اطبع هذه الصفحة


(( تدليس الشيوخ ))

  

سمير بن خليل المالكي


بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله القائل في محكم كتابه (( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ((
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وحجة على المخالفين ، نبي الرحمة والملحمة ، القائل ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لاشريك له .. ((
أما بعد ، فلا يزال تخبط الشيوخ والعلماء في نظرتهم للأحداث مثار عجب لدى المتابعين من طلبة العلم بل حتى من بعض عوام الناس خاصة أولئك الشيوخ الذين كانت لهم مواقف مشرفة قبل سنوات تجاه أعداء الإسلام وأذنابهم من المنافقين .

ومن صور التخبط ، بل قل الانتكاس ، في الفهم والرأي والمواقف ، ما قرأنا منذ بدء أحداث سبتمبر من تصريحات وفتاوى وبيانات لبعض المنتسبين للعلم الشرعي ، فيها تمييع صريح لقضايا كانت من المسلمات عند هؤلاء الشيوخ أنفسهم وعند عامة طلاب العلم .
فمن تلك المسلمات مثلاً :

1/ تحكيم الإسلام في كل شئون الحياة ، ومنها علاقة المسلم مع غيره من المسلمين التي تقوم على الأخوة والولاء والنصرة في الحق في العسر واليسر والسراء والضراء ، كما جاء في النصوص الشرعية المحكمة ، كقوله تعالى (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) . وقوله (( أشداء على الكفار رحماء بينهم((.
وكقوله صلى الله عليه وسلم (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )) . وكقوله ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ..)) الحديث .
إلى غيرها من النصوص المحكمة الواضحة .
وأما علاقة المسلم مع غيره من أعداء الدين من الكفار الملحدين واليهود والنصارى والمنافقين وأعوانهم وأشياعهم ،
فالأصل فيها العداوة والبغضاء والبراءة والجهاد والقتال والغلظة خاصة مع المعادين المحاربين منهم .
وهذا لا ينافي القسط والعدل والبر بذوي القربى منهم ممن لم يظهر منه عداء ولا محاربة لمسلم ولا إعانة للكفار
المحاربين على المسلمين بأي نوع من أنواع الإعانة والنصرة .

2/ كفر تولي الكفار والتحاكم إلى قوانينهم وأعرافهم ، ومنها لجنة العدل الدولية ومجلس الأمن وغير ذلك .

3/ الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله وإعداد العدة لذلك وإذا أطلق الجهاد في القرآن والسنة وفي المصنفات الإسلامية فالمقصود به الجهاد بالسلاح ، أما تأويل الجهاد بصرفه إلى جهاد الدعوة والكلمة وغير ذلك مما دأب بعض المتخاذلين من الشيوخ على ترديده في بياناتهم وتصريحاتهم ، فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه وتلبيس الحق بالباطل .

4/ ومن المسلمات أيضا أن علماء المسلمين ودعاتهم وشيوخهم متبوعون في الحق لا تابعون لغيرهم من الرؤساء والأمراء.
وهذا الأمر أراه انعكس اليوم لدى كثير من العلماء ، فتجدهم منقادين لآراء واجتهادات غيرهم من الرؤساء ، خاصة في القضايا العظام وفي مسائل السلم والحرب والعلاقات الدولية وطرق التعامل مع الكفار .
ومعلوم – قطعاً – أن سنة الأولين من علماء سلفنا الصالح كانت بخلاف ما عليه أكثر الشيوخ اليوم، إذ كانوا يقودون الأمة ، بما فيهم الأمراء والرؤساء ، في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالدين ، وكانوا يعلنون مخالفتهم لأهواء السلاطين .

لم يكن سهلاً على الحجاج بن يوسف ، الطاغية المعروف ، أن يأمره عبدالملك بن مروان أن يقتدي بابن عمر رضي الله عنهما في أحكام الحج ، ومع ذلك امتثل مرغماً لذلك الأمر ، والقصة مشهورة رواها البخاري وغيره .

ولا تقتصر إمامة العالم للأمة في العبادات والمعاملات الخاصة ، بل تشمل جميع الأمور المتعلقة بالدين ، كالسياسة الخارجية وأمور السلم والحرب وعلاقات الدول .
ومعلوم أنه كان للأمراء والرؤساء اجتهادات وآراء وأهواء وكانوا يطلبون من العلماء موافقتهم عليها، كما في قصة عبدالملك بن مروان مع الصحابي الجليل غضيف بن الحارث رضي الله عنه لما سأله عن القصص (أي الموعظة ) ورفع الأيدي على المنابر ، فقال غضيف (( إنهما لمن أمثل ما أحدثتم وإني لا أجيبك إليهما ..)) . رواه اللالكائي في السنة [ ص 90 [

موقف آخر من مواقف الصحابة ، أصح من هذا ، وهو موقف الصحابي أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، وكان ممن اعتزل الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ، فقد أرسل مولاه حرملة إلى علي بن أبي طالب وقال له : إنه سيسألك الآن فيقول : ما خلًّف صاحبك ؟ فقل له (( يقول لك لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ، ولكنّ هذا أمر لم أره )).رواه البخاري .
انظر الفتح [13 / 62 [
قلت : ولا يخفى ملازمة أسامة لعلي وقربهما من بيت النبوة ، ثم لا توجد في تلك الفتنة قيادة أعلى وأجل من قيادة خليفة المسلمين في الأرض علي بن أبي طالب ، ومع ذلك لم ير أسامة الدخول معه فيها .

والآن تسمع من أفواه الشيوخ وتقرأ في بياناتهم عبارة (( لزوم الالتفاف حول القيادة )) !! يكررونها، وكأن قيادات الأمة معصومة من الخطأ والزلل والردة .

عجب ! هل نسخت الأحداث النصوص الصريحة في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟
ولو ذهبت أستقرئ مواقف السلف في مخالفة أهواء أمرائهم لطال بنا المقام ، ولا أظنني بحاجة إلى ذلك ، فإني أكتب مقالي هذا نصيحة للعلماء ولطلاب العلم ، وهم لا يخفى عليهم مثل ذلك ، بل إني أظن أن منهم من يحفظ أضعاف أضعاف ما أحفظه من تلك المواقف السلفية .

وبعض من أقصده في مقالي هذا كانت له مواقف شبيهة بمواقف الأئمة السابقين ، لكنه بدل وغيَّر وانقلب على عقبيه ، نسأل الله الثبات على الحق حتى نلقاه .

ولعل بعض الناس يستبعد أن ينتكس من يعظمه من الشيوخ ، وينسى أن قلوب العباد بين أصبعين يقلبها الله كيف يشاء ، وأن الصحابة الكرام خاطبهم الرب سبحانه بقوله (( من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه .. )) الآية .
وقال فيهم (( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثمّ لايكونوا أمثالكم ..((
وفي الحديث المشهور (( ... فأقول أصيحابي أصيحابي فيقال إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك ..)) .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه (( لا يقلدن أحدكم دينه رجلاً ، إن آمن آمن وإن كفر كفر ، فإن كنتم لابد مقتدين فبالميت ، فإن الحي لايؤمن عليه الفتنة )) . انظر السنة للالكائي [ص93.[
قلت : فهذه نصيحة ابن مسعود رضي الله عنه لعلماء زمانه ، ومنهم صحابة وتابعون ، فماذا يقول شيوخ زماننا المتعصبون لرؤسائهم وأحزابهم ؟

جماعةٌ إن حجّ عيسى حجوا وكلُّهم حجُّهم معوجُّ
وقال معاذ رضي الله عنه ((.. وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم ، وقد يقول المنافق كلمة الحق ..)) رواه أبو داود.

وقال حذيفة رضي الله عنه (( اعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وأن تنكر ما كنت تعرف وإياك والتلون في دين الله تعالى فإن دين الله واحد )) .انظر السنة للالكائي [ص90 [
قلت : ما أكثر المتلونين في زماننا ، نسأل الله الثبات على الحق والسنة حتى الممات .
والنصوص والآثار والحوادث في تقرير ذلك لاتخفى على طالب علم ، ولا أعلم أحداً يجادل فيها ، لكن عند تطبيقها على الواقع تجد كل طائفة تتعصب لشيوخها ومعظميها وتستنكف أن يوصفوا بالضلال والخطأ وأن يرد عليهم ، وليت شعري أليس بعض هؤلاء " المثقفين " كانت له صولات وجولات تخالف ماهو عليه الآن ، وكان يرد على العلماء الرسميين " الكبار " في مسائل كثيرة ؟!

أفيكون الرد على أولئك مباحاً بل مستحباً ومفروضاً ، والرد على هؤلاء ممنوعاً ويسبب فتنة وتفريقاً في " الصف "؟ (( ما لكم كيف تحكمون )) .

البيان الثاني للمثقفين
لم نكد نفرغ بعد من تفنيد أخطاء الشيوخ في بيان المثقفين الأول الذي تزعمه وتولى كبره بعض " المنتكسين " ، حتى فوجئنا بالبيان الثاني المسمى بـ " الجبهة الداخلية أمام التحديات المعاصرة " ، والذي وقع عليه جمع من طلبة العلم ، وفيهم أسماء عجبت كيف رضوا بأن يوافقوا تلك الزمرة المنتكسة من الشيوخ الذين تولوا كبر الأول والثاني ، وعلى رأسهم الشيخ سلمان العودة والناطق الرسمي له الطريري ، الذي أبى إلا أن يسير في فلك شيخه في الصواب والخطأ .

وهل أنا إلا من غزية إن غوت --- غويت وإن ترشد غزية أرشد

ولست بصدد تفنيد كل ما جاء في ذلك الخطاب ، الذي وصفوه بأنه (( بيان هدفه تعزيز تماسك الجبهة الداخلية استعداداً لمواجهة التحديات التي تتعرض لها الأمة )) .
ولكني سأذكر بعض الملاحظات عليه ، علماً بأن هناك من رد على هذا البيان وفند أخطاءه وفضح أكاذيبه .

الملاحظة الأولى : من عادة البيان أن يكون واضحاً بيناً لا لبس فيه ، وإلا فلايصح أن يسمى بياناً وهو مليء بالعبارات الموهمة الحمالة لوجوه عدة .
وقد دأب هؤلاء " المبدِّلون " على صياغة عبارات مشتبهة في بياناتهم تخرج البيان عن مقصوده وتجعله أقرب إلى الألغاز والأحاجي منه إلى البيان والتوضيح .
وهذا الأسلوب عهدناه من أولئك الصحفيين والكتاب المشبوهين لخوفهم من أن يفتضحوا على الملأ ، فيختارون العبارات التي تحتمل أكثر من وجه وأكثر من معنى ، حتى يتسنى لهم الفرار والروغان عند المساءلة والمحاققة ، فلا يليق بشيوخنا ودعاتنا أن يقلدوهم فيه .

الملاحظة الثانية : إذا كانت الأمة كلها مهددة وتواجه تحديات وأزمات فهل يصح أن يقابل ذلك بتعزيز " الجبهة الداخلية " فقط ؟
ولماذا لايكون التعزيز للأمة كلها ؟ خاصة وأن النصوص الشرعية لا تفرق بين المؤمنين بل هي صريحة في توحيد صفوفهم ومصيرهم ، فأي عدوان يكون على مؤمن في الأرض فالأمة كلها معنية به ، وما شرع الجهاد إلا لنصرة المسلمين كافة وإعلاء كلمة الله في أرجاء الأرض . وأما هذه الحدود فهي من صنيع أعدائنا ، كما لايخفى على شيوخنا .

الملاحظة الثالثة : أشار " البيان " في مقدمته إلى عدوان اليهود والصليبيين على المسلمين ، خاصة في فلسطين والأفغان والعراق والشيشان وكشمير ، ثم ذكر أن الجهاد ذروة سنام الإسلام وأن إقامته واجبة .. الخ . وهذا كلام مفرح ، لكن أصحابه أبوا إلا أن يقيدوه بقيود حمالة أوجه بقولهم (( وأن يتم النظر فيه من قبل أهل الرسوخ في العلم بعيداً عن الاجتهادات الخاصة .. )) الخ .
والسؤال الملحُّ : من هم أهل الرسوخ في العلم الذين ينظرون في أمور الجهاد وأسبابه وتحقيق شرائطه في العالم الإسلامي ؟
أينظر في الجهاد في فلسطين علماء السعودية والكويت وقطر ومصر مثلاً ؟
أم ينظر في الجهاد في أفغانستان علماء البحرين والإمارات وسوريا ؟
وهل علماء المسلمين اليوم تربطهم رابطة واحدة وتجمعهم كلمة واحدة ، أم كل بلد لديها علماؤها وشيوخها وفيهم راسخون أو من يظن فيهم أنهم راسخون ؟
ثم ما هو معيار الرسوخ في العلم ؟ هل هي الشهادات العلمية الأكاديمية ؟ أم المناصب الدنيوية التي ترفع شيوخاً وتضع آخرين ؟
ثم إذا حصل خلاف ، ولا شك أنه حاصل ، سواء في البلدان الإسلامية المتفرقة ، أم في البلد الواحد، فبقول من نأخذ ؟
ألا يذكر كتاب "البيان" ما حصل في حرب الخليج الثانية لما أفتى الشيوخ الرسميون بفتوى ، عارضهم فيها جل الشيوخ الموقعين على هذا البيان ، وكيف افترق الناس بعضهم مع هؤلاء وبعضهم مع هؤلاء؟ أننسى أشرطة (( سقوط الأندلس )) و (( سقوط الدول )) و (( فستذكرون ما أقول لكم )) و(( ففروا إلى الله )) و (( لحوم العلماء مسمومة )) و (( حي على الجهاد )) و )) حتمية المواجهة )) وكتاب (( وعد كيسنجر )) ... الخ ، وكلها كانت معارضة لفتاوى " كبار العلماء " ومواقفهم ؟
وتتابعت بعد ذلك أحداث كثيرة داخلية وخارجية واختلفت فيها – بل تصادمت – آراء " الرسميين" مع" المثقفين " في بلد واحد ، وكلنا شهدنا ذلك التصادم .
فكيف تريدون من الأمة الآن أن تتخذ موقفاً موحداً من الأحداث المتفرقة في البلدان المتفرقة ، وأنتم عاجزون عن توحيد الكلمة في حدث واحد في بلد واحد ؟!ٍ
أم أن وصف " الراسخين في العلم " حكر على طائفة المثقفين ؟ أفيدونا مأجورين !

الملاحظة الرابعة : جاء في " البيان " (( ندعوا الحكومات بعامة وحكومات المنطقة بخاصة إلى رفض التدخل الأمريكي الغاشم تحت أي غطاء كان ، وبكل قوة .. )) الخ .
وهذا طلب غريب عجيب من كتاب " البيان " كأنهم لا يفقهون ولا يدرون ما هي علاقة حكومات المنطقة بأمريكا ودول الغرب !
ومما أضحكني – وشر البلية ما يضحك – قولهم (( .. وبكل قوة .. )) !!
أي قوة هذه التي تتحدثون عنها يا " عقلاء " ؟!
قوة " الشجب " أم " الاستنكار " أم الصياح والاستجداء والبكاء عند عتبة هيئة الأمم ومجلس الأمن؟
وهل نجع مع الكفار منذ فجر الإسلام أي قوة إلا قوة السيف ، أعني الجهاد في سبيل الله ، وهو ما لا يحب أن يسمعه منكم حكام المنطقة ولا حكام العرب كافة ؟
وهل حصل للأمة ما حصل ، من ذلة وهوان وتبعية ، إلا بسبب ترك الجهاد في سبيل الله والركون إلى أعداء الأمة وأعداء الله ؟

الملاحظة الخامسة : حذر المثقفون من الافتئات على أهل العلم لاسيما في المسائل العامة ومنها مسائل الإيمان والكفر وذكروا أن (( التكفير مزلق خطير )).. الخ .
والسؤال المطروح دائماً ، والذي لا جواب عليه : من هم أهل العلم المعنيون ؟
هل هم علماء المناصب " الرسميون " ؟ أم شيوخ الصحوة " المنتكسون " ؟ أم الشيوخ " المطاردون" ؟
ثم أرأيتم إن اختلفت أقوالهم وآراؤهم ، فكيف يكون الترجيح ؟ بالكثرة ؟ أم بالوجاهة ؟ أم بماذا ؟
• قال ابن مسعود رضي الله عنه (( إن جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة ، إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك )) . السنة للالكائي [ص 109 ].
أما مسألة " التكفير " فهي من مسائل الشرع ، وليست من " المزالق " كما زعم الشيوخ .
فالكفر ضد الإيمان ، والله عز وجل خلق خلقه ، فمنهم الكافر ومنهم المؤمن ، فكما لا يجوز تكفير المؤمن الذي لم يرتكب ناقضاً من نواقض الإيمان والإسلام ، لايجوز أيضاً التوقف عن تكفير الكافرين من اليهود والنصارى والملاحدة والمرتدين .

وبتتبعي لبيانات المثقفين والرسميين وخطاباتهم رأيتهم يتحاشون وصف الكفار بالكفر ، إلا لماماً وعلى استحياء ، واستبدلوا به كلمة " الآخر " فصرت تقرأ عبارات (( الحوار مع الآخر )) و (( التعامل مع الآخر )) وهذا منحى خطير ، ومزلق من مزالق " التمييع " في الألفاظ الذي يؤدي إلى تضييع المعاني ، وهو ما نلمسه جميعاً في الشعارات الوطنية والقومية ، التي يقصد منها نقض عرى " الولاء والبراء " ، وفيها مناقضة صريحة لنصوص الكتاب والسنة ومذهب سلف الأمة التي قسمت الناس إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين ومشركين ومرتدين ومبتدعة وخوارج ومرجئة وشيعة وجهمية ..الخ .

وبعد ، فثمة ملاحظات أخرى على " بيان " الشيوخ قد نبه إليها بعض أهل العلم ، جزاهم الله خيراً، وثبتنا وإياهم على الصراط المستقيم ، وهذه الملاحظات مكملة لما ذكروه .
وأوجه نصيحة إلى كتاب البيان ومن دار في فلكهم من أتباعهم ومقلديهم وممن اغتر بهم من الشيوخ الآخرين ، بأن يدعوا الأمة وشأنها فيكفيها ما تعانيه من مصائب وويلات من أعدائها من الخارج ، ويكفيها ماهي فيه من تفرق في الكلمة ، واختلاف في الرأي ، ويكفي الشباب ماهم فيه من حيرة وتخبط وتلبيس الحق بالباطل ، فهم يعانون من ذلك " الانفصام النكد " بين ما قرأوه وتعلموه وسمعوه وتربوا عليه من قبل ، وما يطرح لهم الآن بما يسمى منهج " الإسلام اليوم" و " الوسطية " وغيرها من الشعارات المتناقضة والتي يتزعمها – للأسف الشديد – من كانوا من قبل على الجادة أو قريباً منها ، ثم صاروا اليوم إلى ما صاروا إليه .

" بيان الرابطة "

ذكرت صحيفة عكاظ يوم الجمعة 25 / 1 / 1424هـ أن رابطة العالم الإسلامي استنكرت في بيان لها الحرب التي يتعرض لها العراق ودعت إلى وقفها فوراً واللجوء إلى الشرعية الدولية .
وأنا أسأل أمين الرابطة وهو من علماء المسلمين ، هل يجوز يادكتور أن تصف حكم الطاغوت الذي أسسه الكفار بالشرعية ؟
أي شرعية هذه ؟ أليست شرعية الكفر والظلم والعدوان ؟
أيليق بمسلم عامي ، فضلاً عن عالم من " كبار العلماء "أن يتفوه بمثل هذا الكلام ؟

خطبة الحرم المكي

ونقلت صحيفة عكاظ يوم السبت 26 / 1 / 1424هـ مقاطع من خطبة الحرم المكي جاء فيها قول الخطيب واصفاً حرب العراق بأنها (( مآسي ونكبات ... وغرس للكراهية وتكريس للأحقاد وتكديس للضغائن ونشر للبغضاء وتجاوز للأعراف والمواثيق والقوانين ....)) الخ .
وهذا الكلام الغريب ، أشبه بعبارات الصحفيين والكتاب الغربيين ، منه بعبارات فقهاء المسلمين .

وتأمل قوله (( غرس للكراهية وتكريس للأحقاد .. )) الخ ، وكأنه يتحدث عن فتنة بين طائفتين مقتتلتين من المؤمنين ، مع أن الواقع المشاهد المتفق عليه بين الناس أنها حرب صليبية من كفار معتدين على مستضعفين من المسلمين ، والكراهية والبغضاء بين هاتين الطائفتين مطلوبة دائماً مأمور بها أبداً حتى يدخل الكفار في دين الله .
((وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ((

بيان رسمي
قلت : وقد صدر بيان آخر رسمي ، لا يختلف كثيراً عن البيانات السابقة في الأسلوب والمعنى ، ولا جديد فيه إلا أنه بيان رسمي بأسلوب صحفي !
علماء الناس ياملح البلد من يصلح الناس إذا الملح فسد
))وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ((

والخلاصة
إني لأعجب من شيوخنا وخطبائنا كيف يقعون في مثل هذه المزالق الخطيرة ، وكان الواجب عليهم أن يوضحوا للناس كافة منهج الإسلام في الحرب والسلم والولاء والبراء وأن يعلنوا كفرهم بالطاغوت ، بكل أنواعه وألوانه ، وأن ينتقوا العبارات الشرعية والألفاظ الإسلامية السلفية الواضحة التي لا لبس فيها ، فالألفاظ قوالب المعاني و" البلاء موكل بالمنطق " ، وأن يقوموا بالحق لا يخافوا لومة لائم ، وأن يوقنوا بنصر الله وأن العزة لله جميعاً (( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .((

وكتب سمير بن خليل المالكي
28/1/1424هـ
جوال (0591114011)


 

سمير المالكي
  • الكتب والرسائل
  • الصفحة الرئيسية