اطبع هذه الصفحة


نهـايـات الإفــلاس لدى القذافي

خالد بن عبدالرحمن الشايع

 
الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده ، أما بعد :
فقد تناقلت بعض وسائل الإعلام في اليومين الماضيين فضيحة معمر القذافي رئيس ليبيا ، وأجهزته العاملة تحت يده ، وما كان من مساعيه الدنيئة ، التي خطط من خلالها للاعتداء على سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ، قبل نحو ثمانية أشهر ، نشرت ذلك مجلة نيويورك تايمز في عددها الصادر يوم الخميس 22/ 4 / 1425هـ 10/6/2004م .

والواقع أن هذا التوجه ينبئ عن مدى وَضَاعة نفس القذافي ، ودناءة فكره وانحراف منهجه ، كما أن هذا المخطط يوضح العقلية التي يعيش بها هذا الإنسان الجاثم على صدر شعب ليبيا الشقيق منذ خمسةٍ وثلاثين عاماً ، خاصة إذا وقفنا على رصيده المظلم وسوابقه المخجلة ، فلو أردنا أن نَزِنَ هذا الرصيد على المستوى الديني أو على المستوى الدولي ، فهو رصيد أخلاقي مخجلٌ ، وسوابقه الدينية فظيعة ، لا تليق بآحاد الناس ، فضلاً عن أن تكون لزعيم دولة إسلامية .

*** أما رصيده : فحسبي أن أذكر لمحاتٍ منه لندرك حدود تفكيره ومنتهى تخطيطه:
أولاً : أنه صاحب اندفاعات وانفعالات وأقوال تدل على التخبط والطيش ، الذي صار محلاً لتندر الناس وفكاهتهم ، من خلال ما تنقله وسائل الإعلام لدى زياراته وتنقلاته وتصريحاته ، ولدى حضوره لمؤتمرات القمة العربية ، وكان من أبرز سقطاته التي ضاق بها المسلمون :
1ـ سعيه لمجانبة السنة النبوية وتقديمه لـ ( كتابه الأخضر ) والذي طرح فيه ما أطلق عليه : ( النظرية العالمية الثالثة ) زاعماً أنه من خلاله سيقدم للعالم الحلول للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
2ـ وهو الذي دعا بأفكاره (الخارقة) لحذف كلمات من القرآن ، حين نادى بحذف قول الله تعالى  قُلْ  من فواتح سور الإخلاص والفلق والناس (!!) .
3ـ وهو الذي نقلت عنه وسائل الإعلام أنه صلى العصر ركعتين حضراً .
وهذه الفظائع تناقلتها الصحف ووكالات الأنباء ، وانتشرت بين الناس منسوبةً للقذافي ، فلم ينفها عن نفسه ، ولم يُكذب ما نُقِل عنه .
وحينئذ لم تجد رئاسة المجلس الأعلى العالمي للمساجد برئاسة سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان ـ حفظه الله ـ بُداً من مناقشة المذكور فيما نُسب إليه ، قياماً بواجب النصيحة ، وحسماً للجدل العريض ، فقام وفدٌ من كبار علماء المسلمين في العالم بزيارة لليبيا برئاسة سماحة الشيخ صالح اللحيدان ، وتم اللقاء بالقذافي ، ومناقشته في إنكاره السنة ، وفي دعوته حذف الآية من السور الثلاث ، وفي صلاته العصر ركعتين ، فأظهر اقتناعه بأكثر ما قاله الوفد ، وعلى إثر ذلك طالبه الوفد بأن يتبرأ مما نُسب إليه ، وأن يعلن ذلك في وسائل الإعلام .
( ينظر : مجلة البحوث الإسلامية العدد الأول ص 262ـ 263 ).

ثانياً : وهو صاحب دعوى النبوة حينما خاطبته الكاتبة الإيطالية ( ميريلا بيانكو ) بقولها: يا رسول الله أكنتَ راعي غنم ؟ فأجابها : بلى ، فلم يكن هناك نبيٌّ لم يفعل ذلك .
وهذا الجواب منه إقرارٌ ضمنيٌّ بدعوى النبوة ، وهذا جاء في كتاب ( القذافي رسول الصحراء ـ ص 241 ) للكاتبة المذكورة (!!) .
وقد استنكر المجلس الأعلى العالمي للمساجد هذه السقطة من القذافي ، والتي فيها تكذيب لقول الله تعالى :  مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً  (سورة الأحزاب ،الآية:40) .

ثالثاً : ومن رصيده أيضاً مغامراته السابقة في دعم أنشطة التخريب والتفجير والاغتيالات ، والتي جَرَّ بسببها ويلاتٍ كثيرة على أهل ليبيا ، وكان من أشهرها حادثة لوكربي ، والتي سعت المملكة ، وبجهود ووجاهات شخصيةٍ من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده ، حيث قاما بكل الجهود المضنية في سبيل حلها ، ورعاية مصالح أشقائنا في ليبيا ، فكان للمملكة ولقيادتها ولمساعيها بفضل الله أعظم الأثر في رفع المعاناة عن شعب ليبيا ، وهذا النجاح هو جزء من رصيد الاحترام والتقدير للمملكة العربية السعودية ، التي عرفت منذ تأسيسها بمساعي الخير والبِرِّ والإحسان ، وإعانة البؤساء ومساعدة المحرومين والإعانة على كل ما فيه خير البشرية .

رابعاً : أنَّ القذافي نَكَصَ على عقبيه ، وأبَتْ نفسُه إلا أن تظهر طبعها من اللؤم والدناءَة ، فصرح في العام الماضي لإحدى محطات التلفزة الأمريكية ( A.B.C. ) وسعى للربط بين ( الإرهاب والمملكة وما دعاه المذهب الوهابي ) ، فكان هذا منه هو منهج الشكر ، أن يتنكَّر لبلاد الحرمين ولقيادتها ! بعد خروجه من تلك الأزمة ، التي ورَّط فيها شعبه جرَّاء حماقاته .
ولما تمادى القذافي في تلك الحماقات لم يجد سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبدالعزيز حفظه الله ، من بُدٍّ في تعريف القذافي بقدره وحجمه أمام شعوب الأرض جميعاً ، فكان ذلك من خلال ما وجهه من الكلمات الحاسمة التي أَلْجَمه بها في القمة العربية بمصر قبيل غزو العراق ، حينما أراد القذافي أن يعبث ويستهتر على عادته ، في موضع لا ينبغي فيه إلا الجد ، ولا تصلح فيه إلا مواقف النبلاء ، فأسكَتَهُ سموُّ ولي العهد ، وأوضح له قيمته ومكانه .
وفي ضوء ما تقدم : يدرك أبناء الأمة الإسلامية كم جرَّ القذافي من المساوئ والمشكلات ، ليس على شعب ليبيا الشقيق فحسب ، بل على الأمة جمعاء ، وهاهو اليوم يحاول أن يناور ببقايا الإشتراكية التي طالما تغنَّى بها ؟!.
وفي ضوء ما تقدم أيضاً : لا نستغرب أن تصدر تلك المحاولة الدنيئة من القذافي ، والتي أراد من خلالها أن ينهش اليد التي أحسنت لبلاده ، وتجاوزت عن سقطاته وهرطقاته .
وإلا فما الذي يحمله على أن يتوجَّه للتخطيط لعملية دنيئة غاية الدناءة ، وبشعةٍ كل البشاعة؟.
ما الذي سيجنيه القذافي من قتل رَجُلٍ قدَّم ولا يزال يقدِّم لأمته الشيء الكثير والكثير ، وهي اليوم في أمس الحاجة له ولأمثاله من القادة النبلاء ؟.
وما الذي سيجنيه القذافي من قتل رجلٍ نافح ولا يزال ينافح عن قضايا أمته ، في وقتٍ يتكالب عليها الأعداء من كل مكان ؟.
وما الذي سيجنيه القذافي من قتل رجلٍ يقف طوداً شامخاً أمام مخططات دنيئة سافلة تبغي إقصاء الأمة عن دينه ومصدر عزتها ؟.
لن يجني القذافي من وراء هذا المسعى الدنيء إلا رضا من يفرحون بغياب هذا الرجل عن ساحة الأحداث ، أطال الله عمر أميرنا عبد الله وحفظه على كل خيرٍ وبِرٍّ وتقوى .
وهذا العمل الدنيء ولو حاول القذافي أن يبرئ نفسه منه ، إلا أنه حلقة من حلقات الدناءة واللؤم التي تطوق عنق العقيد القذافي ، والتي يخدم بها المتربصين بأمتنا .
وبكل حال : فإن شخصاً ( كالقذافي ) هذا رصيده ، والذي كان في أيامٍ خلت مغذياً لحركات الإرهاب وداعماً لأنشطتها ؛ تدرك كل وسائل الإعلام ( الموثوقة ) ويدرك الناس في أقطار الأرض ، أنه لا يستغرب منه مثل هذه التوجهات الرعناء . وقد كان خليقاً به أن يكفِّر عن سوابقه ويقابل الإحسان بالإحسان ، لا أن يريق ماء وجهه ، في سبيل كسب ودِّ جهات معروفة بتحيزها لليهود ، أو لغير ذلك من أمراضه النفسية .

والله المسئول أن يصلح قادة المسلمين وأن يجعلهم رحمةً على رعاياهم ، وأن ينفع بهم الإسلام والمسلمين ، ونسأله سبحانه أن يحفظ ولاة أمرنا في المملكة العربية السعودية وأن يزيد من عزهم وتوفيقهم ، وأن يؤلِّف بين المسلمين ويجمعهم على الحق ، وأن يكبت أعداءهم ، إنه سبحانه هو القوي العزيز ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
 

تحريراً في 26/4/1425هـ
في رياض الإسلام والسلام
حرسها الله وأهلها
Khalidshaya@hotmail.com
 

نشر في جريدة الجزيرة السعودية وبعض المنتديات الدولية
 

خالد الشايع
  • الدفاع والنصرة
  • مقالات دعوية
  • شئون المرأة
  • أخلاقيات الطب
  • بر الوالدين
  • ردود وتعقيبات
  • بصائر رمضانية
  • الصفحة الرئيسية