اطبع هذه الصفحة


وقفة تأمل قبل أن ترشح نفسك أو تنتخب غيرك للمجلس البلدي!

سعد بن ضيدان السبيعي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أما بعد:
فإلى الإخوة الفضلاء، كل منا أحسب أنه يعنيه و يهمه،أن تكون محافظات المملكة العزيزة على قلوبنا جميعاً،من أجمل المحافظات بتوفر كافة الخدمات ، وحصول ما يفيد أهلها في شتى المجالات،وتكميل ما يحصل من نقص،وترميم ما يكون من خلل ،ومعالجة ما يقع من فساد.
ألا إنه من الأمور التي يحصل بها النفع المنشود،{المجلس البلدي} ، إذا قام عليه أمناء أكفاء،مصالح المحافظة- أياً كانت- وتطورها ومطالب أهلها،مقدمة على مصالحهم ورغباتهم!

وحتى نستفد جميعاً من تجارب الانتخاب{للمجلس البلدي}السابق،وحتى لا يتكرر ويعاد السيناريو الماضي، هناك وقفة بل وقفات رأيت لزاماً علي طرحها،والتنبيه عليها،والتنويه والتذكير بها،أريد ممن يرشح نفسه أو ينتخب غيره ، أن يقف عندها طويلاً ويتأملها:

أولها: أن الإنسان لا يسأل الولاية مهما صغرت لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :{ إِنَّا وَاللَّهِ لاَ نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلاَ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ}البخاري (7149)و مسلم (3 / 1454) واللفظ له.
قال الإمام ابن تيمية في السياسة الشرعية :{وَلَا يُقَدِّمُ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ طَلَبَ الْوِلَايَةَ أَوْ سَبَقَ فِي الطَّلَبِ ؛ بلْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْمَنْعِ}.واستثنى طائفة من أهل العلم (إكمال المعلم(6 / 115)،المفهم(12 / 73))
من علم من نفسه القيام بأعباء الأمانة التي ستلقى على عاتقه - وهو مسؤول عنها ومحاسب عليها يوم القيامة - أخذاً بقول يوسف عليه السلام :{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } قال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره (1 / 407): {وكذلك لا تذم الولاية، إذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وأنه لا بأس بطلبها، إذا كان أعظم كفاءة من غيره، وإنما الذي يذم، إذا لم يكن فيه كفاية، أو كان موجوداً غيره مثله، أو أعلى منه، أو لم يرد بها إقامة أمر الله، فبهذه الأمور، ينهى عن طلبها، والتعرض لها}.

إذا تقرر هذا،فينبغي لمن علم من نفسه، أنه سيسعى في الإصلاح ويحمل رايته، وسيسد الخلل والنقص ويصلحه ، وسيقوم بكل ما من شأنه الرقي بالمحافظة المرشح فيها وتطويرها،وخدمة أهلها،أن يسع في تقديم نفسه،ولا يتوان في ترشيح شخصه،وإن علم من نفسه غير ذاك، فليحجم ولا يُتعب نفسه و يتعن، فإن ما كان لله بقي ،وما كان لغيره اضمحل وبطل،والسلامة لا يعدلها شيء
لقد سئمنا ممن يرشح نفسه، ويبالغ في الثناء عليها ومدحها بما ليس فيها، فهو (كقَاضِي جَبُّلَ) (معجم البلدان(2 / 103)بلد في الجانب الشرقي من العراق)قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (16 / 11): ( قَاضِي جَبُّلَ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُسْهِرٍ، ذَاكَ المُغَفَّلُ الَّذِي بَلَغَهُ أَنَّ المَأْمُوْنَ قَادِمٌ عَلَى نَاحِيَةِ جَبُّلَ، فَكَلَّمَ أَهْلَ جَبُّلَ لِيُثْنُوا عَلَيْهِ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، فَوَجَدَ مِنْهُم فُتُوراً، وَأَخْلَفُوهُ المَوْعِدَ، فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، وَسَرَّحَ لِحْيَتَه، وَوَقَفَ عَلَى جَانِبِ دِجْلَةَ، فَلَمَّا حَاذَاهُ المَأْمُوْنُ، سَلَّمَ بِالخِلاَفَةِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! نَحْنُ فِي عَافِيَةٍ وَعَدْلٍ بِقَاضِينَا ابْنِ مُسْهِرٍ.فَغَلَبَ الضَّحِكُ عَلَى يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، فَعَجِبَ مِنْهُ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: مَا بِكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ الَّذِي يُبَالِغُ فِي الثَّنَاءِ عَلَى قَاضِي جَبُّلَ هُوَ القَاضِي،فَضَحِكَ المَأْمُوْنُ كَثِيْراً، ثُمَّ قَالَ لِيَحْيَى: اعْزِلْ هَذَا، فَإِنَّهُ أَحْمَقُ) (أخبار القضاة (3 / 317)،تاريخ بغداد(10 / 238))
فكم سمعنا من يعد أهالي المحافظة التي رشح نفسه لعضوية بلديتها،أنهم متى انتخبوه سيجعل منها (جنة خضراء)، وسرعان ما تذهب هذه الوعود أدراج الرياح ، وتصبح مواعيده (كمواعيد عرقوب)، وهو علم لكل ما لا يصح من المواعيد.(مجمع الأمثال للميداني).
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاً ... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلاَّ الأبَاطِيلُ

ثانياً:
أنه لا يجوز لأحدٍ كائناً من كان، أن يرشح من يعلم من نفسه أنه لا يصلح لتحمل المسئولية، محاباة لعصبية قبلية ،وصداقة وحمية، أو من أجل أغراض دنيوية،فصوتك أمانة،فلا تعطه إلا من يستحقه ديانة لله،يروى عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:{مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ} رواه العقيلي في الضعفاء (1/247) ولا يصح،وقال: (يروى من كلام عمر بن الخطاب) ،وصححه الحاكم في المستدرك (4 / 92).
قال الإمام ابن تيمية في السياسة الشرعية : {فَإِنَّ الرَّجُلَ لِحُبِّهِ لِوَلَدِهِ أَوْ لِعَتِيقِهِ قَدْ يُؤْثِرُهُ فِي بَعْضِ الْوِلَايَاتِ أَوْ يُعْطِيهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ ؛ فَيَكُونُ قَدْ خَانَ أَمَانَتَهُ }
وقال : { ثُمَّ الْوَلِيُّ وَالْوَكِيلُ متى اسْتَنَابَ فِي أُمُورِهِ رَجُلًا وَتَرَكَ مَنْ هُوَ أَصْلَحَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ الْعَقَارِ مِنْهُ وَبَاعَ السِّلْعَةَ بِثَمَنِ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِيهَا بِخَيْرِ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ ؛ فَقَدْ خَانَ صَاحِبَهُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ بَيْنَ مَنْ حَابَاهُ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ أَوْ قَرَابَةٌ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُبْغِضُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ خَانَهُ وَدَاهَنَ قَرِيبَهُ أَوْ صَدِيقَهُ} .
وإذا كان السلف الصالح ينهون عن تزكية الرجل إلا بعد مخالطته،والسفر معه،ومعاملته بالدينار والدرهم، فقد سمع عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رجلاً يثني على رجل فقال :{ أسافرت معه ؟ قال : لا، قال : أخالطته ؟ قال : لا، قال : والله الذي لا آله غيره ما تعرفه}رواه ابن أبي الدنيا في الصمت (274). فكيف يُزكى من يُعلم عدم أمانته وكفأته؟!وكيف ينتخب من يكون عدم نفعه- لعدم أهليته- لا يعود لنفسه،وإنما على المحافظة بأسرها ومن فيها؟!ومن المقرر في السنة النبوية أن من علامات قيام الساعة إضاعة الأمانة، وذلك بتوسيد الأمر لغير أهله.صحيح البخاري(1/42).
فلا يجوز لأحد أن ينتخب من هو أقل كفاءة وأمانة، وهو يجد الأكفاء الأمناء، ومن فعل ذلك فقد خان الأمانة ،وشهد شهادة الزور،وأعظم من ذلك بيع الذمم وشرائها بالمال وهو من الرشوة التي لُعن صاحبها.
ألا وإن انتخاب من ليس كفأ وأهلاً ،سيتضرر به الجميع، وستبقى المحافظة تراوح في مكانها، بل وتتأخر عن مواكبة غيرها في تطورها وازدهارها، ولا ننس أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الشخصية الخاصة!

ثالثاً:
على أهالي المحافظات عموماً والنخبة المتعلمة خصوصاً أن يجتهدوا ويتفقوا فيما بينهم في انتخاب من يرون أن الذمة تبرأ به،وأن انتخابه سيعود بالنفع للمحافظة وأهلها، يجمع بين القوة والأمانة ، وتحصل به الكفاية {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} فإن قمنا بذلك،فسيرى كل منا ما تقر به عينه، ويسر به ناظره،وإن كان غير ذلك،كنا كمن قيل فيه: (يداك أوكتا وفوك نفخ) ،وسيزداد الأمر سوءاً وأشد مما كان عليه،وحينئذٍ لن تنفع المجاملات والفزعات غير المنضبطة!


هذا ما تيسر التنبيه عليه والتذكير به،وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
وصلى الله وسلم على خير الأنام وسيد ولد عدنان.


وكتب/
الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية
سعد بن ضيدان السبيعي
26/6/1432هـ



 

سعد السبيعي
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • دراسات حديثية
  • دراسات في الفقه
  • دراسات في العقيدة
  • الفوائد العلمية
  • التاريخ والتراجم
  • الصفحة الرئيسية