اطبع هذه الصفحة


خطبة عيد الفطر لعام 1442هـ

 شائع بن محمد الغبيشي
@0555599


الحمد لله حمد كثيراً طيباً مباركاً وأشهد ألا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آليه وسلم تسليماً كثيراً
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرا و الحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: في ليلة سمر اجتمع بعض أيام العام، أخذوا يتناولون أطراف الحديث، وبينما هم كذلك إذ بهم يبصرون من بعيد موكباً مهيباً شدههم ذلك الموكب بما يحوطه من الأنوار وأصوات التكبير والتهليل. قال أحدهم ترى لمن هذا الموكب؟ ولماذا هذه الفرحة والابتهاج بقدومه؟ فأجابه آخر: إنه يوم عيد الفطر، قال: وما يوم العيد؟ ألهذه الدرجة هو محبوب؟ إني أرى الكون كله يزدان بقدومه حتى الأيتام والبؤساء أراهم يلبسون حلةً جميلةً والفرحُ يتلألأ من وجناتهم فمن هو العيد؟ أجابه:

الْعِيدُ أَقْبَلَ فِي ثَوْبٍ مِـنَ الآسِ *** تَاجٌ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ مَحْضِ أَلْمَاسِ
يَتِيـــهُ فِي حُــلـَلٍ خَضْــــرَاءَ زَاهِــــرَةً *** كَرَوْضَــةٍ أَثْمَـــرَتْ مِـنْ كُلِّ أَجْنَـــاسِ
وَبَسْمَــةُ الْعِيــدِ فِيهَا الْــــوَرْدُ مُنْتَشِـــرٌ *** وَالزَّهْـــرُ مُزْدَهِــــرٌ يُلْقِي بِأَنْفَــاسِ
تَرَاقَصَتْ كَلِمَاتُ الشِّعْرِ مِنْ فَرَحٍ *** وَالطَّيْرُ غَنَّى فَأَشْجَى كُلَّ إِحْسَاسِ

قال ابن الأعرابي: سمّي عيدًا لأنّه يعود كلّ سنة بفرح متجدد، عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر". ( )
عيد الفطر خاتمةُ شهرٍ من الأفراحِ فللصائم كل يومٍ فرحةٌ عند فطره كم أخبر صلى الله عليه وسلم ويوم العيد هو احتفالية ختامية شكراً لله على تمام هذه النعمة، نفرح بالعيد ونحلم بالفرحة الثانية التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم حين قال: (وفرحة عند لقاء ربه) نطمع أن نفرح يوم القيامة عندما يٌكشف لنا ما أعده الله من الأجوار العظيمة ونحن نتذكر قوله جل وعلا: ( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، و نطمع أن نفرح بالفوز بلقاء الرب جل وعلا والنظر إلى وجهه الكريم قال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد،
عباد الله العيد فرصة عظيمة لنبث الحب إلى كل من نعاشر، ها هو محمد صلى الله عليه وسلم يعلمنا ذلك فعن عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ». قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا». يكشف صلى الله عليه وسلم أن زوجه هي أحب مخلوق إليه دون أن يتردد أو يشعر بالخجل، ليعلّمنا أن المشاعر لا حياء ولا خجل في كشف اللثام عنها.
إن الحب في قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليس له مكان يحده، ولا زمان ينتهي به، بل حتى لو مات الحبيب فخفقان القلب بحبه لا ينتهي، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة، يقول: «اذهبوا بذي إلى أصدقاء خديجة»، قالت: فأغضبته يوماً، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني رزقت حبها ».
إن الحب في ميزان محمد صلى الله عليه وسلم رزق رباني وهبة إلهية تُستوهب ممن بيده مفاتيح القلوب، أن تجارة الحب تجارة سوقها وميدانها سويداء القلب.
يروي البراء رضي الله عنه طرفاً من هذا الحب فيقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ بن عَلِيٍّ على عَاتِقِهِ يقول: (اللهم إني أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ).
ويصف لنا أنس رضي الله عنه سفر النبي صلى الله عليه وسلم بصفية من خيبر إلى المدينة فيقول: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ ...) رواه البخاري
يا الله خير من مشى على الأرض وأحب الخلق إلى الله يجلس على الأرض ويثني ركبته وتضع زوجه رجلها على ركبته لتصعد على ظهر الجمل أمام أعين الصحابة، إنها رسائل يبعثها محمدٌ صلى الله عليه وسلم لكل زوج تنبض بالحب والرحمة والإجلال والتقدير والتواضع والقرب الروحي والجسدي.
وها هو الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نستجذب قلوب الأبناء؟ تقول عائشة رضي الله عنها: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:( مرحبا بابنتي) ثم أجلسها عن يمينه. وفي رواية: وكانت إذا دخلت على النبيِّ صلى الله عليه وسلم قام إليها، فقبَّلها وأجْلَسَها في مجلسه
يقوم إليها يقبلها يجلسها مكانه وهي كبير لها بيت وزوج أي حفاوة هذه، ما هي الأحاسيس التي تختلج في قلب فاطمة رضي الله عنها؟ كم تتمنى أن تزور أباها وتلقاه؟
عباد الله لماذا نحرم أهلينا هذه المشاعر، قل لي عبد الله هل جربت أن تقتدي برسول الله صلى عليه وسلم في التعبير عن الحب مع زوجك مع أبنائك وبناتك، قل لي ما هي آخر مرة قبلت ابنك وضممته إلى صدرك؟ ما هي آخر مرة أذقت أبناءك وبناتك حنانك وعطفك وحبك؟ أعرف أنك تحبهم فلماذا لا تجعلهم يذوقون طعمه؟ لماذا تستره في قلبك؟
شكى إليه شاب قسوة والده وأنه يحلم ولو مرة أن يحتضنه وتقبله ويبتسم في وجهه، بل قال لي:( والدي يكرهني) دافعت عن والده بكل ما أملك دون فائدة، وفي يوم حصل للولد حادث وكسرت قدمه، فرأيت والده يقبله ويبكي، قلت في نفسي هل هذا يكرهه ولده؟
لماذا عباد الله لا نظهر مشاعرنا لمن نحب إلا عند المصائب؟ لماذا لا نذيقهم مشاعر الحب، كيف يعرف من تعاشره أنك تحبه وهو لا يرى منك إلا القسوة والصدود الفظاظة؟
إلى أخي المغترب وأنت تتصل بولديك وزوجك أبنائك بث إليهم مشاعر الحب حدثهم عن عظيم شوقك إليهم تجنب العتاب لا تجمع عليهم بعد البدن والقلب عوضهم عن بعدك بأجمل الكلمات والمشاعر والدعوات، يا أيها الغالي لا تطل الغربة عنهم اللهم ارزقنا التأسي برسول الله صلى الله وسلم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته وأشهد ألا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آليه وسلم تسليماً كثيراً، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله أحرصوا على إخلاص العمل لله عز وجل واحذروا من الشرك والرياء فو اسفاه على عبد أجهد ليله ونهاره في العبودية، بصيام وقيام وقرآن وذكر وزكاة ثم تذهب كل هذه الأعمال هباءً لأنه لم يطهر قلبه من الشرك وتكون الحسرة عظيمه عندما يرى تلك الحسنات تتطاير أمام ناظريه {وقدمنا إلى ما عملوا من عملاً فجعلنه هباء منثوراً}، فيا من يعتقد في الأولياء ويدعوهم ويذبح وينذر لهم ويحلف بهم تدارك نفسك قبل أن تحل بك الخسارة والندامة
عباد الله الكون كله يسجد لله قال تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السمو ات و من في الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الشجر و الدواب و كثر من الناس و كثير حق عليه العذاب و من ىيهن الله فما له من مكرم} فما أعظم البوار والخسارة حين يتصل الكون كله بالله والبعض يضيع الصلوات فيقطع صلته بالله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» ( )
عباد الله أهليكم أمانة عندكم وكل راع مسؤول عن رعيته، ربوهم على الخير والصلاح، أغرسوا في قلوبهم محبة الله وتعظيم أمره، ربوا فتياتكم على حب الستر والحياء والعفاف، جعلهم الله قرة أعين لكم.
عباد الله بروا أمهاتكم وآباءكم وصلوا أرحماكم تفوزوا بصلة الله لكم وتنجوا من عقوبة القطيعة قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} جلس يبكي على قبر أخيه وينتحب حتى أشفق عليه الحضور ولكنه بكاء بعد فوات الأوان، مات أخوه وهو قاطع له فكيف يصله بعد ذلك.
يا رجال الأمن أنتم صمام الأمان بعد الله لحفظ بلاد التوحيد من كيد الكائدين فألله ألله فيما وكل إليكم ولن يضيع الله جهدكم وتعبكم ورباطكم .
يا شباب الإسلام أنتم الطموح والأمل بعد الله في نهضة بلادكم وتقدمها، يفرحني حبكم للخير ومساهمتكم فيه فما أفرحنا بكم ونحن نراكم تسهمون في صناعة مستقبل بلدكم، استقيموا على أمر الله قووا صلتكم بالقرآن، تأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، أطيعوا ولاة أمركم، ارجعوا فيما يشكل عليكم إلى العلماء الربانين الناصحين حفظكم الله وأسعدنا بكم .
عباد الله مر أكثر من عام ونحن تحت وطأت هذا الوباء فعلينا أن نتضرع إلى الله جل وعلا بالدعاء أن يرفعه عنا الله فهو تعالى الذي يكشف البلاء والضر قال ابن القيم رحمه الله: وَالدُّعَاءُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ، وَهُوَ عَدُوُّ الْبَلَاءِ، يَدْفَعُهُ، وَيُعَالِجُهُ، وَيَمْنَعُ نُزُولَهُ، وَيَرْفَعُهُ، أَوْ يُخَفِّفُهُ إِذَا نَزَلَ، وَهُوَ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ. ( )
عباد الله بذلت حكومتكم وفقها الله جهوداً جبارة في التعامل مع وباء كورونا فاقت بها أكثر دول العالم، قامت على حماية المواطن والمقيم وفرت العلاج بالمجان والآن تمنح المواطن والمقيم لقاح كورونا بالمجان فعلينا أن نساهم في نجاح هذه الجهود بأن نأخذ بأسباب الوقاية من هذا الوباء، ومن ذلك المبادرة بأخذ لقاح كورونا، والأخذ بالاحترازات الوقائية ومنها لبس الكمام والحرص على التباعد، واصطحاب السجادة الخاصة للصلاة، وتجنب المصافحة والبعد عن التجمعات خاصة أننا في أيام عيد الفطر المبارك أكبر، اللهم أرفع عنا هذا البلاء بمنك وكرمك يا حي يا قيوم.
الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وصلوا وسلموا عباد الله على رسول الرحمة استجابة لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56]
اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحمي حوزة الدين وكن للمستضعفين من المسلمين في كل مكان.
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بناصيتهما إلى البر والتقوى اللهم سدد منهما الرأي والقول والعمل، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة الناصحة واصرف عنهم بطانة السوء يا حي يا قيوم. اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء وسائر الأدواء يا رب الأرض والسماء، اللهم من أراد أمننا وديننا وعقيدتنا ووحدتنا بسوء فاجعل كيده في نحره وتدبيره تدميره يا حي يا قيوم يا مجيب الدعاء.
اللهم أعيد علينا هذا العيد بالخير والمسرات والتوفيق والقبول يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين


شائع محمد الغبيشي
خطيب جامع السلامة بحلي


 

 
  • مقالات تربوية
  • الصفحة الرئيسية