأمة أجمعين أن يكون لهم دور في معايشة واقع الشباب والفتيات والخوض في جزئياتهم حياتهم ، ألا ينتظروا أن يأتي الناس إليهم ، أن يتوغلوا في عمق الحياة في المجتمع ، في عمق المشكلات عندهم ، أدعوهم أن ينأوا عن مشكلات وخلافات المعتقد والفروع وأن يجعلوا في محيط البحث العلمي المتخصص ، وألا ينزلوا بها إلى الاهتمام الشعبي ، فإنها تستنزف الجهود ، وتستهلك القوى ، وتزلزل الأرض تحت الزحف الهادر الماضي بعزمه في بعث الأمة الغارقة . .

إن التيار السلفي الشعبي هو الممثل الحقيقي للصحوة ، وهو الذي يجب أن نعطيه اهتمامنا ونصب في بعثه وتطويره جهودنا ، كفانا فرقة وتشرذما ، كفانا خلافا وتنازعا ، هلموا بنا نعد هذا الجيش المحمدي الزاحف إلى القدس ، إلى بغداد ، إلى كابل ، إلى كل بلد محتل ، وعقل مختل ، هلموا بنا نردد
فصفوا الكتائب آساده . . . ودكوا به دولة الباطل

 

رضا صمدي
  • رسائل ومقالات
  • كتب وبحوث
  • صــوتـيـات
  • الصفحة الرئيسية