اطبع هذه الصفحة


حكم صيام السبت تطوعا

  

سمير بن خليل المالكي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد ، فهذا جواب مختصر لمن سألني من الإخوان عن حكم صيام يوم السبت تطوعا ، فأقول وبالله التوفيق :
الكلام في هذه المسألة يدور على حديثين رئيسين ، حديث في النهي عن صيام السبت تطوعا ، وحديث في الرخصة في ذلك .
1 _ فأما حديث النهي ، فقد روي من حديث عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال < لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم .. > .
الحديث . رواه أحمد [ 6 / 368 ] وأصحاب السنن ، د [ 2421 ] ، ت [ 744 ] ، جه [ 1726 ] والنسائي في الكبرى .
وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبدالله بن بسر ، دون ذكر أخته الصماء .
وقد صححه الألباني ، وأطال في تخريجه والكلام على إسناده في الإرواء [ 960 ] .
قال الترمذي \" هذا حديث حسن ، ومعنى الكراهية في هذا ، أن يختص الرجل يوم السبت بصيام ، لأن اليهود يعظمون يوم السبت \" . انتهى .
وقال أبوداود \" هذا الحديث منسوخ \"
ثم أسند عن ابن شهاب الزهري أنه قال \" هذا حديث حمصي \" .
وعن الأوزاعي أنه قال \" ما زلت له كاتما حتى رأيته انتشر \" .
ثم قال أبوداود \" قال مالك : هذا كذب \" . انتهى .
ونقل الحافظ في التلخيص [2/ 216] تصحيح ابن السكن له .
ثم نبه الحافظ إلى أن الحديث قد أعل بالمعارضة ، وبالاضطراب .
ونقل قول النسائي \" هذا حديث مضطرب \" .
وذكر الحافظ وجه الاضطراب فيه ثم قال \" هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد ، مع اتحاد المخرج ، يوهن راويه ، وينبئ بقلة ضبطه .. \" الخ .
وقد صحح الحاكم حديث الصماء هذا [ 1 / 435 ] ثم قال \" وله معارض بإسناد صحيح .. \" ثم ساق حديث جويرية في صيام الجمعة ، وحديث أم سلمة الذي سنذكره بعد قليل .
وقد ترجم أبوداود لهذا الحديث بقوله \" باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم \" .
ثم أتبعه بقوله \" باب الرخصة في ذلك \" ، ثم ذكر حديث جويرية : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة ، فقال < أصمت أمس > ؟ قالت : لا .
قال < تريدين أن تصومي غدا > ؟
قالت : لا . قال < فأفطري > .
قال سمير : حديث جويرية هذا رواه البخاري أيضا [ 1986] .
وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا < لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده > . متفق عليه .
ومعارضة حديث جويرية لحديث الصماء ظاهرة ، و قد عده أبوداود وغيره ناسخا له .

* * *

2 _ وأما حديث الرخصة ، المعارض لحديث الصماء ، فهو حديث أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت و يوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام ، و يقول < إنهما عيدا المشركين ، فأنا أحب أن أخالفهم > . رواه أحمد [ 6 / 323 ] وصححه ابن حبان [ 941 ] .
قال ابن القيم \" وفي صحة هذا الحديث نظر \" ، ثم ذكر الحديث السابق حديث الصماء في النهي عن صوم السبت ، ثم قال \" وقال جماعة من أهل العلم : لا تعارض بينه وبين حديث أم سلمة ، فإن النهي عن صومه إنما هو عن إفراده ، وعلى ذلك ترجم أبو داود ، فقال : باب النهي أن يخص يوم السبت بالصوم .
وحديث صيامه (أي : حديث أم سلمة) إنما هو مع يوم الأحد .
قالوا : ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم ، إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده .. \" الخ .
[ زاد المعاد 2 / 74 ] .
وقال ابن قدامة \" قال أصحابنا : يكره إفراد يوم السبت بالصوم \" ، ثم ذكر حديث الصماء ، ثم قال \" والمكروه إفراده ، فإن صام معه غيره لم يكره، لحديث أبي هريرة وجويرية ، و إن وافق صوما لإنسان لم يكره \" .
المغني [ 4 / 428 ] .
وقال النووي \" يكره إفراد يوم السبت بالصوم ، فإن صام قبله أو بعده لم يكره \" ، ثم ذكر حديث النهي ، ورد على من ضعفه ، وذكر الأحاديث المعارضة له، كحديث جويرية وحديث أم سلمة ، ثم قال \" والصواب على الجملة ما قدمناه عن أصحابنا أنه يكره إفراد السبت بالصيام إذا لم يوافق عادة له ، لحديث الصماء .. وأما الأحاديث الباقية التي ذكرناها في صيام السبت ، فكلها واردة في صومه مع الجمعة والأحد ، فلا مخالفة فيها لما قاله أصحابنا من كراهة إفراد السبت ، وبهذا يجمع بين الأحاديث \". المجموع [ 6/ 439 .. ] .
قال سمير : وقول النووي وغيره : يكره إفراده إذا لم يوافق عادة له ، معناه : أن الكراهة إنما هي في تخصيص إفراد السبت بالصوم قصدا . وأما من صامه فوافق عادة له ، كمن عادته صيام أيام معينة من الشهر ، أو من السنة ، فوافق أن يكون السبت ، دون أن يقصد تخصيص السبت ، أو من صامه لموافقته صياما مشروعا ، كيوم عرفة لغير الحاج ، أو عاشوراء ، لمن يفرد صيامه ، ونحو ذلك ، فإن هذا لا كراهة فيه .

* * * * *

وقد ورد ما يشهد لحديث أم سلمة عند الترمذي [ 746 ] من حديث عائشة قالت \" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر : السبت والأحد والإثنين ، ومن الشهر الآخر : الثلاثاء والأربعاء والخميس \".
قال الترمذي \" هذا حديث حسن . وروى عبدالرحمن بن مهدي هذا الحديث عن سفيان ، ولم يرفعه \" .
قال الحافظ في الفتح [ 4 / 227 ] \" روي موقوفا وهو أشبه \" .
قال سمير : لكنه سكت عليه في التلخيص [ 2 / 216 ] .
@وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية الكلام عن صيام السبت ، فقال \" فأما صوم أيام أعياد الكفار مفردة بالصوم كصوم يوم النيروز والمهرجان ، وهما يومان يعظمهما الفرس ، فقد اختلف فيهما لأجل أن المخالفة تحصل بالصوم ، أو بترك تخصيصه بعمل أصلا .
فنذكر صوم يوم السبت أولا .. \" ثم ذكر شيخ الإسلام حديث الصماء ، ثم قال \" وقد اختلف الأصحاب وسائر العلماء فيه .
قال الأثرم : وسمعت أبا عبدالله يسأل عن صيام يوم السبت يفترد به ، فقال : قد جاء في ذلك حديث الصماء .
قال أبو عبدالله : وكان يحي بن سعيد يتقيه ، وأبى أن يحدثني به .
قال الأثرم : وحجة أبي عبدالله في الرخصة في صوم يوم السبت ، أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبدالله بن بسر :
منها : حديث أم سلمة حين سئلت : أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما لها ، فقالت : السبت و الأحد .
ومنها : حديث جويرية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة < أصمت أمس > ؟ قالت : لا .
قال < تريدين أن تصومي غدا > ؟..
فالغد هو : يوم السبت .
وحديث أبي هريرة : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا بيوم قبله أو يوم بعده .
فاليوم الذي بعده هو يوم السبت .
ومنها : أنه كان يصوم شعبان كله ، وفيه السبت .
ومنها : أنه أمر بصوم المحرم ، وفيه يوم السبت .
وقال < من صام رمضان ، وأتبعه بست من شوال > ، وقد يكون فيها السبت .
وأمر بصيام البيض ، وقد يكون فيها السبت . ومثل هذا كثير \" .
ثم قال ابن تيمية \" فهذا الأثرم فهم من كلام أبي عبدالله أنه توقف عن الأخذ بالحديث ، وأنه رخص في صومه ، حيث ذكر الحديث الذي يتحجج به في الكراهة ، وذكر أن يحي بن سعيد كان يتقيه ، وأبى أن يحدث به ، فهذا تضعيف للحديث .
واحتج الأثرم بما دل من النصوص المتواترة على صوم يوم السبت ..
وعلى هذا ، فيكون الحديث إما شاذا غير محفوظ ، وإما منسوخا ، وهذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه ، كالأثرم وأبي داود .
قال أبوداود : هذا حديث منسوخ .
وذكر أبوداود بإسناده عن ابن شهاب أنه كان إذا ذكر له أنه نهي عن صيام يوم السبت ، يقول ابن شهاب : هذا حديث حمصي .
وعن الأوزاعي قال : مازلت كاتما له حتى رأيته انتشر بعد .
قال أبو داود : قال مالك : هذا كذب .
وأكثر أهل العلم على عدم الكراهة .
وأما أكثر أصحابنا ففهموا من كلام أحمد الأخذ بالحديث ، وحمله على الإفراد .. \" ثم ذكر ابن تيمية أن من أهل العلم من احتج بحديث النهي لجودة إسناده ، وحملوه على منع إفراده بالصوم حتى لا يشابهوا اليهود في تعظيمه ، وأما إذا ضموا غيره إليه فقد انتفى ذلك .
انتهى باختصار من \" اقتضاء الصراط المستقيم \" [ 2 / 569 _ 573 ] .
والخلاصة : أن حديث النهي عن صوم السبت قد أعله بعض الأئمة المتقدمين بالشذوذ ، أو بالمعارضة ، أو بالنسخ ، وقدموا عليه حديث أم سلمة في صيام السبت والأحد ، لأنه أقوى منه ، ولأنه تشهد له الأحاديث الأخرى الصحيحة .
وأما من أثبت الحديث ، فإنه صرح بأن الكراهة هي في تخصيص يوم السبت بالصيام مفردا ، أما من صامه لأنه وافق صوما اعتاده ، فإنه لا حرج عليه حينئذ في إفراد السبت بالصيام .
واتفقوا كلهم ، على أن الكراهة تزول بصيام يوم معه ، كالجمعة ، وأحاديثها متفق عليها ، أو كالأحد ، لحديث أم سلمة .
ويؤيد ذلك : أن أحاديث النهي عن صيام الجمعة ، المتفق على صحتها ، تختص بإفراد الصوم بدون سبب .
وأما من أفرده لموافقته صوما اعتاده أو صوم يوم مشروع ، كصيام عرفة لغير الحاج ، وعاشوراء ، ونحو ذلك ، فإنه لا حرج عليه في ذلك .
يؤيده أنه قد ورد في لفظ حديث أبي هريرة في النهي عن إفراد يوم الجمعة بصيام ، قوله < لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم > .
وهذا لفظ مسلم [ 1144 ] .
كما ورد مثل هذا الاستثناء في حديث النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين ، فقال < إلا أن يكون رجل كان
يصوم صومه فليصم ذلك اليوم > . وهو حديث متفق عليه .
قال سمير : فإذا ورد الاستثناء في الرخصة في صيام مثل هذه الأيام ، التي ثبت النهي عن تخصيصها بالصيام بأحاديث في غاية الصحة ، فكيف بصيام السبت ، وحديثه كما رأيت ، ثم هو معارض بمثله ، وهو حديث أم سلمة ، ومعارض بأحاديث الجمعة المتفق على صحتها ؟

* * * * *

وأختم بكلام الشيخ محمد العثيمين حيث قال رحمه الله \" وأما السبت فقيل : إنه كالأربعاء والثلاثاء يباح صومه.
وقيل : إنه لا يجوز إلا في الفريضة .
وقيل : إنه يجوز ، لكن بدون إفراد .
والصحيح : أنه يجوز بدون إفراد ، أي : إذا صمت معه الأحد ، أو صمت معه الجمعة ، فلا بأس .
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لزوجته < أتصومين غدا > ؟ أي : السبت \" .
ثم ذكر الشيخ حديث الصماء ، وقال \" فهذا الحديث مختلف فيه ، هل هو صحيح أو ضعيف ؟ وهل هو منسوخ أو غير منسوخ ؟ وهل هو شاذ أو غير شاذ ؟
وهل المراد بذلك إفراده دون جمعه إلى الجمعة أو الأحد ؟
وسبق بيان القول الصحيح أن المكروه إفراده ، لكن إن أفرده لسبب فلا كراهة ، مثل أن يصادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء ، إذا لم نقل بكراهة إفراد يوم عاشوراء \" . انظر الشرح الممتع [ 6 / 463 ] .
قلت : هذا ما أردت ذكره في هذا البحث المختصر ، والله تعالى أعلم ،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


* * * * *
وكتب / سمير بن خليل المالكي
مكة المكرمة/ ت 0591114011
14 / 1 / 1433

 

سمير المالكي
  • الكتب والرسائل
  • الصفحة الرئيسية