اطبع هذه الصفحة


تعقيباً على رئيس تحرير جريدة عكاظ
عندما تعتز أجيالنا بثوابتنا الشرعية فسنعرف ماذا تكون المرأة عام 2010م

خالد بن عبدالرحمن الشايع

 
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فقد اطلعت على ما كتبه رئيس تحرير جريدة عكاظ الأستاذ هاشم عبده هاشم في عموده بهذه الجريدة (السبت 7/4/1426هـ 15 مايو 2005م ( رقم 14141 ) تحت عنوان
( المرأة بعد أربع سنوات ) .
ودارت فكرة الأستاذ هاشم حول محورين :
أنه في عام 2010م سوف لن يُسمح لأية دولة في العالم بالمشاركة في أية نشاطات رياضية دولية ، أو بالالتحاق بالاتحادات الدولية المعتمدة ، ما لم تشترك المرأة في مختلف الأنشطة الرياضية. وقد بنى سعادة رئيس التحرير هذا على ما حدثه به ( أحد ) المهتمين بالحركة الرياضية.
ما عبر عنه الأستاذ هاشم بقوله ( كيف يمكن أن نتصرف في عصر يتجه بقوة نحو إسقاط جميع الحساسيات غير المبررة ، ليعيش الإنسان حياة طبيعية ، بعيداً عن الخوف والمحاذير والممنوعات المُبالغ بها?! ) .

أقول : وحيث إن الأستاذ هاشم في المحور الثاني تحدث عن قضية غايةٍ في الأهمية ، وما المحور الأول إلا فرع عنها ـ فإن من المتعين لدى التعامل معها أن تحدد المعايير الاستراتيجية المنبثقة عن ثوابتنا الإسلامية ، بل وعن غاية خلقنا ووجودنا في الحياة .

أما المحور الأول : وهو المتعلق بالرياضات النسائية المنظمة في الأندية وغيرها ، فقد أوضحت ما يتعلق بها في رسالة مختصرة لي بعنوان ( الرياضة في مدارس البنات : البداية والنهاية ) وقد أبنت فيها ما سبقت به الشريعة الإسلامية من الحث على رعاية صحة الأبدان ، وما شملت به الجنسين من الذكور والإناث من أخذ حضهم من هذا المتطلب الحياتي ، وأوضحت حدود ذلك وفق ما توصل إليه الخبراء في زماننا ، وأوضحت كذلك الفرق بين أن تتعاطى المرأة من الرياضات الخاصة بها ما تقوي به بدنها ، وبين أن تكون الرياضة وسيلة لهتك حياء المرأة وعرض عورتها على المنصات في المحافل العامة ، وبينت الرأي الشرعي الذي يظهر لكل متأمل للنصوص الشرعية في هذا الباب ، وهذا الذي ذهبت إليه متفق مع ما أفتى به علماؤنا ، ومنهم سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله .
ومن أراد مزيد بسط في المسألة فالرسالة المشار إليه متوافرة بحمد الله .

وأما المحور الثاني وهو الأساس ، فإن من المتعين على أمة الإسلام أن تلاحظ لدى مشاركتها شعوب العالم فيما يتصل بالنشاطات والتعاملات المتنوعة في المجالات كافة ، اجتماعيةً أو اقتصاديةً أو إعلاميةً أو رياضية أو غير ذلك ، أن تلاحظ ثوابتها الشرعية ، وأن تجعل معيار تعاملاتها متفقاً مع تفرضه نصوص الوحيين في المجالات التعبدية أو الأخلاقية أو غيرها ، وأن تحذر من الانسياق مع كل ما يُملى عليها ، أو تُدعى إليه ، ولو كان خاطئاً سيئاً .
وقد كانت عناية الشرع بهذه المسألة واضحة جلية ، إذ أوجبت تميزنا بما حبانا الله به من الإسلام وتشريعاته ، والحذر من تقليد أهل الملل الأخرى في انحرافاتهم .
قال الله تعالى : (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ) [البقرة : 138].
وقال سبحانه : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [البقرة : 148].
وقال سبحانه : (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) [ البقرة : 120 ].
وفي الصحيحن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة،بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا،ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم،فاختلفوا فيه فهدانا الله،فالناس لنا فيه تبع،اليهود غداً والنصارى بعد غد ".
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لتتبعن سنن من قبلكم،شبراً بشبر وذراعاً بذراع،حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه"قلنا:يا رسول الله اليهود والنصارى قال : " فمن " .
إن دول العالم أجمع لتمتنع من كثير من بروتوكولات الاتفاقيات الدولية إذا كانت تتعارض مع دساتيرها وقوانينها ، بل رأينا عدداً من دول العالم تمتنع عن التوقيع على اتفاقيات ظاهر للجميع ما فيها من الخير والنفع للبشرية جميعاً ، ولكنها امتنعت بل وانسحبت من تلك الاتفاقيات بعد أن وقعت عليها ، لأنها تخالف دساتيرها ، أو لأنها لا تتفق مع مصالحها التي تراها هي ، كما صنعت الولايات المتحدة مثلاً في شأن الحد من انتشار أنواع من الأسلحة وانسحابها وتحفظها ، وكذلك في امتناع أميركا عن التوقيع على أحد بروتوكولات محاكمة مجرمي الحرب ، لما رأت أنه سيطول عدداً من جنودها . والأمثلة كثيرة متعددة .
والمقصود أننا أهل الإسلام ، وخاصةً هذا الوطن الكريم ، المملكة العربية السعودية ، الذي يعرف العالم أجمع ما له من خصوصيات ومميزات ، يجب أن نعتز بثوابتنا ، وأن ننافح عنها ، ولا نرضى بالتنازل عنها في أي مجال ، وهذا ما دأبت عليه حكومتنا الموقرة ، لدى تحفظها على ما يخالف الشرع المطهر في عدد من الاتفاقيات الدولية .
وإني لأستغرب من أخي الأستاذ هاشم ـ والذي يعتبر أحد مثقفي البلاد ، ويفترض أن يكون أحد المحافظين على ثقافة الاعتزاز بالوطن وثوابته ـ أستغرب حين يبعث روح الانهزامية والضعة إذ يقول : (أي أن على هذه الدولة أو تلك أن تغلق جميع الأبواب على نفسها.. وأن تنعزل عن هذا العالم.. وأن تعيش لوحدها ) ـ يقصد الدولة التي لا تتواكب مع الإيقاع العالمي في إشراك المرأة في مختلف الأنشطة الرياضية ـ .
وأقول لأخي الأستاذ هاشم ولغيره من رواد الإعلام والثقافة : لقد بلغنا من العمر ما قد ذهب معه أكثره ، فالواجب أن نقدم ما تبرأ به الذمة وتعلو به الدرجات عند لقاء الله تعالى .
فينبغي أن نحذر من خذلان الأمة أو تخديرها بأنها بات محتماً عليها الانصهار في ثقافة العالم ، ولو كانت مخالفة لثوابتنا .
والواجب علينا أن نهيء الأجيال اللاحقة للتعامل مع العالم وشعوبه بروح الثقة والاعتزاز بثوابتنا وموروثاتنا ، مع الاستعداد للتعايش معهم ، ودراسة ما لديهم ، ومعرفة التصورات التي ينطلقون منها لدى تعاملهم معنا ، وأن نعرض الحق الذي ورثنى بلاغه وبيانه عمن قبلنا ، في وقت تتعطش شعوب العالم لمن يخلصها من مضائقها الروحية ويستخرجها من سقطاتها الأخلاقية.

فهذا جواب سؤال الأستاذ هاشم حين قال خاتماً مقاله ( أسأل مجرد سؤال ) وحينها سنعلم كيف تكون المرأة بعد أربع سنوات .
وأسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا وأمننا ، وأن يوفقنا لما فيه رضاه ، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


تحريراً في 7/4/1426هـ
khalidshaya@hotmail.com

 

خالد الشايع
  • الدفاع والنصرة
  • مقالات دعوية
  • شئون المرأة
  • أخلاقيات الطب
  • بر الوالدين
  • ردود وتعقيبات
  • بصائر رمضانية
  • الصفحة الرئيسية