اطبع هذه الصفحة


بوابة الغواية

 شائع بن محمد الغبيشي
@0555599


فتنةٌ يحبها الشيطان ويفرح بها ويملي من خلالها مشهد الغواية، يُبدع نسج فصولها، ويوزع أدوارها بإتقانِ ماهرٍ خبيرٍ، يرسم من فصولها خارطة الغواية، يزينها ويجملها، يملأ النفوس شغفاً بها، وقل من دلف من بابها فنجى من غوائل الشيطان فكم له من قتيل وجريح، جاءت سورة عظيمة من سور القرآن لتحذرنا منها وتعرض لنا قصةً واقعيةً لبيان ما تجنيه هذه الفتنة على أصحابها إن لم يلطف بهم الله وينجيهم من غوائلها، فماهي هذه الفتنة؟

إنها بوابة الغواية، ها هو القرآن يعرض لنا مشهدا حياً لقصةٍ كانت بوابة الغواية هي فتيلها الذي أشعل الشيطانُ فيه نار المكر والخبث ليوقعهم في الفحشاء، قذف في قلب امرأة العزيز لما خلت بيوسف الشغف به والطمع فيه، فسعت بكل ما تملك لتمثيل الأدوار التي رسمها لها الشيطان، تزينت، غلَّقت الأبواب، قالت هيت لك، طاردته، امسكت به حتى قُطع ثوبه، ولولا عصمت الله ليوسف عليه السلام لهزم في ذلكم المشهد، فما هي بوابة الغواية؟
إنها الخلوة المحرمة والتساهل في الدخول على النساء، فهل انتهى مشهد الغواية عند قول العزيز:{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }[يوسف: 29] كلا كلا لم ينته أثر تلك الخلوة ولم تنته فصول مشهد الغواية بل عَظُم البلاء على يوسف باجتماع النسوة عليه وافتتانهن به وتحولت سخريتهن من امرأة العزيز حين قلن: {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [يوسف: 30]

تحولت سخريتهن إلى تعلقهن بيوسف ورغبتهن كلهن للوصول إليه بأي طريق كان، من خلال مشهد آخر للغواية رسمه الشيطان ورتبت أدواره، ونفذته امرأة العزيز من خلال بوابة الغواية عندما ادخلت يوسف عليهن لتوقعهن في الفتنة: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)} [يوسف: 31]

وبعد ذلك صرحت امرأة العزيز تصريحها الخطير {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)} [يوسف: 32]

إنها بوابة الغواية: فتنة الخلوة بالنساء والدخول عليهن، ما المخرج ليوسف عليه السلام من هذا البلاء ومن هذه الفتنة وهذا المكر الكبار؟ لقد أدرك يوسف عليه السلام عظم الفتنة التي تحيط به وعظم مكر النسوة وكيدهن وعلى رأسهن امرأة العزيز فلجأ يوسف عليه السلام الذي سماه الله مخلصاً وأتاه العلم والحكمة إلى ربه معتصماً به، طالباً دخول السجن ليسلم له دينه وعرضه { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)} [يوسف: 33، 34] فكانت نهاية مشهد الغواية: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35] نهاية رائعة لانتصار الإيمان والعلم التقوى على فتنة النفس والشيطان والنسوة ولو كان ذلك على حساب أذى النفس بدخولها السجن واللبث فيه بضع سنسن دون ذنب أو جرم، وفي القصة دروس عظيمة منها:

أولاً: عظم خطر بوابة الغواية: خلوة الرجل بغير محارمه من النساء والحذر من الدخول على النساء ومخالطتهن وهي رسالة للمتساهلين في خلوة الرجال بالنساء خاصة الأقارب من غير المحارم فإن خلوتهم هي الموت والعطب فعن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء» فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» رواه البخاري
والمراد بالحمو أقارب الزوج من غير المحارم كالأخ والعم والخال وأبنائهم.
إننا نرى صورا محزنة للتساهل في الخلوة مع الأقارب ومع العمال والخدم وفي الأسواق وأماكن العمل قد تنتهي بفجيعة محزنة وعندها لا ينفع أن نعض أصابع الندم.
رسالة إلى كل غيور يغار على عرضة يغار أن تنتهك محارم الله عز وجل، لا تتساهل في أمر الخلوة وكن حرباً عليها ليسلم لك أغلى ما تملك ولو بذلت من مال ما بذلت.
أصونُ عرضي بمالي لا أدنسهُ لا بَارَكَ اللَّهُ بعدَ العِرْضِ في المالِ.

ثانياً:
القصة رسالة إلى كل أب وزوج وأخ كن حريصاً على محارمك واعلم أن الله استراك إياها فلا تجعلهم عرضة لذئاب الأعراض عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» رواه ابن حبان وحسنه الألباني
فكم من فتاة عفيفة طاهرة تساهل وليها في خلوتها بالرجال ساقها إلى بوابة الغواية فكان سبباً في ضياعها،
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له **** إياك إياك أن تبتل بالماء
وكم من شاب صالح نقي القلب تساهل في الخلوة بالنساء والدخول عليهن واطلق لبصره النظر في الحرام فوقع في الزيغ والغواية.
عباد الله لقد جاء التوجيه الرباني لأطهر النساء قلوباً ولأطهر الرجال افئدة جاء الخطاب لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حديثهن إلى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] "فمن ادعى أنه أقوى إيماناً من الصحابة، أو أن النساء اللاتي يخلو بهن أطهر قلوباً وأملك نفوساً من نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد عظم الافتراء، وأكثر الاجتراء" ( )
فبعد النساء عن الرجال حماية من الفتنة والغواية فعَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، يَقُولُ: وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ لِلنِّسَاءِ: (اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ) رواه أبوداود وحسنه الألباني.
عباد المؤمن غير على محارمه يصونهم ويحفظهم ويدافع عنهم، ومن غيرة المؤمن أن يصون محارمه عما يوقعهم فيما حرم الله فعن هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» متفق عليه.
ومن غيرة المؤمن أن يأمر محارمه بالستر والحجاب والبعد عن التزين والتطيب عند الخروج في الطرقات والتجمعات العامة عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ رَوْحٌ قَالَ: سَمِعْتُ غُنَيْمًا قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ " رواه أحمد وصححه الألباني

ثالثاً:
الله جل وعلا فطر الرجل والمرأة على أن يميل بعضهما إلى الآخر ليتم اللقاء بينهما من بابه الصحيح باب الزواج {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم: 21]
واستغل الشيطان هذا الميل الفطري ليوظفه في مسرحية الغواية فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» رواه البخاري
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان» رواه الترمذي وصححه الألباني
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» رواه مسلم.
صحيح البخاري (7/ 8)

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» متفق عليه
لأجل ذلك حَذِرَ السلف من هذه الفتنة، وخافوا بأنفسهم، وعنها تباعدوا، فعن سعيد بن المسيب قال: “ما يئس الشيطان من ابن آدم قط إلا أتاه من قبل النساء“ ثم قال وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى:" وما شيء عندي أخوف من النساء"
وقال ميمون بن مهران قال: "لأنْ أوتمنَ على بيت مالٍ أحب إلي من أن أوتمن على امرأة".

رابعاً:
في فرار يوسف إلى ربه واعتصامه به من فتنة امرأة العزيز ونسوة المدينة رسالة لكل مسلم أنِ الفرار الفرار من بوابة الغواية: فتن الخلوة بالنساء والدخول عليهنّ في زمن يعج بالفتن، فإلى الله المشتكى فتن في الأسواق وفتن عبر الشاشات وبرامج التواصل الاجتماعي، فشتان شتان بين من تَعرض له الفتنة فيفر منها خائفاً يلوذ بربه أن ينقذه منها، وبين من يبحث عن مضانها ويلج من أبوابها قبل نوافذها إنه يقود نفسه إلى الهلاك وقد يخسر دينه وإيمانه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا عبده بن عبد الرحيم خرج مجاهدا فنظر إلى فتاة نصرانية ففتن بها فتنصر وترك الإسلام فلما كان بعد مدة مر به أصحابه وهو مع تلك المرأة فقالوا: يا فلان ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعلت صلاتك؟
فقال: اعلموا أني أنسيت القرآن كله إلا قوله: { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ** ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } عياذاً بالله من ذلك.

خامساً:
أن يلهج العبد إلى ربه أن ينجيه من الفتن ويصرف عنه الفواحش ما ظهر منها وما بطن فهو سبحانه الذي يصرف السواء والفحشاء عن عباده {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24] وأن يحرص العبد على الإخلاص لله والعبودية له ودوام ذكره وشكره.
وقد كان من دعاء عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : « ربنا أصلح بيننا، واهدنا سبل الإسلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن » رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

اللهم اصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي


محبكم: شايع محمد الغبيشي
القنفذة / حلي / السلامة

 

 
  • مقالات تربوية
  • الصفحة الرئيسية