اطبع هذه الصفحة


البلاد الحبيبة

الشيخ فيصل الشدي

 
الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
قارئي الكريم : حديثي إليك هنا عن بلاد حبيبة إلى الله ، حبيبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حبيبة إلى الصحابة بل إلى المؤمنين كلهم في أصقاع الدنيا ، ذاك أنها مهد الإسلام ، وموئل الصالحين من عبادة الكرام .
انطلقت منها جحافل النور لتنير للعالم كله حالكات الظلام ، إذا ضاقت على المؤمن الأرض اتجه لتلك البلاد اتجاه الشاكي الباكي ليخرج منها وإذا بهمه بل همومه قد تفرجت ، وغمه بل غمومه قد تنفست ، لكم أشتاق إليها المشتاقون ، وبكى بين جنباتها الباكون ، لكم صدح فيها بأي القرآن ، وجار على أرضها بالدعاء بل الدعوات للواحد الديان .
نعم إنها الحبيبة إلى الله ..... روى الإمام أحمد وأخرجه الحاكم بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أحب البلاد إلى الله مساجدها ، وابغض البلاد إلى الله أسواقها " .

قارئ الكريم : دعني أستأذنك في نقلة تاريخية إلى سلفنا الصالح ، كيف كانوا مع المسجد ؟! وكيف كان المسجد معهم ؟!
المسجد في عهد سلفنا الصالح وصدر هذه الأمة الوضاء كان منطلقاً للجيوش والمجاهدين في سبيل الله ، لأن انطلاقها من المسجد له قوة لا تدانيها قوة .
المسجد في عهد سلفنا الصالح كان منارة هدى وعهد تعليم ومدرسة تربية ، لكم تعلم فيه الجاهل ، واتعظ فيه الغافل ، واسترشد فيه الضال .
المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مكاناً لإطعام الجائع ومواساة الفقير ، فبالله أهل الصفة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كانوا ؟! كانوا في المسجد .
المسجد في عهد سلفنا الصالح كان يضج بالبكاء ، وتتعالى فيه أصوات التكبير والتسبيح والثناء ، والألسنة الصادقة بالدعاء .
فما إن يدخله الداخل حتى يزداد إيمانه ، ويشتد في الحق بنيانه .
المسجد في عهد سلفنا الصالح كان مدرسة الأجيال وملتقى الأبطال ، خرج من بين جنباتها المفسر للقرآن ، والمحدث والفقيه والخطيب والمجاهد والمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرجت رحاب المساجد آنذاك قادة الدنيا الذين غيروا وجه التاريخ وأصبحت سيرتهم غرة في جبين الزمن .
أخي يا رعاك الله لك أن تسأل : وما هي تلك المساجد العظيمة التي أخرجت هؤلاء العظماء ؟ عجباً وربي : إنها مساجد بنيت من الجريد وسعف النخيل ، وإنها مساجد لم تكن مكيفة ولا منمقة ولا مزخرفة ، لكن أخرجت أولئك العظماء لأن العبرة بأهل الدار ، وليس بالدار .
فهل من نظرة بعين العبرة لحال مساجدنا ومساجدهم !!
ما عرف التاريخ مساجد فيها من وسائل الراحة ما فيها كمساجد الناس اليوم ، ولكم أين الخريجون منها ؟!

حقيقة بنا يا أخي ..... ويا أختي .... أن نعيد للمسجد دورة ، أن نعيد له رسالته ، أن نعيد له مهمته وكيانه ، والله ما ضعفت الأمة وما ذلك وما استكانت إلا يوم أن ضعفت مساجدها ، مساجد اليوم لا يمكن فيها الناس أكثر من ساعة ونحوها ، وثلاثة وعشرون ساعة قد عطل فيه المسجد ودورة ، ونسيت وظيفة .

أين لوحة المسجد الفاعلة ؟! أين حديث العصر المؤثر والمفيد ؟! أين الدروس العلمية ؟! وأين المحاضرات التربوية ؟!أين المسابقة النافعة ، والمنافسات الهادفة ؟! أين حلقة القرآن الكريم للصغار والكبار وللرجال والنساء ؟! أين لقاء الحي الأسبوعي ؟! أين لجنة تفقد الغائبين والمتخلفين عن الصلاة ؟! أين ... أين .... وأين ؟!
مناشط وبرامج قد أقصرت من كثير من مساجدنا إنها دعوة للإمام ، وليس للإمام فقط ، بل وإلى كل فاعلفي المسجد ، وكل قلب غيور على هذا الدين .
أفلا أعدنا للمسجد حياته ..... هذا الأمل ، فيك أخي الرجاء ، قدم وأبذل والله يتولانا ، وما خاب من دعاء إلى فاطر الأرض والسماء .

 

فيصل الشدي
  • مقالات ورسائل
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية