اطبع هذه الصفحة


تعقيب وإنكار على أبو السمح في وصفه بعض الأحكام الشرعية بأنها مقززة

خالد بن عبدالرحمن الشايع

 
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه والتابعين ، أما بعد :
فقد اطلعت على ما كتبه الأخ عبدالله أبو السمح تحت عنوان ( التزام حضاري ) في جريدة عكاظ الصادرة يوم ( السبت - 1/2/1426هـ ) الموافق 12 / مارس/ 2005 - العدد ( 1364 ) .

وقد تضمن المقال في مقدمته التأكيد على أن حرية الرأي لها شروط والتزامات لا يجوز الخروج عنها . ثم أعرب الكاتب عن رأيه بأن ( البرامج الدينية بأشكالها المتعددة تكاد تستحوذ على جزء كبير من الوقت, لكن الإشراف عليها قد لا يكون دقيقاً في بعض الأحيان, فتخرج منها أقوال متعارضة وغريبة, ولا تتفق مع المواقع ولا مع روح الالتزام الأخلاقي السمح للشريعة الغراء وفقه الواقع ) .

ثم ضرب الكاتب لهذا مثالاً فقال : (منذ أيام سمعتُ في الإذاعة محاضرة عن الرقّ, كان المحاضر يشرح من كتاب عن بعض أحكامه مثل (بيع أم الولد), أي الجارية التي ولدت من سيدها.. إلخ ).
ووصف الكاتب هذا الشرح بأنه : ( أمر غريب عن الواقع ومقزز للنفس والمشاعر في ذكر التفاصيل ) .
وختم الكاتب مقاله بقوله : (أرجو من المشرفين على الإعلام.. وعلى رأسهم الوزير الحصيف إياد بن أمين مدني إجراء مراجعة عاجلة لمثل هذه الحالات والالتزام بمواقف المملكة الحضارية, وكذلك منع إذاعة برامج الفتوى إلا بعد تسجيلها, فبعضهم يتجاوز الحدود بفتواه المذاعة. الإعلام للجميع ويُراعي الذوق العام. ولذلك لابد من إعادته لتلك الدائرة, أما الرأي الخاص فله مكان آخر) .

ولدى التأمل في الكلام المتقدم فإن المرء يتملكه العجب والأسى ، كيف يصدر هذا الكلام عن شخص مثقف ، وفي جريدة تصدر بجوار أقدس البقاع ، ذلك أن ما جاء في المقال المشار إليه إنما هو في حقيقة الأمر طعنٌ في نصوص الكتاب والسنة ، لأن الكلام عن الرق وبيان أحكامه جزء من الشريعة الإسلامية ، لم ينسخ ولم يبدل .

فهذا الذي وصفه أبو السمح بأنه ( مقزز للنفس والمشاعر ) هو دين الله : القرآن والسنة ، ففي القرآن تكلم الله عن الرق وملك اليمين ، وما يتعلق بهما من مسائل وأحكام في آيات كريمة كثيرة ، كقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ ) [سورة الأحزاب : 50] وقوله سبحانه : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) [سورة النساء : 3] . وقوله جل وعلا : ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ) [سورة النساء : 36] ، وقوله تعالى : ( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) الآية [سورة المائدة : 89] وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ) الآية [سورة النور : 58] ، وقوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) [سورة المجادلة : 3] وغيرها من الآيات المحكمات .

وأما ما أورده الكاتب حول ( أم الولد ) ووصفه بقوله : ( أقوال متعارضة وغريبة, ولا تتفق مع الواقع ولا مع روح الالتزام الأخلاقي السمح للشريعة الغراء وفقه الواقع ) .
فأقول : هذه الأقوال التي وصفها بتلك الأوصاف المنفرة إنما هي سنةٌ محكمةٌ من سنن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ليست بمتعارضة ولا غريبة ، وفيها من الالتزام الأخلاقي والسماحة الفذة ما تقصر عن الإحاطة به عقول العالمين .
فقد قال عمرو بن العاص رضي الله عنه راداً على من شكك في هذه السنة : لا تفسدوا علينا سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، عدة أم الولد أربعة أشهر وعشراً . رواه الأئمة : أحمد وأبو داود وابن ماجة واللفظ له والبيهقي وأبو يعلى وابن الجارود ، وصححه الأئمة ابن حبان والحاكم والألباني .

وأما ما توهمه الكاتب أبو السمح حول تدريس الآيات والأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع وما شابهه حتى قال : ( فكيف بالله يجوز السماح بالتحدث في هكذا أمور لم يعد لها الآن وجود, ولا فائدة منها, هل يعني هذا دعوة للاسترقاق? ) .
أقول : هذا من جهل الكاتب الذريع ـ هداني الله وإياه ـ ولو أنه درس على العلماء هذه المسائل ، أو استمع لذلك الدرس استماع المستفيد لعلم فوائدها ، ولأدرك هل ذلك دعوة للرق ، أم أنه تشوفٌ للعتق ، وحمايةٌ لحقوق من ابتلي بالرق ، وسدٌّ لباب الاسترقاق بغير حق ، والذي يحدث اليوم على أيدي مافيا متخصصة ، وبدعم من المتحضرين في أوروبا وأمريكا ، ومن الأمثلة على ذلك أنه في عام ( 1997 ) أحصت اللجنة العدلية التابعة لمجلس الاتحاد الأوروبي عدد النساء المسترقَّات من أجل ممارسة البغاء فبلغ أكثر من نصف مليون امرأة ، وأن هذا العدد في ازدياد !! جريدة الرياض ، العدد ( 10604 ) .
وكنتيجة لازدياد هذه الظاهرة وتناميها في العالم ، ففي عام ( 2004 ) تناقلت وسائل الإعلام ما أحصته مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بهذه الأمور ، وتبين أن ما لا يقل عن مليون قاصر يتم نقلهم سنوياً بين حدود الدول لأجل المتاجرة بهم في أعمال العهر !!. وما الأحداث المخزية التي أعقبت كارثة تسونامي عنا ببعيد ، حين عمد أفراد ومنظمات غربية لشراء اليتامى وتهريبهم من تلك الأقاليم .

إن درس أحكام ( أم الولد ) الذي ( تقزز ) منه الكاتب هو الضمانة الأخلاقية والحضارية التي يمكن من خلالها أن يمنع الإنسان عن ظلمه وجهله ، حيث انتقلت الشريعة بهذه الفئة من النساء من مواضع بخسة عانين منها إلى حيث ينبغى أن يلاحظ فيهن تكريم الأمومة الذي يلحقه بالحرية من أشرف أبوابها .
وحيث إن الكاتب اتجه لمعالي وزير الثقافة والإعلام ليستعديه ضد البرامج الدينية ، فالظن بمسئولٍ يتسنم هذا المنصب ، فسيكون أرفع من استعداء فلان أو إملاءات آخر ، كيف لا وهو وزير في دولةٍ نص المادة الأولى لنظام الحكم فيها هو : ( المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ) وفي المادة 23 ( تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله ) . إن الظن بمعالي الوزير أن يكون للبرامج الدينية في وزارته مزيد اهتمام ورعاية وعنايةٍ ، كما ظن به وأمَّل ولاة الأمر بتعيينه ، خاصةً وأننا في منعطف تاريخي يريد من خلاله المبطلون الإساءة لوطننا ما بين تطرف وغلو ، وما بين جفاء ومجون ، ولن يدفع عنا هذين الطرفين إلا العلم الصحيح المستمد من نصوص الوحيين ، وفق ما بينه الراسخون من أهل العلم ، مع حماية الشرع من تطفل المتعالمين أو المجتهدين بغير بصيرة ولا هدى .

ويا ليت الأخ الكاتب طالب بالحد من الإسفاف والمجون الذي تنضح به كثيرٌ من المحطات الفضائية في عالمنا الإسلامي ، حيث مادتها المرأة استرقاقاً ووأداً ، والذي يجمع العقلاء على رفضه ، فذلك خيرٌ من اعتراضه على ما لا علم له به . وياليت الأخ عبد الله أدرك دلائل كلامه حول حرية الرأي ، وأن لها شروطاً والتزامات لا يجوز الخروج عنها ، فحرية الرأي التي أتاحتها له الجريدة لا تخوله الهجوم على المسائل الشرعية وهو غير متخصص فيها .

وختاماً : فإني أدعو الأخ عبدالله أبو السمح أن يراجع مقالته وفق ما بينته من نصوص الكتاب والسنة ، وأن يرجع عن تلك الأوصاف التي أطلقها نحو جانب من علم الشريعة الغراء ، وإن لم يقنع فليراجع من يثق في علمه ليستبين له الأمر .
وحتى لا تكون أوصاف الأخ عبدالله أبو السمح لتلك المسائل الشرعية بأنها ( أمر غريب عن الواقع ومقزز للنفس والمشاعر ) محلاً لمزايدة من قد يغار ويتعجل فيصفه بوصفٍ ما ، فإني أضع هذا الموضوع بين يدي علمائنا ، أعني هيئة كبار العلماء ، لتكون لهم كلمتهم حماية للشرع من أن ينتهك ، وحماية للأحكام الشرعية أن يجازف بها .
وفقني الله والأخ عبدالله أبو السمح وعموم الكتاب لخدمة ديننا ووطننا ، وأعاننا على فعل الخيرات واجتناب المنكرات ، ورزقنا جميعاً الفقه في دينه والعمل به ، إنه سبحانه جدوادٌ كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


حرر في 2/2/1426هـ .
khalidshaya@hotmail.com

 

خالد الشايع
  • الدفاع والنصرة
  • مقالات دعوية
  • شئون المرأة
  • أخلاقيات الطب
  • بر الوالدين
  • ردود وتعقيبات
  • بصائر رمضانية
  • الصفحة الرئيسية