اطبع هذه الصفحة


هل يلزم المبيت في منى لمن غربت عليه شمس ثاني أيام التشريق

أبو عبدالعزيز سعود الزمانان

 
ولم يفرق الشافعية والحنابلة في هذا الشرط بين المكي والآفاقي , وذهب المالكية : إلى التفريق بينهما , وخصوا شرط التعجيل بالمتعجل من أهل مكة , وأما إن كان من غيرها فلا يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثاني , وإنما يشترط نية الخروج قبل الغروب من اليوم الثاني .

ولم يشترط الحنفية أن يكون آفاقياً , وقالوا : له أن ينفر بعد الغروب مع الكراهة , ما لم يطلع فجر اليوم الثالث , وذلك لأنه لم يدخل اليوم الآخر , فجاز له النفر , كما قبل الغروب.

وذهب الظاهرية إلى أن من رمى يومين ثم نفر ولم يرم الثالث فلا بأس به سواء أدركه الليل بمنى أم لم يدركه .

وسوف أورد فيما يأتي أقوال أهل العلم في هذه المسألة وبالله التوفيق :

الحنفية :
جاء في " رد المحتار " : " ينفر قبل غروب الشمس - أي شمس الثالث – فإن لم ينفر حتى غربت الشمس يكره له أن ينفر حتى يرمي في الرابع ، ولو نفر من الليل قبل فجر الرابع لا شيء عليه وقد أساء ، وقيل ليس له أن ينفر بعد الغروب ، فإن نفر لزمه دم ، ولو نفر بعد طلوع الفجر قبل الرمي لزمه الدم اتفاقاً "[3]

جاء في " البناية " : " ( وله أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع ) وهو آخر أيام التشريق ( فإذا طلع الفجر من اليوم الرابع لم يكن له أن ينفر لدخول وقت الرمي ) فلا ينفر حتى يرمي ( وفيه خلاف الشافعي ) فإن عنده لا يجوز له النفر إذا غربت الشمس من اليوم الثاني عشر حتى يرمي الجمار الثلاث في اليوم الرابع ، وبه قال مالك وأحمد – رحمهما الله – وهو رواية عن أبي حنيفة – رحمه الله – لما روى عمر – رضي الله عنه – أنه قال : " من أدرك المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس " .[4]

وجاء في " إرشاد الساري إلى مناسك الملا القاري" : " ( فإن لم ينفر حتى غربت الشمس يكره له ) أي الخروج في تلك الليلة عندنا ، ولا يجوز عند الشافعي ( أن ينفر حتى يرمي في الرابع ولو نفر من الليل قبل طلوع الفجر من اليوم الرابع لا شيء عليه ) أي من الجزاء وإنما يكره له كما سبق ( وقد أساء ) أي لتركه السنة ، ولا يلزمه رمي اليوم الرابع ... وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يلزمه الرمي إن لم ينفر قبل الغروب وليس له أن ينفر بعده حتى لو نفر بعد الغروب قبل الرمي يلزمه دم كما لو نفر بعد طلوع الفجر ، وهو قول الأئمة الثلاثة ، وهو المراد بقوله ( وقيل ليس له أن ينفر بعد الغروب فإن نفر لزمه دم ) أي عند الأئمة الثلاثة ، ورواية الحسن عن أبي حنيفة ( ولو نفر بعد طلوع الفجر قبل الرمي يلزمه الدم اتفاقاً )" .[5]

المالكية :
جاء في " حاشية الدسوقي " : " والحاصل أن المقتضى لوجوب بيات الليلة الثالثة وعدم وجوب بياتها قصد التعجيل وعدم قصده ، فإن قصد التعجيل فلا يلزمه بيات بها ، وإن لم يقصد التعجيل لزمه البيات بها ويلزمه الدم إن ترك البيات جل ليلة ، والمراد بالمتعجل من قصد الذهاب لمكة كان له عذر أولا "[6]ا.هـ .

وجاء في " حاشية الدسوقي " أيضاً : " وأما إن كان من غيرها – أي من غير أهل مكة – فلا يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثاني وإنما يشترط نية الخروج قبل الغروب من الثاني" [7] .

وفي حاشية " العدوي " : " قوله ( إن تعجل ) كان بمنى أو غيرها كمكة ، لكن إن كان بمنى فيشترط نية التعجيل والخروج منها قبل الغروب من الثاني ، وإن كان من غيرها لا يشترط الخروج منها قبل الغروب من الثاني وإنما يشترط نية الخروج فقط قبل الغروب من الثاني "[8].

وفي "حاشية هداية الناسك " : " ويشترط في صحة التعجيل أن يخرج من منى قبل غروب الشمس من اليوم الثالث فإن غربت قبل أن يجاوز جمرة العقبة لزمه المبيت بمنى ، ورمى اليوم الرابع ، ومن أفاض إلى مكة وليس قصده التعجيل ثم بدا له بمكة قبل الغروب أن يتعجل فله ذلك ، وإن بدا له التعجيل بعد الغروب فليس له ذلك ، وإن رجع إلى منى ثم بدا له قبل الغروب أن يتعجل فله ذلك ، ومن تعجل فأتى مكة ثم طاف طواف الإفاضة وانصرف فكان ممره على منى فلم ينفر منها حتى غابت الشمس فلينفر ولا يضره ذلك ، وكذا لو نسي شيئاً فرجع إليه بعدما انفصل عنها لم يلزمه المقام بها، وإذا مر المتعجل في سيره عليها فبات بها حتى أصبح لم يلزمه الرمي لأنه لم يلزمه المبيت بها ،ومن تأخر وجب عليه المبيت ليلة الرابع ولزمه رمي اليوم بعد الزوال "[9]

الشافعية :
جاء في " الحاوي " : " فإن لم يتعجل النفر حتى غربت الشمس لزمه المبيت بمنى والرمي من الغد في الجمرات الثلاث بإحدى وعشرين حصاة ، ليكمل رميه سبعين حصاة ، ... فإذا ثبت أن وقت التعجيل ما لم تغرب الشمس ، فلو ركب بمنى وسار قبل غروب الشمس ، فلم يخرج من حدود منى حتى غربت الشمس لزمه المبيت بها والرمي في الغد ، لأن النفر لا يستقر إلا بمفارقتها ، فلو فارقها قبل غروب الشمس ، ثم عاد إليها ليلاً أو نهاراً فقد استقر حكم النفر وسقط عنه رمي الغد ، سواء عاد ليلاً أو نهاراً ، لحاجة أو لغير حاجة " [10]

وجاء في " منهاج الطالبين " : " فإذا رمى اليوم الثاني وأراد النفر قبل غروب الشمس جاز , وسقط مبيت الليلة الثالثة ورمى يومها , فإن لم ينفر حتى غربت وجب مبيتها ورمى الغد ."[11] .

وجاء في " المجموع " : " يجوز له التعجيل في النفر من منى في اليوم الثاني ما لم تغرب الشمس ، ولا يجوز بعد الغروب ، وبه قال مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة له التعجيل ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ،دليلنا قوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } واليوم اسم للنهار دون الليل، وقال ابن المنذر : ثبت أن عمر – رضي الله عنه – قال : " من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس " قال : وبه قال ابن عمر وأبو الشعثاء وعطاء وطاوس وأبان بن عثمان والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وبه أقول . قال :وروينا عن الحسن والنخعي قالا: " من أدركه العصر وهو بمنى في اليوم الثاني لم ينفر حتى الغد " قال : ولعلهما قالا ذلك استحباباً والله أعلم ،هذا كلام ابن المنذر .

وقد ثبت في الموطأ وغيره عن ابن عمر أنه كان يقول :" من غربت عليه الشمس وهو بمنى من أوسط أيام التشريق فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد "[12] وهو ثابت عن عمر كما حكاه ابن المنذر " ا.هـ .[13]

الحنابلة :
جاء في " المغني " : " فمن أحب التعجيل في النفر الأول خرج قبل غروب الشمس , فإن غربت قبل خروجه من منى لم ينفر , سواء كان ارتحل أو كان مقيما في منزله , لم يجز له الخروج , هذا قول عمر , وجابر بن زيد , وعطاء , وطاوس , ومجاهد , وأبان بن عثمان , ومالك , والثوري , والشافعي , وإسحاق , وابن المنذر . وقال أبو حنيفة : له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ; لأنه لم يدخل وقت رمي اليوم الآخر , فجاز له النفر كما قبل الغروب . "[14]

وفي " كشاف القناع " : " ( وإن غربت ) الشمس ( وهو بها ) أي : بمنى ( لزم المبيت والرمي من الغد بعد الزوال ) قال ابن المنذر وثبت عن عمر أنه قال :" من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد ولينفر مع الناس " ( ثم ينفر ) الإمام ومن لم ينفر في اليوم الثاني . ( وهو النفر الثاني ) في اليوم الثالث "[15] .

وفي " الكافي " : " وإذا كان رمى اليوم الثاني ، وأحب أن ينفر ، نفر قبل غروب الشمس ، وسقط عنه المبيت تلك الليلة ، والرمي بعدها ، وإن غربت وهو في منى لزمه البيتوتة ،والرمي من الغد بعد الزوال " [16]

الظاهرية :
قال ابن حزم – رحمه الله - : " ومن رمى يومين ، ثم نفر ولم يرم الثالث فلا بأس به ، ومن رمى الثالث فهو أحسن ، برهان ذلك قول الله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } ، وقال أبو حنيفة : إن نفر اليوم الثاني إلى الليل لزمه أن يرمي الثالث . قال علي : وهذا خطأ وحكم بلا دليل وخلاف للقرآن "[17]

أقوال بعض أهل العلم في هذه المسألة :

شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس ، كما قال تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه }، فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث " [18].

الشيخ ابن باز – رحمه الله – سئل عن جماعة في وقت الحج وبعد رمي الجمرات لليوم الثالث نووا الخروج من منى ، ولكن لم يستطيعوا الخروج إلا بعد غروب الشمس بوقت ، نظراً للزحام فهل يلزمهم المبيت لأداء الرمي من غد ؟

فأجاب :إذا كان الغروب قد أدركهم وقد ارتحلوا فليس عليهم مبيت ، وهم في حكم النافرين قبل الغروب ، أما إن أدركهم الغروب قبل أن يرتحلوا فالواجب عليهم أن يبيتوا تلك الليلة أعني ليلة ثلاث عشرة ،وأن يرموا الجمار بعد الزوال في اليوم الثالث عشر ثم بعد ذلك ينفرون متى شاءوا لأن الرمي الواجب قد انتهى في يوم الثالث عشر وليس عليهم حرج في المبيت في منى أو مكة ، ولا رمي عليهم بعد رمي اليوم الثالث عشر ، سواء باتوا في مكة أو في منى "[19]

الشيخ الألباني – رحمه الله - : " قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث . قلت - القائل هو الألباني - : وعليه جماهير العلماء ، خلافاً لما ذهب إليه ابن حزم في " المحلى " 7/185 واستدل لهم النووي بمفهوم قوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه }فقال في "المجموع "8/238:" واليوم اسم للنهار دون الليل ". وبما ثبت عن عمر وابنه عبد الله قالا : " من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس [20]" .

الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : " ( خرج قبل الغروب ) أي من منى قبل أن تغرب الشمس ، وذلك ليصدق عليه أنه خرج في يومين ، إذ لو أخر الخروج إلى ما بعد الغروب لم يكن تعجل في يومين ، لأن اليومين قد فاتا ( وإلا لزمه المبيت والرمي من الغد ) أي : وإلا يخرج قبل غروب الشمس لزمه المبيت ليلة الثالث عشر ، والرمي من الغد ، بعد الزوال ، كاليومين قبله.والدليل : أن الله قال : {في يومين } وفي للظرفية ، والظرف لا بد أن يكون أوسع من المظروف ، وعليه فلا بد أن يكون الخروج في نفس اليومين ، وقد ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما - :" أنه إذا أدركه المساء فإنه يلزمه البقاء[21] " "[22].

الشيخ عبد الله بن حميد – رحمه الله - : " فإذا غربت عليه الشمس وهو بمنى لزمه المبيت والرمي من الغد بعد الزوال ، لقول عمر :" من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس " ولأنه بعد إدراكه الليل لم يتعجل في يومين ، لكن لو غربت عليه الشمس بمنى وقد ارتحل أو كان مشتغلاً بنقل أثاثه من خيام وغيره فلا يلزمه المبيت ،لأنه قد أخذ في التعجل "[23]

الشيخ صالح الفوزان : " فالتعجل معناه أن يخرج وينفر من منى بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر بعد الزوال من قبل غروب الشمس ،هذا التعجل ، وإذا أدركه الغروب ولم يرحل من منى فإنه يتعين عليه المبيت فيها ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الظهر ، والله أعلم "[24]

الترجيح :
· قول الظاهرية في هذه المسألة هو أقرب للصواب والله أعلم وذلك للأمور الآتية :

· أولاً : ظاهر الآية يدل على جواز التعجل في يومين ، والآية مطلقة فما ورد عن الشارع مطلقاً لا يجوز إدخال أي قيد من القيود إلا بدليل ، أما قولهم إن الله تعالى قال { فمن تعجل في يومين }[25] ولم يقل : في يومين وليلة[26]، فيجاب على ذلك بأن الله تعالى قال في بداية هذه الآية {واذكروا الله في أيام معدودات }[27] ولم يقل في أيام وليالي معدودات، والمراد بقوله تعالى في أيام : أي الأيام والليالي المعدودات،إذ الذكر المقصود هنا ما كان النحر ومن رمي الجمار ، والتكبير أدبار
الصلوات .

· ثانياً : الأصل براءة الذمة وعدم إلزام الناس بشيء إلا بما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد ثبت في السنن " أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفة فسألوه فأمر مناديا فنادى : الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "[28] قال ابن عيينة : "هذا أجود حديث رواه سفيان" وقال وكيع :" هذا الحديث أم المناسك"[29] ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لا يترك البيان وقت الحاجة ، وإن ما ورد عن الشارع مطلقاً لا يجوز إدخال أي قيد من القيود إلا بدليل ، فلو كان النفر من منى ليلة الثالث عشر بعد غروب الشمس لا يجوز لبين ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم - .

· ثالثاً : أما أثر عمر – رضي الله عنه – فتوجيهه يكون من عدة
وجوه :

- الوجه الأول : من ناحية ثبوته فإنني لم أجد هذا الأثر في كتب السنة المطبوعة ، وقد اعتمد العلماء السابقون كالنووي والمعاصرون كالألباني على تصحيح ابن المنذر – رحمه الله - ، وعلى اعتبار صحته فإن هذا الأثر ليس نصاً في هذه المسألة ، لأن دلالته ليست قطعية .

- الوجه الثاني : قول عمر " من أدركه المساء " لا يعني بالضرورة بعد غروب الشمس ، فالمساء له وجه قوي في اللغة بأنه بعد الزوال أو ما بين الظهر إلى المغرب[30] ، وبهذا جاء أثر الحسن والنخعي – رحمهما الله -: " من أدركه العصر وهو بمنى في اليوم الثاني لم ينفر حتى الغد " [31]

- الوجه الثالث : عمر – رضي الله عنه – يعرف عنه تشديده في كثير من المسائل في مناسك الحج حتى لا يتساهل الناس فيها ، فنجده على سبيل المثال ينهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، لا للتحريم إنما لكي لا يخلو بيت الله من النساك .

- وكذلك تشدد عمر – رضي الله عنه – في أنه كان يأمر الحائض أن تنتظر حتى تطهر من حيضتها فتطوف طواف الوداع ، ولم يكن يرخص لها بالذهاب قبل ذلك ، وهذا ثابت عن عمر كما أخرجه أبو داود وصححه الألباني – رحمه الله – في صحيح أبي داود (2004 ) .

- وكذلك ثبت بإسناد صحيح كراهية عمر – رضي الله عنه – للطيب قبل الإحرام ،فقد روى مالك في الموطأ عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب : " أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال : ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان : مني يا أمير المؤمنين، فقال : منك لعمر الله ،فقال معاوية:إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه "[32].

- كما منع – رضي الله عنه – أهل مكة من أن ينفروا في النفر الأول مع المتعجلين ، فقال : "من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول إلا آل خزيمة فلا ينفرون إلا في النفر الأخير"[33] ، بالرغم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم – ثبت عنه أنه قال : " أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "[34] فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم ، كالدفع من عرفة ومزدلفة .

· رابعاً : أثر ابن عمر – رضي الله عنهما – ثابت لا ريب، ويمكن توجيهه بالأمور الآتية :

- التوجيه الأول : ابن عمر – رضي الله عنهما – لم يمنع النفر من منى لمن رمى الجمار في اليوم الثاني من أيام التشريق وقد غربت عليه الشمس في منى ، وإنما كان يمنع من الرمي ليلاً في أيام التشريق ، وهذا ثابت عنه كما روى البيهقي في " السنن الكبرى " عن ابن عمر قال : " من نسي أيام الجمار أو قال : رمي الجمار إلى الليل فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد "[35] .

- وهذا التوجيه هو ما فهمه ابن عبد البر – رحمه الله - فقال : " إنما قال ذلك – أي ابن عمر – لأن من غربت له الشمس بمنى لزمه المبيت بها على سنته ،فإذا أصبح من اليوم الثالث لم ينتظر حتى يرمي ، لأنه ممن تعجل في يومين ، فإن أقام حتى تزول الشمس رمى على سنته في تلك الأيام ، وقد رخص له أن يرمي في الثالث ضحى وينفر [36]" .

- فيكون توجيه أثر ابن عمر – رضي الله عنهما – على النحو الآتي : من غربت عليه الشمس وهو بمنى ولم يكن قد رمى من أوسط أيام التشريق فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد ويرخص له أن يرمي ضحى .

- التوجيه الثاني : ابن عمر – رضي الله عنهما – كان يميل إلى التشديد بأشياء كثيرة لا يوافقه عليها الصحابة ، وهو ما أكده الإمام ابن القيم فقال : " كان هذان الصاحبان الإمامان – ابن عباس وابن عمر - ، أحدهما يميل إلى التشديد والآخر إلى الترخيص ، وذلك في غير مسألة، وعبد الله بن عمر كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة ، فكان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمِيَ من ذلك ، وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد ، وكان يمنع من دخول الحمّام ، وكان إذا دخله اغتسل منه ، وابن عباس كان يدخل الحمّام ، وكان ابن عمر يتي
 

سعود الزمانان

  • بحوث علمية
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية