اطبع هذه الصفحة


الرد المنضبط على تعقيب المختلط

  

سمير بن خليل المالكي

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الرد المنضبط على تعقيب المختلط

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام
على من لا نبي بعده .
أما بعد ، فقد قرأت ما عقب به الغامدي على من رد عليه اختلاطه في مقالاته عن الاختلاط ، فوجدت تعقيبه لا يقل سخفا وجهالة عن مقالاته السابقة ، ولم يأت فيه بجديد ، سوى التأكيد والتأييد لمغالطاته وأخطائه ، وهذا مما يدل على أن الرجل قصد أن يلبس على العوام دينهم ، وأن يقذف الشبهات لإضلالهم ، وأن مقالاته السابقة لم تكن هفوة عابرة ولا زلة طارئة .
وقد أكد لنا ، أن بضاعته في العلم مزجاة ، بل وفي الأدب أيضا ، لأنه أطلق للسانه وقلمه العنان ، في التنقص بمخالفيه ، ورميهم بما يشاء من تهم ، دون النظر في عظم قدر من خالفه ، وهم جماهير أئمة السلف والخلف .
لكنه جبن أن يصرح بالطعن فيهم ، فصب جام سفهه على كل من رد عليه ، مع أن الرادين عليه قد نقلوا كلام أئمة السلف ، وفقهاء المذاهب الأربعة ، وشراح الأحاديث ، ولم يخترعوا قولا منكرا ، أو يؤسسوا مذهبا باطلا ، كما فعل "المختلط " .
* و قد نقلت من قبل ، جملة من نصوص السنة الصحيحة ، و أقوال أئمة السلف في الرد على هذا " المختلط "، ولا حاجة إلى تكرار ما ذكرته في تفنيد شبهاته وأباطيله .
لكن لما قرأت تعقيبه الأخير في موقع " العربية نت " ، رأيت أن أتعقبه في بعض ما ذكره ، مع أنه لم يأت فيه بجديد سوى الإصرار على المعاندة والاستكبار .


* * * * *


@ زعم " المختلط " أن مقالاته السابقة كانت : " ردا على ذلك المد الباطل على حقوق الشريعة والوطن" !
قلت : من أحق بأن يتصف عمله ودعوته ب " المد الباطل على حقوق الشريعة والوطن " ، هل هم الذين استمسكوا بالعروة الوثقى والحبل المتين ، واقتفوا هدي سيد المرسلين ، وسلف الأمة الماضين ، على اختلاف عصورهم ومذاهبهم ؛ أم الذين جعلوا القرآن عضين ، وخالفوا سنن المتقين ، وتنكبوا الصراط المستقيم ، اتباعا لأهوائهم ونزواتهم ؟
" و المد بالباطل في الشريعة " ، قد عرفناه في أسلافهم من المفسدين
من دعاة " التغريب " ، ودعاة " تحرير المرأة " ، ولم يأت هؤلاء "الخلوف " بجديد ، سوى اجترار شبهات الأولين ، فالأصل واحد ، والفروع كثيرة ، لكنها تسقى جميعا وتقتات من مصدر كدر آسن .

* وأما" المد بالباطل في الوطن " ، فما رزئت الأوطان ، على مر العصور والأزمان ، بأسوأ من هؤلاء المتعالمين ، يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون .
يزعمون من أكثر من نصف قرن بأن نكبة الأوطان سببها عزل النساء عن الاختلاط بالرجال في ميادين الحياة !
ويدعون أن تخلف البلدان الإسلامية سببه العفاف و الحجاب ، والمباعدة بين النساء والرجال الأجانب !
وما رأينا واحدا من أولئك صنع إبرة
فما فوقها ، ولا أسهم قيد أنملة في منفعة تعود على العباد والبلاد ، غير الثرثرة ، وإشغال الأمة بما لا فائدة فيه في معاش ولا في معاد .
مضت عشرات العقود على دعواتهم الفجة فماذا كانت النتيجة ؟
ماذا صنعت دعوة قاسم أمين وطه حسين ورفاعة الطهطاوي وهدى شعراوي ونوال السعداوي . . ، وعشرات من دعاة " التغريب" وأدعياء التجديد والحضارة والدفاع عن حقوق ( ! ) المرأة ؟
هل جلبت دعواتهم الآفنة ذرة خير أو نفع لأوطانهم ، في علم أو صناعة أو تجارة أو زراعة أو غيرها من سبل المعيشة والرخاء ؟
إن التأريخ يشهد ، أن كل أولئك الناعقين لم يكن لهم أي مساهمة ، ولو يسيرة ، في شيئ مما يزعمونه من بناء الحضارة المدنية .
وهؤلاء " المخلطون " المعاصرون هم على نفس الشاكلة ، وما رأيناهم يوما قد شاركوا في نهضة أو في عمران ، ولا قدموا نفعا للأوطان والبلدان .

* وفي مقابل أولئك وهؤلاء ، ترى مئات ، بل ألوفا ، من دعاة الخير والإصلاح ، في القديم والحديث ، ممن كانت له مساهمة كبرى في بناء الأمة ، وتربية الأجيال على العفاف والاستقامة .
وترى ألوفا من أصحاب العلوم والمعرفة التجريبية و الصناعة والتجارة وغيرها ، ممن نفع الله بهم العباد والبلاد ، في مختلف ميادين الحياة والمعاش ، ولم يزعم واحد منهم أن تخلف البلدان وضعف الأوطان ، سببه المباعدة بين أنفاس النساء والرجال .
بل حتى عقلاء الأمم المتقدمة في الصناعة والحضارة المدنية ، لم يزعموا مثل ما زعمه أولئك الناعقون
من دعاة " الاختلاط " و "التقارب " بين الجنسين .
ويكفينا شاهدا على ما ذكرنا أن كل عباقرة التأريخ في شتى العلوم والصناعات ، التي بنيت عليها جميع الحضارات ، ليس فيها شاهد واحد على ما يزعمه " الأفاكون " .

* فمن قديم الزمان ، كانت هناك حضارات بناها علماء وحكماء ، في مختلف العلوم ، كالرياضيات والطبيعة والطب والكيمياء .
منهم : جالينوس وبقراط وفيثاغورس وبطليموس . . . وعشرات من المشاهير القدماء ، وكلهم ذكران ، ليس فيهم امرأة واحدة ، وما بلغنا أنه كان عندهم اختلاط أو مماسة للنساء ، ومع ذلك أسسوا حضارات قديمة اعتمد عليها كثير ممن جاء بعدهم من العلماء .

* واستمر الأمر كذلك ، حتى جاء الإسلام ، وامتدت حضارته قرونا من الزمان ، ولم يكن للاختلاط دور في بناء حضارته ، وعلو شأن دولته ، وإنما اقتصر دور النساء فيها على نطاق ضيق ، بضوابط شرعية في الستر و الحجاب ، والمباعدة عن الاختلاط بالرجال .
أما الصناعات والسياسات ، وغيرها من العلوم ، في تلك العصور الذهبية للإسلام ، التي حكمت نصف العالم ، فقد خلت من مشاركة النساء ، فضلا عن مخالطتهن أو مماستهن للرجال .

* وحتى النهضة الغربية الحديثة ، ليس للنساء فيها مشاركة " ظاهرة " لشيئ من تلك المخترعات ، ولم يكن للاختلاط دور في بنائها ، وإنما كان الاختلاط ، ولا يزال ، عادة من عاداتها،
لم يزعم أحد أن وجوده سبب لوجودها ، ولا أن عدمه سبب لعدمها .
فهل يزعم عاقل أن " أرشميدس " ، مثلا ، قد استعان بإحدى النساء في تجاربه ، أو أنه اختلط بهن في مختبره ؟
وقل مثل ذلك عن " لافوزيه " و " نيوتن " و " أينشتاين " و " جاليليو " و " أديسون " و "ماركوني " و " ماجلان " و مئات غيرهم من مشاهير العلماء ، الذين أسسوا الحضارة المدنية الحديثة .
(و لاحظ أيضا ، أنهم كلهم ذكور ) !


* * * * * *


@ و زعم " المخلط " أيضا أن كل من رد عليه " كانت لهم أغراض يريدون تحقيقها من خلال ذلك التصعيد المقصود " . كذا قال .
قلت : لم يفصح لنا عن شيئ من " أغراضهم " ، مع أن المقام يستدعي البيان والتوضيح ، لا الكتمان والتلميح .
وليت شعري، ماهي تلك "الأغراض"
التي " يريد تحقيقها " من يدعو إلى فصل النساء عن الرجال في ميادين العمل والتعليم ؟
الظاهر أن المخلط ، لكثرة ما ثرثر به عن " الاختلاط " ، قد اختلط عليه الأمر وانقلبت لديه الموازين ، فإن العادة جرت على أن يكون هناك " مآرب " و" أغراض " لدعاة الاختلاط والرذيلة ، لا لدعاة العفاف والفضيلة .
و إن كل العقلاء يجمعون على أن من يدعو إلى الخلوة بالنساء ، وإردافهم خلف الرجال الأجانب ! ومس الأيدي والشعور ( !! ) ، هو الذي لديه أغراض ومآرب ، لا من احتاط في أمر الاختلاط ، ودعا إلى المباعدة بين النساء و الرجال الأجانب .


* * * * * *


@ وزعم " المخلط " كذلك ، أن مخالفيه استدلوا بأحاديث ضعيفة جهلا منهم بوجوه الضعف ، وتقليدا منهم لمن صححها .
@ كما ذكر أيضا أنهم قلدوا من سبقهم من العلماء المجتهدين ، في فهمهم وتوجيهم للأدلة التي استدل بها " المخلط " ، وتعصبوا لأقوالهم من غير تمحيص لها ، وأن أولئك المجتهدين مأجورون على اجتهادهم الذي أخطأوا فيه ( ! )
وأما من قلدهم في اجتهادهم ممن رد عليه ، فليس لهم عذر ، لأنهم تركوا الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تدل على جواز الاختلاط ، والخلوة ، ومس الشعور والأيدي ، والالتصاق بالأبدان في ركوب الدواب ( وما شابهها ، مثل : الدراجات العادية والنارية والبحرية ) !

@ واستدل ، بحديث " الشبهات " المشهور ، ثم قال " فالمشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، وإنما يعلمها من وفقه الله من المجتهدين . وأهل الاجتهاد مؤتمنون على البيان بالبرهان والدليل ، وليس بالهوى والتعصب والأقاويل " . انتهى .
قلت: سأبدأ ردي على هذا "المتعالم "
من آخر ما قاله هنا ، وبعدها سأرجع إلى تفنيد أوله .
فحديث " الشبهات " ، قد قسم فيه صلى الله عليه وسلم الأمور إلى ثلاثة أقسام : حلال بين ، وحرام بين ، وأمور مشتبهات .
ثم نص على وجوب اتقاء المتشابهات
وبين أن من واقعها فقد واقع الحرام
وهذا من أصرح الأدلة التي تنقض كل مقالات هذا "المخلط " ، وتنسفها نسفا .
فإن النصوص قد تواترت على وجوب الحجاب والستر ، والمباعدة بين الرجال والنساء ، وغض البصر .
وحذرت من الفتنة بالنساء ، وسدت كل الذرائع المفضية إلى ذلك .
وحرمت الخلوة بالمرأة ، والدخول عليها ، وسفرها من غير محرم ،
و الخضوع بالقول ، و إظهار ما يخفى من زينتها ، ولو كان في أسفل القدم ،
إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في الكتاب والسنة الصحيحة .
ومعلوم أنه إذا حرم الأدنى والأخف ، في " الضرر و الفتنة " ، حرم الأعلى والأشد ، من غير شك ولا مرية .
فكان تحريم المصافحة ومس الشعر
والتلاصق ، بأي صفة كانت ، في ركوب الدواب ، أو في غير ذلك ، أظهر في المنع وأولى بالتحريم .
وقد وردت نصوص مشتبهات ، قد يفهم منها إباحة تلك المحرمات ، فماذا نصنع ؟
هل نقضي بها على المحكمات البينات ، فنكون من أهل الزيغ والفتنة ، الذين قال الله فيهم {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } ؟
أم نرد المتشابه إلى المحكم ، ونكون في زمرة الراسخين في العلم الذين يقولون { آمنا به كل من عند ربنا } ؟
روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " [ ح 4547 ] .
و ذكر الحافظ في الفتح [ 8 / 211 ]
أن أول ما ظهر في الإسلام من اتباع المتشابهات من النصوص ، كان بفعل الخوارج ، وقد فسر ابن عباس بهم الآية .
قلت : فتبين أن استدلال " المختلط " بحديث " الشبهات " حجة عليه ، لا له ، كما هو ظاهر لكل عاقل .
وهذا يقودنا إلى الكلام على مسألة "الاستدلال " ، التي خلط فيها كل المخالفين ، من القرون الأولى حتى عصرنا الحاضر .

* وذلك أن المستدل بنص من القرآن والحديث ، يلزمه أن ينظر أولا إلى فهم السلف لهذه النصوص ، فإنهم أعلم وأحكم ممن جاء بعدهم ، على وجه العموم ، بدءا بالصحابة ، ثم التابعين ، ثم تابعيهم . . وهلم جرا .
أما الاستقلال بالنظر في النصوص وأخذ الأحكام منها ، دون الرجوع إلى فقه سلف الأمة ، فإنه سبيل أهل الزيغ والفتنة .
ولم تظهر الفرق في هذه الأمة إلا بالاستقلال بالنظر والتفقه في النصوص ، دون الرجوع إلى فهم السلف .
وقد استدل الخوارج بآيات من القرآن ، لكنهم لم يفهموها فهم الراسخين من علماء الأمة ،
فضلوا وأضلوا .
هذا مع أنهم وصفوا في الأحاديث الصحيحة بصفات لم يحظ بها جل من جاء بعدهم من المخالفين .
منها : كثرة القراءة ، والاجتهاد في الصلاة والصيام والعبادة .
وضلت القدرية بعد أيضا ، بسبب استقلالها في فهم نصوص القرآن في القدر ، دون الرجوع إلى فهم الراسخين من السلف .
وكل الفرق بعد ذلك ، إنما كان ضلالها بسبب خطئها في الاستدلال .
فليس العبرة بصحة الدليل ، فحسب ، بل لا بد من صحة الاستدلال به على المطلوب .
ومن ثم وضع الأئمة المصنفات في أصول الفقه والتفسير والحديث ، حتى تضبط العلوم بضوابط وقواعد ، منعا من التخبط والشطط ، والخلط في الفهم والاستنباط .
وأول من وضع قواعد العلوم الشرعية ، الإمام الشافعي ( ت 204 )
في كتاب " الرسالة " ، بطلب من الإمام عبدالرحمن بن مهدي .
ثم تتابعت بعد ذلك مصنفات الأصول والقواعد ، في الفقه والتفسير والحديث ، وأفردت لها مصنفات مستقلة .
فمن رام فهم نصوص الوحي والاستدلال بها دون الرجوع إلى فهم الراسخين في العلم بها ، ودون التقيد بقواعد العلوم وأصولها ، فإنه سيختلط عليه الحق والباطل ، وستلتبس عليه الأمور ، كما التبست على من سبقه من أهل الزيغ والضلال .
و لهذا فقد تواتر عن علماء الأمة نصوص في وجوب اتباع مذهب السلف الأولين ، و التحذير من اتباع أهواء المضلين .
فقال ابن مسعود " من كان مستنا فليستن بمن قد مات . . " .
وقال غيره " عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس . . " .
وقال آخر " من انسدت عليه أبواب مذهب السلف الحق ، عميت عليه أنباء التحقيق " .
وقال كثير من المتأخرين " كتاب وسنة ، بفهم سلف الأمة " .

* و مسألة التصحيح والتضعيف ونقد الأحاديث والآثار ، قد أفرد لها أئمة الحديث مصنفات ذكروا فيها قواعد عامة لضبط هذا العلم ، لكنهم لم يقصدوا من ذلك أن يقحم الجهال والأغمار أنفسهم ويحشروا أنوفهم في الحكم على الأحاديث ، دون الرجوع إلى حكم الراسخين من علماء الحديث ، وعلى رأسهم أئمة الجرح والتعديل ، وأصحاب الصحاح والمسانيد والسنن المشهورة .
ومعلوم أن قواعد الحديث ، وهو ما يسمى بعلم " المصطلح " ، وعلم
" الجرح والتعديل " ، من أشد العلوم غموضا ، وأصعبها على الفهم ، ومع ذلك فإن المتطفلين عليه في زماننا هذا كثيرون ! ومنهم هذا "المختلط "
الذي ظن أنه بقراءة بعض مصنفات " الجرح والتعديل " ، المختصرة ، فإنه يكون أهلا لأن يصحح أو يضعف .
وكأن المسألة أشبه بمسائل الضرب الحسابية ، التي تدرس للطلاب في مراحل التعليم الأولية ، فيستعين الطالب بجدول الضرب في حلها !
وليس الأمر بهذه السهولة ، فإن نقد الروايات من أدق العلوم وأعمقها .
ولهذا تجد من يتكلم في الجرح والتعديل والنقد هم جهابذة الحفاظ ، وهم أقل من القليل بالنسبة للآلاف المؤلفة من رواة الحديث والأثر في كل عصر .
ومنهج أصحاب الصحاح ، وعلى رأسهم البخاري ومسلم ، انتقاء الروايات ، فإنهم لا يقبلون كل أحاديث الثقات الأثبات ، كما أنهم لا يردون كل أحاديث الضعفاء ، ولهذا تجد في رجال الصحيحين من رمي بشيئ من الضعف ، فيظن الجهال بأن الشيخين قد فات عليهما معرفة ما في هؤلاء الرواة من الضعف ، فيبادر إلى تضعيف الروايات .

* ونضرب على ذلك بمثال و هو : خالد القطواني ، فقد ترجم له الحافظ في " التهذيب " [ 3 / 116 ] وذكر الاختلاف في تضعيفه وتوثيقه ، ومع ذلك فقد أخرج له الشيخان .
ولو اقتصر الناقد على بعض ما ذكر في ترجمته في" الميزان " للذهبي ،
أو "التقريب " لابن حجر ، لحكم على كل رواياته بالضعف ، وليست هذه طريقة أهل العلم في نقد الروايات .

* ومثله شهر بن حوشب ، فقد أخرج له مسلم في الشواهد ، وارتضاه الإمام أحمد حتى قال عنه
" ما أحسن حديثه " ، وقال عنه البخاري " حسن الحديث " ، و وثقه ابن معين وغيره . انظر التهذيب  [ 4 / 369 ] .
وقال عنه الإمام الذهبي في الميزان [ 4/ 284 ] " قد ذهب إلى الاحتجاج به جماعة" .
وقد حسن الحافظ ابن حجر أحاديثه في أكثر من موضع في الفتح ، ومنها حديث أسماء في منع مصافحة النساء ، انظر الفتح [ 13 / 204 ] ، كما ذكرت ذلك في ردي السابق على " المختلط " .
وإنك لتعجب حين ترى مثل هذا الجاهل الذي ضعف حديث شهر بن حوشب ، بناء على ما قيل فيه في "التقريب "، مع أن صاحب" التقريب "
نفسه حسن إسناده !
وهذا يؤكد ما ذكرته من أن مذهب الأئمة في نقد الأسانيد لا يعتمد على ما في التراجم المختصرة ، كالتقريب ونحوه .
* ويقال أيضا عن سنن أبي داود والنسائي والترمذي ومسند أحمد وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان ، ما قيل في الصحيحين ، إلا أن شروط هؤلاء في الرجال وفي الروايات أقل من شروطهما .
وقد حكم الترمذي بالصحة أو الحسن على كثير من الروايات التي في إسنادها رواة مختلف فيهم ، وليس ذلك جهلا من الترمذي بحالهم ولا ذهولا عما قيل فيهم ، ولكنه اختيار وتمحيص منه لمروياتهم .
و تفصيل الكلام على هذه المسائل يطول جدا وإنما قصدت الإشارة إليه هنا ، حتى لا يغتر من لا علم عنده بكلام هذا "المختلط " ، ويلتبس عليه الأمر .

* وسأضرب بعض الأمثلة مما ذكره "المختلط " في مقالاته السابقة ، في الحكم على الأسانيد ، بدون علم ، ظنا منه أنه أهل لذلك .

1 _ ضعف حديث أميمة بنت رقيقة " إني لا أصافح النساء " ، لأن في إسناده محمد بن المنكدر .
قلت : هكذا يقذف بالباطل ويهرف بما لا يعرف ، ثم ينعي على غيره بأنهم مقلدة متعصبون !
فإنه لم يأت بنص واحد عن أحد من الأئمة في تضعيف هذا الحديث .
ومحمد بن المنكدر ممن أخرج له الجماعة ، و ترجم له الحافظ في " التهذيب " [ 9 / 473 ] وذكر توثيق الأئمة له ، ومنهم العجلي والشافعي، وقال ابن عيينة " كان من معادن الصدق " ، وقال يعقوب بن شيبة
" صحيح الحديث جدا " ، وقال إبراهيم بن المنذر " غاية في الحفظ والإتقان والزهد ، حجة " .
قلت : و هذا الحديث رواه مالك في الموطأ [ 2 / 982] و صححه الترمذي [ 1 /302 ] وغيره ، ولا يلتفت إلى تضعيف هذا المتعالم" المخلط " .

2 _ ضعف حديث معقل بن يسار " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد ، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " .
قال " المختلط " < أخرجه الطبراني ،
واختلف فيه رفعا ووقفا ، والموقوف أرجح ، إلا أنه ليس مما له حكم الرفع ، وإسناد المرفوع ضعيف ، لضعف شداد بن سعيد وتفرده به > .
كذا قال .
قلت : هكذا يطعن في الروايات مثل هذا الجاهل المتعالم ، بدون أن يستند إلى قول أحد ممن يعتد به من أهل العلم ، وكأنه من كبار علماء الحديث و حفاظ الآثار .
ثم يرمي غيره ، بهتانا وزورا ، بالتعصب والجمود والتقليد !
وكأنه يقول : لا تقلدوا في حكمكم على الروايات والأسانيد أئمة الحديث
السابقين ولا اللاحقين ، فقد كفيتكم مؤنة ذلك ، فما عليكم سوى الأخذ بقولي !


إذا قالت حذام فصدقوها &  فإن القول ما قالت حذام


قلت : وهذا الحديث قد قال عنه المنذري في " الترغيب والترهيب "
[ 3 / 66 ] < رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح > .
وقال مثل ذلك الهيثمي في " مجمع الزوائد " [ 4 / 329 ] .
وليس في إسناده مطعن ، فإن رواته ثقات ، وشداد بن سعيد أخرج له مسلم مقرونا ، و ترجم له الحافظ في التهذيب [ 4 / 316 ] ، ونقل توثيق الأئمة له ، أحمد وابن معين والبزار والنسائي وأبي خيثمة .
وقال ابن عدي " لم أر له حديثا منكرا ".
وترجم له الذهبي في " الميزان "
[ 2 / 265 ] وقال " صالح الحديث ".

3 _ حديث أبي هريرة " ليس للنساء وسط الطريق " .
هذا الحديث ذكره " المختلط " ، وقال عنه " إسناده ضعيف جدا ، فيه شريك بن عبدالله بن أبي نمر ، سيئ الحفظ، وفيه مسلم بن خالد الزنجي ،
قال البخاري فيه : منكر الحديث ، ذاهب الحديث " .
وضعف " المختلط " أيضا ، شواهد هذا الحديث التي يتقوى بها ، كحديث أبي أسيد وغيره .
قلت : أولا : قد ذكرت من قبل أن منهج أئمة الحديث هو انتقاء الروايات ، وأنهم لا يردون كل أحاديث من رمي بالضعف ، خاصة إذا كان الضعف من قبل سوء الحفظ .
ثانيا : هناك أحاديث صححها الأئمة ، لا لذاتها ، وإنما لغيرها .
و صغار طلبة العلم في الحديث يعلمون أن من الأحاديث ما هو صحيح لذاته ، أو حسن لذاته .
و منها ما هو صحيح لغيره ، أو حسن لغيره .
فالأحاديث المروية بأسانيد فيها ضعف ، إذا كان لها شواهد أو متابعات ، فإنها تتقوى بها ، وترتقي إلى الحسن أو إلى الصحة .
وحديث أبي هريرة ، إذا سلمنا جدلا ، بضعف إسناده ، فإن شواهده الأخرى تقويه .
وحسبك أن الحديث قد أخرجه ابن حبان في صحيحه [ موارد 1969 ] ، وهذا يعني أن ابن حبان ، وهو من كبار حفاظ الحديث ، ومن أئمة الجرح والتعديل ، قد سبر هذا الحديث ، ثم رأى أنه صحيح ، ومن ثم أخرجه في كتابه الذي التزم فيه بالصحة .
قال السيوطي في ذكر مراتب الصحاح ، بعد أن ذكر أن أعلاها البخاري ، ثم مسلم :


وابن خزيمة ويتلو مسلما & وأوله البستي ثم الحاكما


فجعله في المرتبة الرابعة ، بعد صحيح ابن خزيمة .
* وشريك بن عبدالله بن أبي نمر ، قد أخرج له أصحاب الصحاح والسنن ، انظر ترجمته في التهذيب [ 4 / 337 ]
وقد وثقه جمع من الأئمة وروى عنه مالك والثوري .
وقال عنه الذهبي في الميزان [ 2 / 269 ] " تابعي صدوق " .
* وأما مسلم بن خالد الزنجي ، فقد ترجم له في التهذيب [ 10 / 128 ] ، وذكر أنه كان من فقهاء مكة وروى عنه الشافعي .
وممن وثقه وقبله : ابن معين وابن عدي والدارقطني .
وذكره ابن حبان في ثقاته ، وقال " كان يخطئ أحيانا " .
ومثل هذا لا يرد حديثه مطلقا ، بل يرد ما أخطأ فيه ، أو خالف ، أو تفرد .
ولهذا صحح له ابن حبان حديثه هذا ، مع أنه قال فيه " كان يخطئ أحيانا "
قلت : وأنى لمثل هذا " المختلط " أن يفهم مثل هذه المسائل الحديثية التي استعصى فهمها على كثير من الناس ، إلا من رزقه الله فهما ثاقبا ، وقصدا حسنا ، وأفنى عمره في البحث والطلب .
والذي يظهر أن هذا " المختلط " ،
قد اعتمد كثيرا على غيره من الباحثين ، ثم نسب الجهد لنفسه ، لأنه أشار في مقاله الأول إلى بحث جاسم المشاري الذي نشر في صحيفة الجزيرة ، وامتدحه ، ووصفه بأنه بحث علمي مؤصل " ندر في شموله مثله . . . " الخ .
ثم ذكر في هذا " الموقع " أنه قد بحث هذه المسألة من قبل بحثا مطولا ، ولم يذكر شيئا عن بحث المشاري !
فإذا كان الأمر كما قال ، فلماذا صدر مقاله السابق بذكر بحث المشاري والإشادة به بمثل ذلك التهويل ، وأغفل ذكره هنا ؟
وقد ذكر المشاري أنه اعتمد في بحثه على بعض الباحثين .
فتبين من هذا أن تلك المقالات عبارة عن تجميع وتلفيق لما كتبه بعض الباحثين ( المجهولين ) ! تبناها أولا ،
المشاري ثم الغامدي .
فكيف يرضى لنفسه أن يقلد _ في الخطأ والباطل _ أولئك المجهولين ، وينعي على غيره في متابعتهم _ في الحق والصواب _ لأئمة المسلمين ؟!
* تنبيه : ذكر " المختلط " في مقاله السابق حديث أبي سعيد الخدري
" خير صفوف الرجال أولها " الحديث
وقال " أخرجه أبو يعلى ، وإسناده صحيح " .
قلت : أولا : هذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه مسلم وأصحاب السنن ، من حديث أبي هريرة . انظر جامع الأصول [ 5 / 606 ] .
ثانيا : وأما حديث أبي سعيد في مسند أبي يعلى [ 2 / 354 ] ، فهو بلفظ
" خير صفوف الرجال المقدم ، وشرها المؤخر . . " .
قلت : فمن كان هذا مبلغ علمه في البحث والتخريج ، كيف يصح أن يحشر أنفه في الجرح والتعديل ، ونقد الأسانيد ، ويرمي غيره بالجهل والتعصب والتقليد ؟


* * * * * *


ومن هنا تعلم أخي القارئ أن هؤلاء المخلطين موغلون في الجهل ، وأنهم
لا حظ لهم من العلم إلا الثرثرة والتلبيس على العوام ، وأن ادعاءهم بأن مخالفيهم متعصبون ومقلدون وكاتمون للحق .. الخ . إنما يقصدون به منع هذه الأمة من اتباع هدي سلفها ، والتشكيك في فقه أئمتها وفهم علمائها ، حتى يتسنى لهم نشر جهالاتهم وضلالاتهم .
وقد سبقهم إلى تلك الدعاوى الباطلة كل الفرق الضالة .
فالخوارج زعموا أنهم أهل للاجتهاد والاستقلال بفهم النصوص ، دون الرجوع إلى فقه الصحابة والسلف .
والرافضة كفرت الصحابة الأخيار ، وطعنت في رواة الأحاديث والآثار .
والجهمية رموا سلف الأمة وعلماءها بالجهل ، ووصفوهم بأنهم " نابتة و حشوية " .
* وكذلك العلمانيون المعاصرون ، ومن قلدهم من المخالفين ، ما تركوا وصفا مقيتا إلا أطلقوه على علماء الأمة وخيارها ، فهم في نظرهم : مقلدة ، متعصبة ، متشددة ، متخلفة ، مشككة في نيات العامة ، معادون للمرأة منتهكون لحقوقها !
قال الله تعالى { زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة }
وقال الشاعر :


إذا وصف الطائي بالبخل مادر & وعير قسا بالفهاهة باقل
وطاولت الأرض السماء سفاهة & وفاخرت الشهب الحصا والجنادل
وقال السهى للشمس أنت ضئيلة & وقال الدجى يا صبح لونك حائل
فيا موت زر إن الحياة مريرة & ويا نفس جدي إن دهرك هازل


* * * * * * *


وبعد ، فإني قد أطلت كثيرا في الرد على ما ذكره الغامدي في تعقيبه على من رد عليه ، ولم أرد الإطالة ، ولكن هذا المتحاذق قد دأب على قذف الشبه بكلام لا يمت إلى العلم ولا للأدب بصلة ، فأردت أن أبين للقراء مبلغ جهله ، وأفند بعض شبهاته .
هذا وأسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويلهمنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويلهمنا اجتنابه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


وكتب : سمير المالكي
جوال 0591114011
20 / 1 / 1431 هجرية .

 

سمير المالكي
  • الكتب والرسائل
  • الصفحة الرئيسية