اطبع هذه الصفحة


ما واجبنا لو أغلقت المساجد ؟ هل تموت الدعوة ؟

رضا أحمد صمدي

 
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأصلي وأسلم على أشرف الأولين والآخرين ، المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :

فقد تظاهر أعداء الدين في هذه الآونة على بيوت الله ، هدما ، وإغلاقا ، وتوقيفا ، وتعطيلا ، وهم وإن تباينت أهدافهم الظاهرة ، إلا أن مراميهم الباطنة هي بغض الله والرسول صلى الله عليه وسلم ، وبغض الدين الذي لو مُكن له في الأرض لزالت سيادتهم ، ودالت دولتهم .
ولما كانت المساجد هي محور عملية الدعوة ، ومجتمع الدعاة والمدعوين ، كان في تنحية دوره في المجتمع إثر يشبه تنحية أحكام الشريعة ، وصار لزاما على أهل الحل والعقد ( الذين هم أهل العلم والشوكة والرأي والمشورة في البلاد ) أن يتخذوا موقفا من هذا الاعتداء الصارخ على حرمات الله تبارك وتعالى .
وإذا كان تعظيم الحرمات من تقوى القلوب كما قال تعالى : ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فإنها من تقوى القلوب ) ؛ فإن رعاية حرمات الله من أن تنتهك والحفاظ عليها من أن تنال بسوء من أعظم التقوى الذي أمرنا به .
وغير جائز أن يعتقد المسلم أن دوره قد تعطل بهدم المساجد ومنع الناس من أن يذكروا فيها اسم الله تعالى أو أن يقيموا فيها شعائر الله ، سواء كان ذلك المسلم داعية إلى الله تعالى أو مجرد مصل فيها مؤد لما افترضه الله تعالى عليه في رحابها .
ولما كان ذلك كذلك ؛ وجب على كل مسلم ( وبخاصة شباب الصحوة ) أن يقفوا على دورهم في مواجهة هذا الطغيان ، وأن يعملوا جاهدين على خدمة دينهم ، والقيام بما أمرهم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، في حدود ما يستطيعون وما تطيقه جوارحهم .
وفي هذه العجالة سأسطر نصيحة قديمة ، عرضتها على أهل العلم والدعاة كحل جذري لعمليات التأميم المتتالية التي تتعرض لها مساجد أهل الصحوة الإسلامية ، بحيث يكون ضم المسجد إلى حظيرة المساجد الأليفة غير مانع للدعاة من أن يعملوا لدينهم وفق المنهج القويم ، غير هيابين من سلطة غاشم ، أو سطوة ظالم .
وها أنذا أعرض هذا الحل في صورة أفكار مرتبة ونقاط مركزة ، منبها على ضرورة أن يكون العمل جملة وتفصيلا خاضعا لرأي المشورة الجماعية ، مستظلا بإرشادات أهل العلم في كل منطقة بحسبها ، محذرا من أن يرتجل الشباب أي عمل دون أن يكون لهم موجه ذو بصيرة وعلم وخبرة وتجربة .

أولا : قد تقرر في أحكام الشريعة الغراء أن العبد لا يكلف إلا ما يستطيع ، وأن ما كان داخلا في استطاعة العبد عرفا فهو داخل في إمكانية تكليف الله إياه شرعا . وعليه فإن الشئون الدعوية غير مستثناة من هذا الأصل الأصيل ، ويجب استحضار هذا المعنى في كل ما نأتيه ونذره ، حتى لا نتكلف أمورا هي خارج استطاعتنا ، وبالتالي نقع في محاذير شرعية نحن في غنى عنها .
ولكن هذا لا يعفينا من أن نتقي الله تعالى في تقدير الاستطاعة ، وألا نركن إلى شهوات النفس وإرادات الهوى ، فإن الغالب في تقديرات الهوى الحياد عن الحق ، والركون إلى راحة النفس وعدم تجشم عناء أداء الخدمة للرب تبارك وتعالى .

ثانيا : متى ما أمكن إقامة أي عمل دعوي في المسجد بدون أضرار لزم التشبث بموقع المسجد باعتباره المكان الطبيعي للعمل الدعوي ، ولا نخرج عن هذا الأصل إلى بعد أن نستنفد كل السبل في الحفاظ على مواقعنا في المساجد .

ثالثا : متى ما حيل بيننا وبين العمل لدين الله من خلال المسجد ، فإننا يجب ألا نتوقف عن العمل والدعوة بكل السبل المتاحة ، فنستعيض عن المسجد بكل الساحات الممكنة التي يسمح بها قانون الدولة التي نكون فيها ، فلو أمكن استئجار قاعات المحاضرات أو إقامة سرادقات أو نحو ذلك لزم أن نسعى في توفير ما يمكن توفيره لاستمرار أنشطة الدعوة ، ويجب أن تدرك قوات الأمن أن قضية المسجد بالنسبة لنا ليست قضية حياة أو موت ، بل إن الدعوة ستمضي بمسجد أو بغير مسجد ، وبنا أو بغيرنا ، ويجب أن يفهم القائمون على الأمن بأننا نسير وفقا للقانون ولا نخالفه ، وبالتالي يجب إحراج تلك الجهات بأن نشعرها أن كل شيء يمنعوننا منه فإن المخالف للقانون في الحقيقة هم ، لا نحن .

رابعا : أهم نقطة جوهرية في البدائل المقترحة أن يكون هناك إجماع من شباب الصحوة على ضرورة الالتفاف حول قادة الدعوة ومشايخها في كل أرجاء القطر ، ويجب أن يتواصى الأخوة فيما بينهم على ضرورة أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة لمشايخ الدعوة ، وأن يصدر الأخوة في كل أمورهم عن رأي أهل العلم والخبرة ، وألا يستأثروا بأي تصرف أو حركة أو قرار دون الرجوع إليهم . ويجب أن تعلم قوات الأمن هذه الحقيقة بأن يرددها كل شباب الصحوة على مسامعهم إذا قدر وتعرضوا لتحقيق أمني ، بأن يصرحوا بأنهم لا يسمعون ولا يطيعون إلا فلانا وفلانا وفلانا ، فإن في هذا تقوية لمركز مشايخ الدعوة ، وإجبارا لقوى الظلم أن تعيد حساباتها تجاه مشايخنا ودعاتنا ، والملاحظ أن أية حركة تصفية لدعوة من الدعوات تتلوها حالة انكماش لشباب الدعوة ، مرده إلى أن مشايخ الدعوة لم يتوقعوا ولم يربوا الشباب على مواجهة مثل هذه المواقف ، وهكذا تتوالى الاعتقالات ، وتتوالى التأميمات ، ولا يتحرك ساكن ، فما فائدة التربية ، وما فائدة تلك الآلاف المؤلفة من شباب الصحوة إذا لم يكن لهم دور في الحفاظ على مكاسب الصحوة ، والحفاظ على المواقع التي احتلوها في المجتمع .

خامسا : يجب أن يكون البديل عن المسجد سهلا وسريعا ، كما أن بداهة وذكاء وسرعة تصرف شباب الصحوة في هذا الموقف يجب أن يكون متناسبا مع دقة الموقف ، إننا بصدد استبدال مواقع أخرى مكان المسجد الذي تم تأميمه ، فكل الدروس ستستمر ، وكل المحاضرات ستمضي ، بل والخطب ممن الممكن أن يتداولها الناس بنفس الكثافة والانتشار ، البدائل معروفة وواضحة .
الدروس تكون في أماكن أخرى ، في الحدائق ، في الساحات ، في أي مكان مسموح فيه بالتجمهر واللقاء ، في البيوت ، في القصور ، في قاعات المحاضرات المستأجرة ، تسجل المحاضرات والخطب وتوزع، أو تطبع في هيئة كتيبات صغيرة وتوزع أو تباع ، يجب أن يكون هناك بذل ، وتمويل ذاتي ، يباع الكتيب ببضعة قروش في سبيل تمويل طبع خطبة أو درس آخر .
توجيهات قادة الصحوة يجب أن تكون متداولة ، التوجيهات العامة ممكن أن توزع على هيئة شرائط صوتية ، إرشادات ، نصائح ، واضحة صريحة ، يلقيها شيوخنا في الشرائط ثم توزع وتباع ، أما التوجيهات الخاصة فتكون شفاهة عبر قنوات خاصة وعلى هيئة متقنة من السرية .

سادسا : لا بد أن يكون العمل سلسا ، نحن لا نرتكب جرما ، ويجب أن يقتنع كل الأخوة ، شباب الصحوة كلهم ، يجب أن يقتنعوا أنهم غير مخالفين للقانون ، إنهم يمارسون حقهم الدستوري والقانوني دون أن يكون لفعلهم أي أثر على أمن البلاد ، بل هم في الحقيقة رعاة الأمن ، والمحافظين على الجبهة الداخلية ، فلو تعرض أحد منا لملاحقة أمنية فلا يجزع ، ليقف شامخا ، ويجب أن يتوافر الأخوة على معونته ، معونة أهله لو اعتقل ( وهذا بعيد ) ، وتوفير المحامين لو وجدت قضية ( وهذا أيضا بعيد جدا ) وعن خبرة وتجربة فإن الدعوة ما دامت سلمية فإنه ليس من مصلحة الأمن أن يصعد الأمر إلى المحاكم لأنه سيظهر بمظهر غير مرغوب فيه أمام المجتمع ، وهذه نقطة يجب ان نركز عليها ، أن نفهم المجتمع أننا لا نخالف القانون ( سحقا لهذا القانون ) ، وأن الذين يريدون أن يمنعونا من العمل في الحقيقة هم يحاربون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يجب أن يكون للمجتمع دور في الضغط على تصرفات الأمن ، حتى متى ونحن نحيد مجتمعنا عن قضايانا ، نحن المجتمع والمجتمع نحن ، وإن لم تتحمل الأمة معنا هم الإسلام فمن الذي سيحمل الهم ؟؟؟
أقول : يجب أن تكون لدينا سلاسة في التعامل مع الأحداث ، بمجرد إغلاق مسجد ، تكون المحاضرة المقبلة قد تقرر عقدها في مسجد آخر مسموح به ، وإن منع المحاضر أوجدنا له بيتا كبيرا يحاضر فيه ، وتسجل المحاضرة ثم توزع وتباع ، بل تنشر عبر الإنترنت ، وستكون محاضرات من هذا اللون أكثر انتشارا ، فالممنوع مرغوب ، ويكتب على الشرائط ، وعلى عناوين الأنترنت : المحاضرة الممنوعة الأولى ... وهلم جرا .

سابعا : تكثيف المجموعات التربوية ، بإشراف المشايخ والدعاة ، ولا يجوز أن نخاف من تكوين هذه المجموعات حتى لو توعدتنا قوى الأمن الغاشمة ، فالقانون لا يمنعها ، ولن يستطيعوا اعتقاد أحد من شباب الصحوة لمجرد أنهم يلتقون في البيوت ليتذاكروا الدين ، وما دامت اجتماعاتنا بالفعل لا تطرح الحل العسكري في منهج التغيير فإننا يجب أن نكون في قمة الشجاعة في تنفيذ خطواتنا التربوية وغزو مواقع المجتمع ، إننا لا نفعل أكثر مما يفعله التلفزيون ، نحن نعلم الناس الدين ، نعلمهم الصلاة والعقيدة الصحيحة ، والتعاطف مع قضايا المسلمين في أرجاء الأرض ، نعلم الناس كيف يحصنون أنفسهم وأولادهم ضد الزنا المنتشر والمخدرات الشائعة والسرقة والرشوة التي أفسدت الدولة ، نحن نصلح ولا نفسد ، بخلاف رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون .
حتى هذه الكلام الذي أطرحه عليكم أيها الأخوة والأخوات يجب ألا نخاف من تداوله ، انشروه في كل مكان ، اطبعوه ووزعوه في كل مكان ، لكل شاب ، يجب أن نعرف من الآن فصاعدا أدوارنا ، لن ننتظر حتى تأتي الخلافة لتتوزع الأدوار ، فنحن الذين نمهد للخلافة ، ونحن الذين على أكتافنا ستقوم الدولة الإسلامية ، وبدون صبر وتضحيات فبطن الأرض خير من ظاهرها .

ثامنا : يجب أن يكون لمشايخنا ودعاتنا معاونون من طلبة العلم ، يساعدونهم في إعداد البرامج العلمية ، والبرامج التربوية ومتابعة الأنشطة بعد توقيف المساجد ، يجب أن يكون التواصل بين المشايخ وهؤلاء المساعدين مستمرا بأية طريقة ، لأن هؤلاء المساعدين هم همزة الوصل بين الدعاة وبين شباب الصحوة ، ويجب أن نزيد من فعالة وسائل الاتصالات ، مثل الإنترنت ، والنقال ، وغير ذلك ، بل ولا نغفل الوسائل التقليدية مثل الخطابات البريدية والهاتف العادي ونحوه ، لا تخافوا ، لا تقولون مراقبون ، خافوا رقابة الله أكثر يا شباب الصحوة ، لو مكثنا نرمق ظلنا ما تحركنا .

تاسعا : اجتهدوا في العبادة والدعاء ، ليرى الناس نور الإيمان في وجوهكم ، لترتوي الأرض من بركات أقدامكم التي تطأ ثراها ، ليترطب هواء الأرض بنسيم زفراتكم التي تعطرت بلسان وفم ذاكر لاهج بثناء الله ودعائه ، كونوا شامة بين الناس بتقواكم .

عاشرا : لا تهملوا أي إنسان في هذا العمل ، استغلوا كل شخصية ، حتى لو ظننتم أنها لن تفيد ، ابحثوا لها عن فائدة ، يجب أن يكون للأخوات دور كبير في هذا الجهاد الصامت السلمي ، وكذلك الأطفال ، وكذلك المعوقين ، وكذلك كل نفس منفوسة آمنت بعظمة هذا الدين ، وبأهليته أن يقود البشرية إلى الأمان وينهض بها من وهدتها ويخرجها من ورطتها .
تلك عشرة كاملة ، وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الأفكار ، وأن يكتب لها من ينشرها ، ويحفز المشايخ والدعاة على التفاعل معها ، فإنه لا حل في الأفق القريب بدون عمل ، ولا عمل بدون عزيمة ، ولا عزيمة بدون خطة ، ولا خطة بدون بداية ، ولا بداية بدون
بسم الله الرحمن الرحيم . بها بدأنا وبها نختم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

رضا صمدي
  • رسائل ومقالات
  • كتب وبحوث
  • صــوتـيـات
  • الصفحة الرئيسية