اطبع هذه الصفحة


حكم التهنئة بأعياد الكفار

  

سمير بن خليل المالكي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد ،
فقد وقفت على كلام للدكتور حاتم العوني في حكم تهنئة الكفار بأعيادهم ذكر فيه :
أن تهنئتهم بأعيادهم غير الدينية جائزة ، بل مستحبة أحيانا !
واستدل على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لملوك الكفار في رسائله لهم (السلام على من اتبع الهدى).
قال سمير : قد ذكرت في ردي السابق على الدكتور حاتم في مسألة شد الرحال أنه ولع بإشاعة الخلاف وبث الشبهات بين العوام ، حتى في المسائل الواضحة ، التي تكلم فيها من هو أعلم وأفقه وأوثق منه من أئمة المسلمين .
ولا أجد له عذراً في اقترافه لمثل تلك الزلات المتتابعة :
مرة في الولاء والبراء ، ومرة في شد الرحال إلى القبور ، ومرة في لمز دعوة الإمام ابن عبد الوهاب وأتباعه ، والله أعلم بما سيصدر عنه بعد ذلك .


* * * * *


ومسألة "تهنئة الكفار بأعيادهم" قد أفتى فيها أهل العلم من قبل بالمنع والتحريم ، بل إنهم منعوا من تهنئة المسلمين بما أحدثوه من أعياد ، فكيف بتهنئة الكفار بأعيادهم ؟
وقد جاء في جواب فتوى العلماء أن في تهنئة الكفار تودداً إليهم ، وطلباً لمحبتهم ، وإشعاراً بالرضى عنهم وعن شعائرهم ، وهذا لا يجوز ، بل الواجب إظهار العداوة لهم ، وتبيين بغضهم ، لأنهم يحادون الله جل وعلا، ويشركون معه غيره ، ويجعلون له صاحبة وولدا.
قال تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله .. } الآية .
وقال تعالى { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده .. } الآية " .
انتهى نقله من فتوى اللجنة الدائمة.
وقد أجاب الشيخ العثيمين بالتحريم أيضا ، وفتواه مشهورة.
وأشهر من فصل في حكم إحداث الأعياد عند المسلمين والكفار ، شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " ، وقد ذكر فيه أن النصوص قد تواترت من الكتاب والسنة وآثار السلف على النهي عن مشابهة الكفار في عباداتهم وعاداتهم وأعيادهم .

وسأذكر هنا فوائد عامة نص عليها في كتابه المذكور :

1 _ إن الأدلة الشرعية قد تواترت على الأمر بمخالفة الكفار ، والنهي عن مشابهتهم ، في عاداتهم وعباداتهم ، وبالأخص أعيادهم . [ ص 82 ] .
2 _ إن من الشروط المجمع عليها التي فرضها الخلفاء على الكفار من أهل الذمة إخفاء شعائر دينهم ومنكراتهم وأعيادهم الخاصة بهم .
قال ابن تيمية " ومن المعلوم أن تعظيم أعيادهم ونحوها بالموافقة فيها، نوع من إكرامهم ، فإنهم يفرحون بذلك ، ويسرون به ، كما يغتمون بإهمال دينهم الباطل " . [ص 325 ] .
3 _ مخالفتهم فيما أحدثوه من العبادات والعادات والأعياد ، أوجب من مخالفتهم فيما كان مشروعاً لهم ثم نسخ ، من العبادات و الأعياد الدينية .
وذلك لأنها لو أحدثها المسلمون لوجب إنكارها ، فكيف بما أحدثه الكفار ؟ [ ص 422 _ 423 ] .
4 _ ذكر ابن تيمية حديث الذي نذر أن يذبح إبلاً ببوانة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (هل كان فيها وثن يعبد ؟ قال : لا . قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال : لا . قال : أوف بنذرك ..). [أبوداود 3313].
قال ابن تيمية " فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيدا ، مع أن ذلك العيد إنما كان سوقا يتبايعون فيها ويلعبون ، كما قالت الأنصار (يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية) ، لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم ( أي : لم تكن أعياداً دينية ) وهذا نهي شديد عن أن يفعل شيئ من أعياد الجاهلية على أي وجه كان.
وهذا يوجب العلم اليقيني بأن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعا قويا عن أعياد الكفار ، ويسعى في درسها وطمسها بكل سبيل " . [ ص 443 _ 445 ].
5 _ رخص في اللعب وإظهار الفرح والسرور ونحو ذلك في الفطر والأضحى ، دون سائر أعياد الناس .
قال ابن تيمية " فلا يجوز لنا أن نفعل في كل عيد من اللعب ما نفعل في عيد المسلمين " . [ ص 448 ] .
6 _ إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع ، فالموافقة فيها تعد موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره .
قال الله تعالى { لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه } . [ ص 471 ] .
7 _ إن كل ما يفعلونه في أعيادهم يعد معصية لله ، لأنها إما أن تكون أعياداً محدثة مبتدعة ، وإما أن تكون منسوخة، فلا يجوز لمسلم أن يقرهم على بدعة ولا على شريعة منسوخة. [ ص 473 ] .


* * * * *


قال سمير : فقد تبين مما نقلته آنفاً وجوب مخالفة كل الطوائف والملل الخارجة عن دين الإسلام ، في كل ما يخصهم من عبادة أو عادة .
والأعياد تدخل في العبادات ، لأنها من الشعائر ، حتى ما أحدث منها لغير التعبد به ، كأعياد الميلاد و نحوها .
ومعلوم بالضرورة : أن أعيادهم كلها مشتملة على الكفر والمعصية ، أو على أحدهما ، لأنها إما أن تكون أعيادا دينية يتعبدون بها ، فهذه لا شك في اشتمالها على الكفر الصريح ، كعيد "الكرسمس " .
وإما أن تكون أعياداً اخترعت للعب واللهو ، أو اخترعت لمناسبة ، كالأعياد الوطنية ، فهي معصية بذاتها ، فضلا عن اشتمالها على المنكرات الأخرى.
فالتهنئة بكلا النوعين من أعيادهم لا تحل في دين الإسلام.
ومن المعلوم ضرورة أنه لا يحل التهنئة بالكفر والمعصية لأحد من الخلق مسلماً كان أم كافراً .


* * * * *


وأما ما شبه به الدكتور حاتم وغيره بقوله صلى الله عليه وسلم في كتبه لملوك الكفار (السلام على من اتبع الهدى) ، فهذا خارج عن موضوع التهنئة بأعيادهم ، ولا وجه لقياس هذا على ذاك .
ومعلوم أنه كانت لليهود والنصارى والمشركين أعياد في المدينة وغيرها ، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم نص صحيح ولا حتى ضعيف ، في تهنئتهم بأعيادهم ، ولا عن أحد من الصحابة أو التابعين أو أئمة المسلمين ، فيما نعلم.
بل قد صرحوا بمجانبة الكفار في أعيادهم ، طاعة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله (قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما). رواه أبوداود [ 1134] .
وقوله (إن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا). متفق عليه .
وقد ذكر بعض السلف في تفسير قوله تعالى { والذين لا يشهدون الزور } أي : أعياد الكفار .
وقال عمر بن الخطاب (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم).
وقال عبدالله بن عمرو (من بنى ببلاد الأعاجم ، فصنع نوروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة). رواهما البيهقي [ 9 / 234 ] .
قال ابن تيمية تعليقا على أثر عبدالله بن عمرو " وإنما ذكر _ والله أعلم _ < من بنى ببلادهم > ، لأنهم على عهد عبدالله بن عمرو وغيره من الصحابة ، كانوا ممنوعين من إظهار أعيادهم بدار الإسلام ". [ ص 460]. قال سمير : وفرق كبير بين تهنئتهم بأعيادهم ، التي إما أن تكون كفراً أو بدعة ومعصية ، وبين معاملتهم بشيئ من الحسنى والعدل ، كرد التحية ، وعيادة المريض ، وتعزية المصاب ، والتهنئة بحدوث نعمة ، من مال أو ولد ، فهذا قد نقل فيه خلاف ، وعليه تنزل الروايات الثلاث عن الإمام أحمد .
وقد فصل ابن القيم تلك المسائل في كتابه " أحكام أهل الذمة " .
*حيث ذكر حديث (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) ، وشرح معنى السلام ، ثم قال " فحقيق بتحية هذا شأنها أن تصان عن بذلها لغير أهل الإسلام ، وألا يحيى بها أعداء القدوس السلام ، ولهذا كانت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار (سلام على من اتبع الهدى) ولم يكتب لكافر سلام عليكم أصلا " .
ثم ذكر ابن القيم حكم الرد عليهم بلفظ السلام ، ورجح أنه يرد عليهم بمثل ما حيونا به .
وأما عيادة أهل الكتاب ، فقد نقل فيها ثلاث روايات عن الإمام أحمد :
المنع ، والإذن ، والتفصيل .
وذكر ابن القيم الخلاف أيضا في شهود جنائزهم وفي تعزيتهم .
ثم قال " فصل : في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو سلامة من مكروه ، ونحو ذلك .
وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد ، فأباحها مرة ومنعها أخرى .
والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ، ولا فرق بينهما ، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه ، كما يقول أحدهم : متعك الله بدينك ، أو أعزك الله ، أو أكرمك .
فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة ، وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهنأ بهذا العيد ، ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه .
وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل .
فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر ، فقد تعرض لمقت الله وسخطه .
وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات ، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء، تجنبا لمقت الله وسقوطهم من عينه " . انتهى باختصار . [ 1 / 197 _ 206 ] .

قال سمير : فقد فرق ابن القيم في الحكم بين التهنئة بالأمور المباحة والمشتركة ، وبين التهنئة بالأعياد ، وغيرها من المعاصي والمنكرات .
بل صرح بأن من الأئمة من منع من تهنئة الظلمة والجهال بالولايات ، مع أنها مشروعة في الأصل ، لأنهم قد يستعينون بها على الباطل .


* * * * *


تنبيه :
نسب بعضهم إباحة تهنئة الكفار بالأعياد ، إلى ابن تيمية ، ولم يعزه إلى كتاب ، وأظنه أخطأ في الفهم ، فإن كلام شيخ الإسلام في سائر كتبه "كالاقتضاء " ، وغيره يناقض ما نقل عنه ، والله تعالى أعلم.


* * * * *
وكتب: سمير بن خليل المالكي
جوال 0591114011
مكة المكرمة..
10 / 2 / 1433


 

سمير المالكي
  • الكتب والرسائل
  • الصفحة الرئيسية