اطبع هذه الصفحة


آلامٌ وآمال بين أيدي قادتنا في اجتماعهم الاستثنائي هذا ما تنتظره الأمة من قادتها

حرره : خالد بن عبدالرحمن الشايع

 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
يلتئم شمل قادةُ الأمة الإسلامية في الخامس من ذي القعدة هذا العام 1426هـ بمكة المكرمة في قمة استثنائية دعا إليها إمام المسلمين وخادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ، ملك المملكة العربية السعودية وفقه الله ، بعد أن أُثخنت الأمةُ بجراحاتها ، فحملَتهُ غيرتُه الدينية ومشاعرُ المسئولية على أن يدعو الأمة لمناقشة أوضاعنا ، والسعي للخروج من مضائقنا .

اليوم وهذا الجمع الكبير ـ وزراءَ وقادةً ـ يتقاطرون على المملكة في الرياض ثم مكة المكرمة ، فإن أنظار ما يزيد على مليار وثلاثمائة مليون من المسلمين محدقة نحوهم ، بعد أن تلوَّعُوا في مجتمعاتهم بأنواع الرزايا والمشكلات ، التي حلَّت بهم وبإخوانهم ، لعله أن تلوح لهم بارقة أمل .

بل إنهم ـ وإلى الله المشتكى ـ هم أعظم أهل الأرض كسافة في العيش وأعظمهم مكابدة للمضائق .
فهاهي الدماء النازفة قد أخضَلَت ربوع أوطاننا ، والأرواحُ المزهقة تملأ فضاءاتنا ، والمُهَج المعذبة تنتشر في أصقاعنا ، يُصنع ذلك بأيدي أعدائنا ، ويُصنع مثله وأمثاله على أيدي بعض أبنائنا وبني جلدتنا ، فيالعظم المفارقة : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) [الأنعام : 65] .

فما الذي سبب كل ذلك ؟.
وكيف الخروج من هذه الأوضاع المزرية ؟.

ذلكم هو ـ باختصار ـ ما تنتظره الأمة من قادتها ، وهو الذي ينبغي أن يكون هاجس كل قائد من قادة أمتنا .
فبتشخيص الداء ومسبباته ، والسعي للعلاج يكون الخلاص بإذن الله .
وبحسب ما أعلمه من دلالات نصوص كتاب الله تعالى وسُنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فإن جواب ما تقدم مجملٌ ومفصل .

أما المجمل :
فهو ما أوضحه سيد ولد آدم وخاتم رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم حين قال : " يا معشر المهاجرين ، خمسٌ إذا ابتليتم بهن ، وأعوذ بالله أن تدركوهن :
لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلنوا بها إلا فَشَا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مَضَتْ في أسلافهم الذين مَضَوا .
ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أُخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم .
ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا القَطْر من السماء ، ولولا البهائم لم يُمطروا .
ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم،فأخذوا بعض ما في أيديهم.
وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله ، إلا جعل الله بأسهم بينهم " .
رواه ابن ماجة وحسَّنه العلامة الألباني .

أما المفصَّل :
أولاً : الواجب على قادة الأمة ـ مجتمعين ومتفرقين ـ المبادرةُ بوضع خطة عمل تنتظم جميع أفراد الأمة ، بحيث يتم التركز فيها على معالجة أعظم ثلاث مصائب تنخر في جسد الأمة ؛ ألا وهي :
1ـ الجهل .
2ـ والفقر.
3ـ والمرض .

فهذه الثلاث ، وخاصةً الجهل ، لم تَعُد سيوفاً مُسْلَطَةً على رقاب أفرادٍ أو مجموعاتٍ فحسب ، بل باتت سمةً ملازمةً لشعوب عالمنا الإسلامي ، علاوة ما فاقم هذه الرزايا من تسلط قوى الشر والاحتلال والاعتداء في مجتمعات المسلمين بغزوها فكرياً وعسكرياً واقتصادياً ، حتى بات هذا الثالوث جاثماً بتهديده ـ بحسب الإحصاءات ـ على صدور ما يزيد عن ( 600 ) مليون طفل في العالم الإسلامي ، بخلاف غيرهم من البالغين .

ففي جانب ضعف التعليم وتنامي سطوة الأُمية وبرغم مرور ( 15 ) عاماً على "الإعلان العالمي حول التربية للجميع 1990" الذي ينص على ضرورة إتمام الأطفال لمرحلة التعليم الابتدائي (6 – 11 عاماً)، فإن التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2005 ، الصادر عن منظمة (اليونسكو) يؤكد على وجود (7.4) ملايين طفل عربي غير ملتحقين بالمدارس ، فيما يعاني أطفال المدارس من تدني مستوى التعليم، بجانب وجود (70) مليون عربي يعانون من الأمية.

وبحسب تقرير مشترك تحت عنوان : "الاستثمار في أطفال العالم الإسلامي" صادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي ، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) تبين أن دول منظمة المؤتمر الإسلامي تضم (11) من بين أعلى (16) دولة من حيث معدلات وفيات الأطفال في العالم.

ويموت في دول المنظمة (4.3) مليون طفل دون سن الخامسة سنوياً ، نتيجة أمراض يمكن الوقاية منها، وأكثر من (60) في المائة من هؤلاء يموتون بسبب سوء التغذية قبل أن يكملوا عامهم الأول.

وفي تقرير آخر أعده المكتب الإقليمي "لليونيسيف" (صندوق الأمم المتحدة للطفولة) بالتعاون مع الجامعة العربية تبين أن الأوضاع السياسية والاجتماعية المضطربة تسببت بإصابة (25) مليون طفل عربي في أكثر من نصف الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية (22 عضوًا) بأضرار على مستويات مختلفة، وكان النصيب الأكبر لأطفال فلسطين والعراق المحتلين .
كما رصد التقرير ارتفاع معدل ظاهرة التسرب من التعليم، مشيرًا إلى أن (7.4) ملايين طفل عربي ما زالوا محرومين من حق التعليم.

وحذر التقرير أيضًا من ظاهرة عمالة الأطفال، مشيراً إلى أن (13.4) مليون طفل عربي تتراوح أعمارهم بين (5- 14) عامًا يمارسون أعمالاً تشكل خطرًا على حياتهم.

ثانياً : ينبغي ألا يغيب عن الذهن أن الحالة الراهنة المحزنة في عالمنا الإسلامي كانت نتيجة رعونات وسفاهات من بعض الأنظمة الحاكمة في بعض بلدان عالمنا الإسلامي ، والتي أوجدت فُرقةً وانقسامات بين عدد من الدول الإسلامية ، بل وللأسف الشديد أوجدت عداوات وحروباً مدمرةً ، أنهكت الأمة واستَنْزَفَتْ قواها وثرواتها البشرية والمادية .
بل إنَّ ما فقدته الدولُ الإسلامية من أفرادها وثرواتها في الحروب فيما بينها خلال ربع قرنٍ مضى أعظم وأكثر مما فقدته في مواجهة أعدائها .
حتى باتت كثيرٌ من الدول الإسلامية منهكةً ومهشَّمة ، بل ومطمعاً لكل غازٍ وباغٍ ومحتلّ .
وبأبي هو وأمي ونفسي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ما أعظم نصحه ، وما أبلغ وصفه حين حذر أُمَّتَة من تواطئ الأمم الأخرى عليها ، ومن اتحادها للتسلط والبغي .
فقد روى أحمد وأبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك الأممُ أن تَدَاعَى عليكم ، كما تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها " ، فقال قائل : ومِنْ قِلَّةٍ نحن يومئذ؟! قال : " بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنَّكم غُثَاءٌ كَغُثَاء السَّيل ، ولَيَنْزِعَنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذِفَنَّ الله في قلوبكم الوَهن " .
فقال قائل : يا رسول الله ، وما الوهن ؟ قال : " حُبُّ الدُّنيا ، وكراهية الموت " .
والمعنى : يقرب قيام فرق الكفر وأمم الضلالة بدعوة بعضهم بعضا لمقاتلتكم ، وكسر شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال ، كما يدعو أكلة الطعام بعضُهم بعضاً إلى الأكلة أي التي يتناولون منها ، بلا مانع ولا منازع ، فيأكلونها عفواً وصفواً .

إذاً : من المسئول اليوم عن تفتيت وحدة عالمنا الإسلامي ، ولماذا نسمح بطروحات تريد اختراق وحدتنا؟.
وكيف تراخت دولنا بكامل مؤسساتها وبكل نسيجها الاجتماعي حتى سمحت بإثارة النعرات المتنوعة ، وبالتخلي وبالتهاون في ثوابتنا .

إنَّ الرابطة الأصلية في عالمنا الإسلامي هي رابطة الإسلام ، والذي استطاع في تاريخه الأثير أن يكوِّن أعظم لُحمةٍ وترابطٍ عرفه التاريخ، بل إنه احتوى كلِّ الأقليات الأخرى ، بما فرض لها من حقوق تكفل لها العيش الإنساني الكريم ، وفرض عليها واجبات تلتزم بها ، كي تنال من خير هذا المجتمع الإسلامي الكبير ، وإن لم تندمج في عقيدته ، فالأمر كما قال الله تعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة : 256] .

فالإسلام ظاهرٌ حاكم ، فمن أراد بحبوحته وهناءته من تلك الأقليات دخل في كنفه ، ومن أبى إلا الصغار ورفض الإسلام تُرك وشأنه، والتزم بواجبات تُكْفَلُ له بها حقوق العيش الكريم في المجتمع الإسلامي.

وعلى هذه المبادئ ـ مع ملاحظة خصوصية الجزيرة العربية ـ كان سلوك المسلمين رعاةً ورعية، مع بعضهم ، أو مع غيرهم ، مما وفَّر بيئةً سمحةً تعايشت فيها الأقليات مع المسلمين في كنف المجتمع المسلم في استقرار واطمئنان ، وقد نشأ عن هذا التسامح تعايشٌ سلميٌّ ساد كل العناصر في العالم الإسلامي .
فلماذا نتساهل بالنخر في مجتمعاتنا الإسلامية بتهييج الأقليات ، والخضوع لمخططاتها المدعومة من أعداء أمتنا ، والمثارة من قبل من لا خلاق لهم .

ثالثاً : إنه لا هوية لأمة تعتمد على غيرها في توفير مقومات بقائها وعزها ، فما هو موقع دولنا الإسلامية من هذا المبدأ الجليل .
أليست مقومات الاقتصاد المتنوعة مستوردة من دول تنابذ ثقافتنا الإسلامية وتسعى لكبتها ؟.
أليس في عالمنا الإسلامي كل مقومات الاستقلال الذاتي ، البشرية والمادية ؟.

فأين مشاريع أمتنا المشتركة ؟.
لماذا لا تتكامل بلداننا الإسلامية في إنتاج أراضيها المتنوع ، والذي باتت العوالم الأخرى مستفيدةً منه أكثر من استفادة الشعوب الإسلامية .
ولماذا نلاحظ إجهاض كثيرٍ من المشاريع الرائدة الساعية لفك ربقة التبعية للأمم الأخرى ، حتى باتت البطالة سمةً ملازمةً للمجتمعات الإسلامية ، وصار الشباب يعيشون على هامش الحياة ، بل أمسوا معاول هدمٍ في مجتمعاتنا ، يقتاتون على أنواع الانحراف ، أو التعلق بالثقافات المعادية ، أو يُشغلوا بتوافه الأمور ، أو يتركوا كلأً مستباحاً لأصحاب المناهج المنحرفة ، إلا من رحم الله منهم ، بدلاً من أن يكونوا جسر سعادة الأمة ورقيِّها وسُؤدَدِها ، مع أنَّ مجالات إشغالهم وتوجيههم لمعالي الأمور متوافرةٌ لو وُجدت الهمم الصادقة .
ولماذا صارت العقول الموهوبة تهجر العالم الإسلامي بلا رجعة ، تاركةً نفعَه والرقيَّ به ، لتحط في دول الغرب الذي يستقبلها استقبال الأبطال ، فيغريها ويحتويها ويوفر لها ألوان العيش الرغيد ، ليجعلها رصيداً ثرَّاً في بقائه وقوته .
أليست بلاد المسلمين هي الأَولى بنتاج تلك العقول الموهوبة ؟ فلماذا تجبر على الهجرة ؟ ولماذا لا تؤسس لهم برامج خاصة في رعايتهم وعنايتهم وتمكينهم من توجهاتهم البحثية .

رابعاً : لماذا تُركت المرأة المسلمة في أوطاننا نَهْباً لمن لا خلاق لهم ، ممن سعوا لإجبارها على خوض تجربة المرأة الغربية بكل آلامها وكوارثها التي تنوء بها كواهل المجتمعات الغربية .
أليس في تراثنا وتاريخنا الإسلامي من الصفحات الوضيئة لتميز المرأة ما يجعله مصدر استلهام للمجتمعات الإسلامية في التعامل مع المرأة وتكريمها .

فلماذا الإصرار على الارتكاس والانهزام ؟.
ولماذا يصر الإعلام في عالمنا الإسلامي على تشويه رسالة المرأة ويجرها إلى الوأد والاستعباد الذي حررتها منه شريعة الإسلام ؟.

خامساً : إن الشعوب الإسلامية اليوم لتتلهف لإصلاح التعليم والإعلام ، الذي عانت من انحرافاته منذ انجلاء حقبة الاستعمار ، فلم تزل معانية من بعده في عقيدتها وهويتها .
ففي التعليم : من حق الشعوب الإسلامية أن تتلقى أجيالُها الناشئة تعليماً يفي بحاجات الروح والجسد ، وخاصة التعليم الديني المستمد من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي يوضح روح الشريعة السمحة ووسطيتها ، فدين الإسلام ما كان ولن يكون سبباً لضررٍ ولا لبغيٍ ولا لظلم ، ولا لما شابه هذه المفردات ، ولكن عندما يغيب العقل الرشيد والفهم السديد ويُحال بين الناس وبين تعلُّم دينهم تنشأ الأفكار المنحرفة ، وتتوالى ردود الأفعال غير المنضبطة .
فكان حتماً ألا تخلو مرحلة ولا سنة من سني التعليم من مقررات دينية يدرس فيها الطلاب والطالبات من كتاب ربهم وسنة نبيهم ما يعرفون به دين الإسلام الحق عن علم وبينة .
وإن في تجربة المملكة العربية السعودية في هذا المجال لخير أسوة ، لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد .

وهكذا الشأن في الإعلام بكل وسائله : مقروءاً أو مرئياً أو مسموعاً ، فإن الإعلام الذي يضج به فضاء عالمنا الإسلامي وأثيره ، وتسوَّد به الصحف ، إنه لا يعبر عن أمةٍ شأنها الريادة والقيادة ، وإنما هو شأن الغفلة والعبث واللامسئولية .
إن شعوبنا الإسلامية ومن ورائها الشعوب الأخرى تنتظر الكلمة الطاهرة الصادقة في كل قوالبها ، لتترقى بهم في معارج العبودية لله ، والعمارة الحقيقية لهذا الكون .
فالعالم اليوم ، كل العالم يئن من سطوة الإعلام العابثة ، العابثة بأخلاق الإنسان ، المسفِّهة لمشاعره ، المدنِّسة لكرامته ، فإذا لم يتصدَّ إعلامُ المسلمين لهذه المسئولية ؛ فمن ذا يكون ؟.

سادساً : إلى متى يحال بين الشعوب الإسلامية وبين دين الله الحق ، تلك الشعوب التي تتعطش متلهفة لأحكام الشرع المطهر .
لقد سئمت الشعوب الإسلامية استجرار الأنظمة المستوردة المخالفة لشريعة الرحمن ، فلماذا الإصرار على مخالفة إرادتها ؟.
وقبل ذلك لماذا الاستنكاف عن التعبد لله بهذا الواجب العظيم ؟.
لقد وصل العالم اليوم إلى طريق مسدود بعد أن شاهدت الشعوب إفلاس النظم والتوجهات المتنوعة ، والتي تتشدق بالشعارات البراقة ، فاكتشفت حقيقتها من خلال اقترافها أبشع الجرائم في حق الإنسانية ، ولأجل هذا فالعالم اليوم بحاجة ماسة ، بل لضرورة شديدة إلى النبع الصافي والمنهل العذب ـ القرآن والسنة ـ لإعادة الإنسانية إلى مسارها الصحيح ، وهذه مسئولية الدول الإسلامية وقادتها .
هاهي الشعوب الإسلامية تفرض إرادتها في جوانب عديدة من التعاملات المالية ، حيث رفضت المعاملات المحرمة من ربا وقمار وغيرهما ، حتى اضطرت البنوك لتأسيس المعاملات المصرفية الإسلامية ، فشهدت من أنواع النجاحات ما جعل معظم البنوك متوجهة لهذا النظام الإسلامي .
أليس في هذه التجربة ما يبين كم من الخير ينتظر الحكومات والشعوب الإسلامية إن هي عادت لتحكيم القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وقد قال الله تعالى ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [المائدة : 50] .
سابعاً : يقول الله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) [الزمر : 30 ، 31] فهذه هي نهاية كل مخلوق ، والمتعين على كل المكلفين أن يستجيبوا لما فرض الله عليهم ، وإن قادة الدول عليهم من المسئولية ولهم من الشأن ما ليس لغيرهم ، بما جعل الله لهم من السلطان ، ولذا قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مخاطباً ملك الروم : "فإني أدعوك بِدِعَايةِ الإسلام ، أَسلِمْ ؛ تَسْلَمْ ، يُؤتِكَ اللهُ أجرَكَ مَرَّتَين ، فإن توليتَ فإنَّ عليك إثم الأريسيين " رواه البخاري ومسلم.

وهكذا كل قادة الأمة إن صلحوا وأصلحوا كانت لهم الأجور المضاعفة ، كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ً " ، وإن انحرفوا
وأضلوا الناس باؤوا بآثامهم ( لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ) [النحل : 25].

وليتأملوا في أسلافهم ، عاشوا أعمارهم ، ثم خلَّفوا الدنيا من ورائهم ، وبقيت الأعمال ، فالثناء والتمجيد لأصحاب المآثر والمكرُمات ، والذم والسخط لأصحاب النقائص والمذمَّات .
وإني لآمل لأمتنا منقلباً حميداً وفق هذه المنظومات الشرعية والعلمية والثقافية والاقتصادية ، مع الاستثمار والتخطيط في كل سانحة حتى ننهض من وهدتنا الحالية ، وما ذلك على الله بعزيز . وهو المسئول سبحانه أن يصلح قادة المسلمين ، وأن يوفقهم لما فيه عزُّ الإسلام والمسلمين ، وأن يجعلهم رحمةً على رعاياهم ، وأن يعينهم على مهامهم ومسئولياتهم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


حرر أمام الكعبة المشرفة في 29 شوال 1426هـ
khalidshaya@hotmail.com


 
نشر المقال في جريدة الحياة مختصراً في عددها
الصادر الاثنين3/11/1426هـ رقم 15587
وهو هنا بكامله

 

خالد الشايع
  • الدفاع والنصرة
  • مقالات دعوية
  • شئون المرأة
  • أخلاقيات الطب
  • بر الوالدين
  • ردود وتعقيبات
  • بصائر رمضانية
  • الصفحة الرئيسية