اطبع هذه الصفحة


النداء العظيم

الشيخ فيصل الشدي

 
الحمد لله حق هو حمده ، وحق هو شكره ، وحق هو ثناؤه ، والصلاة والسلام على خير الورى محمد بن عبدالله وعلى آله و أصحابة أولى المكرمات والنهى ومن اقتفى أثرهم محبين الاقتفاء وبعد :-

تأبى الأيام التي نعيشها ن إلا وان نقف مع نداء عظيم ، أو خطاب كريم ، أنطلق في غابر الزمن ، فأثار القلب والشجن ، وإن أمر الله للخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن جبل أبي قيس أعظم جبال مكة يصعد إبراهيم بعدما أكتمل البناء ، لينادي إلى رحمان الأرض والسماء " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجلاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " فيسمع الله هذه الدعوة الربانية نطفاً في الأرحام ، ويسمعها من يشاء سبحانه من الأحياء والكائنات و الذرات ، عندها تبدأ الرحلة العظيمة من أين ؟ من أقطار الدنيا كلها تأتي الملايين تلو الملايين على مدار التاريخ لتجيب هذا النداء وتلبي ذاك الدعاء ، يفدون إلى بيت الله الحرام زرافات ووحداناً من أعماق القارات ، ومن شطأن المحيطات ، يقطعون الفيافي والقفار ، و يجتازون عباب البحار ، ويطيرون في جو السماء آمين هذا البيت .

لله در ركائب سارت بهم ... تطوي القفار الشاسعات على الدجى
رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا ... قلب المتيم منهـم ما قد شجـا
نزلوا ببــاب لا يخيـب نزيله ... وقلوبهم بين المخافـة و الرجا

فلله هاتيك الجموع وهي تؤم بيت الله الحرام ، فما إن تقارب أرضه إلا وقد ضجت حنا جرها ، وتعالت أصواتها " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ".

فما إن تطأ أقدامها رحاب البيت العتيق ، وتكتمل عيونها برؤية الكعبة المعظمة ، إلا والعين قد سحت الدمع غزاراً ، وحق لها أن تسح ، فهي تطأ الأرض التي طالما سكبت عليها العبرات ، و استجيبت منها الدعوات ، وفرجت منها كربات وقد تحادرت دموعه صلى الله عليه وسلم على خدية ولحيته أمام بكرة الكعبة ،فيسأله عمر لمه يا رسول الله ؟ فيجيب " هنا تسكب العبرات يا عمر " .

ثم تتواصل بعدها أحداث تلك الرحلة العباديه بين هاتيك العرصات الطاهرة " منى وعرفات ومزدلفة و الجمرات " والنفوس فيما بينها خاشعة ولربها خاضعة ، الأيادي قد رفعت تناجيه ، والعيون قد فاضت ماءها تبكيه ، والقلوب تناديه ، والملك الحق يسمع أنينها ، ويعلم حديثها ، فلله كم نفس طافت وداع البيت خاتمة حجها بأن غسلت ذنوبها ، وحرمت على النار أعضاءها ، وزفت إلى جنات النعيم فذاك وربي فرحها وسرورها .

بعد هذا كله محروم ..... محروم ...... محروم من تيسر له الذهاب إلى تلك البقاع ، فأثر غيرها عليها ، ورضي بالقعود ولم يحن إليها .
لاسيما إن لم يؤد فريضة الحج بعد ، روى أحمد و أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول " تعجلوا الحج – الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " وفقنا الله وإياكم إلى ما يرضيه .

 

فيصل الشدي
  • مقالات ورسائل
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية