صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العجلة
21/12/1429هـ

فيصل بن عبدالرحمن الشدي

 
 الحمد لله الذي لا يَحُول سلطانُه ولا يزُول، مُسْتَوٍ على عرشه وباقٍ في ملكه وعروشُ الملوك دونه تتبدَّل والممالكُ تَدُول، ثم إليه الخلائق بعد ذلك ترجع وتؤول، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وحده الخالق المسؤول، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير نبيٍ وأكرم رسول، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ ـ أيُّها النَّاسُ ـ حَقَّ التَّقوَى، واسْتَمسِكُوا مِنَ الإسَلامِ بالعروةِ الوُثْقَى، واحْذَرُوا طَريقَ المَعَاصِي، فإنَّ أقْدَامَكُم عَلى النَّارِ لاَ تَقوَى.
عِبادَ اللهِ، إنَّ البَوَاعِثَ التَّي تسُوقُ المرءَ إِلى عَملٍ مَا وَتَدفَعُهُ إلى خَوضِ غِمارِ الحياةِ بظرُوفِهَا الوَاقعة كَثِيرةٌ مُتَبَاينَةٌ، يَبِينُ لِتَبَايُنِهَا مَواقفُ أَهلِ الاحْتِكَاكِ بِهَا، فَتكُونُ نُفُوسُهم إحدَى نَفْسَينِ: إمَّا نَفْسٌ عَجِلَةٌ تثِيرُ الفَوضى ، وَإِمَّا نَفسٌ مُتَأَنِّيةٌ تُحْسِنُ التَّصَرُّفَ وَسْطَ الأَعَاصِيرِ.
وَمِما تَقَرَّرَ لَدَى العُقَلاَءِ أَنَّ تَكْرَارَ المواقفِ على المرءِ وَتَرَادُفَ الضَّوَائِقِ وَتَعَقُّدَ المسَائلِ أَمَامَهُ لَيسَ لَهَا إلاَّ التَّأَنِّي وَحْدَه بَعَدَ اللهِ سُبْحَانَهُ؛ إذْ هُو عَاصمٌ بأمرِ اللهِ مِنَ التَّخَبُّطِ وَوَاقٍ مِنْ القنوطِ في الوَقتِ نَفسِهِ.
غَيرَ أنَّ داءً قدِيمًا قد عانَتْ منه المجْتَمَعاتُ في القَدِيمِ كَمَا عَانَتْ مِنهُ حَدِيثًا، وَهو ثَغْرَةٌ ضَخمةٌ في الإنسَانِ، وإذا ظهرَت فيهِ كانتْ ثُلْمَةً فِي دِينهِ وَإيمانهِ وَحُسْنِ تدبيرِهِ.
ألا وهي العجلة والعجلة هِيَ فِعْلُ الشَّيءِ قَبلَ وَقْتِه اللاَّئقِ به، وَهِي مِنْ مقْتَضَيَاتِ الشَّهْوَةِ البَغيضَةِ الموافِقَةِ للشَّيطَانِ، ولهذَا صارتِ العَجَلةُ مَذْمومَةً في عَامَّةِ القرآنِ، وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً ، وَيَقُولَ جَلَّ شَأنَهُ: خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ، وَيَقُولُ سُبحَانَهُ: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ .
لَقْد جَاءَ لفظُ العجلةِ في القُرآنِ مَتَصَرِّفًا فِي سَبعَةٍ وَثَلاَثِينَ موضِعًا، كلّها على سَبيلِ الذَّمِّ إلاَّ مَوضِعًا وَاحدًا، هو قَولُ اللهِ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلاَ غَروَ أن يَكُونَ كَذَلك؛ فَإنَّ الإنسانَ منْ طَبعِهِ العَجَلةُ وَعَدمُ التَّأنِّي كَمَا فِي قَولِهِ: خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ.
وإنَّنا ـ عبادَ اللهِ ـ لَنَجدُ العَجَلةَ المذمُومَةَ بَادِيَةً فِي كَثيرٍ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الأممِ السَّابقَةِ حَتَّى حَلَّ بِهَا العَذَابُ، فأَصْحَابُ الأحْقَافِ لمَّا رَأوا السَّحَابَ والغَيمَ قَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا، وَتَبَاطَؤوا عُقوبَةَ اللهِ، فَقَالَ اللهُ لهم: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَلَما عَجلَ مَوسَى إلى رَبِّه رَغمَ أنَّهُ كَانَ يُريدُ أمرًا مَحمُودًا، إلاَّ أنَّ عَجَلتهُ جَرَّتْ عَلَى قَومِهِ عِبادَةَ العِجْلِ الَّتي هِي الإشراكُ باللهِ. وَلَمَّا أَنذَرَ نُوحٌ ابنهُ مِنَ الغَرَقِ قَالَ: سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ، فَتَعَلَّقَ بِالأسبَابِ العَاجِلَةِ وَنَسِيَ مَا يَكونُ فَي الآجِلَةِ مِنَ العَذَابِ.
وَإنَّ في سِيرَةِ المصْطَفَى صلى الله عليه وسلم قِصَصًا وَدُرُوسًا في العَجَلَةِ، فَفِي غَزوةِ أُحُدٍ لَمَّا تَعَجَّلَ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ اقتِطَافَ ثَمَرةِ الغزوِ وجَمْع الغَنَائِمِ عَادَتِ الكَرَّةُ عَلَيهم وَعَادَ الْمنتَصِر خَاسِرًا. والثَّلاثَة الذينَ تَخَلّفُوا عَنْ غَزوَةِ تَبُوك تَعَجَّلوا الرَّاحةَ وَطيبَ الثَّمرِ الَّذِي وَجَدُوه في المَدِينَةِ عَلَى الاستِجَابة لِنداء اللهِ وَرَسُولِه ومَا ينتظرهم يوم القيامة.
أَيَّها النَّاسُ، مَعَ كُلِّ ذَلِكَ فَإنَّنَا نَجدُ العَجَلَةَ بَاديَةً في كَثيرٍ مِنْ أعْمَالِنَا وَتَصرُّفَاتِنَا، بدْءًا مِنْ أَبوابِ العِبَادَاتِ إلى أبوابِ الأخلاقِ والآدابِ؛ فَهَذَا المتَوضِّئ يَسْتَعجلُ في وُضُوئِه وَلا يُسْبِغُهُ، وَلَرُبَّمَا بَدا من عَقِبهِ شيءٌ لم يصلْ إليه الماءُ، فيقَعُ في وَعيدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((وَيلٌ لِلأعْقابِ مِنَ النَّارِ)) متفقٌ عليه.
كمَا أنَّكم ـ عِبادَ اللهِ ـ قد تَرونَ هذا المرءَ العَجِلَ في صَلاَتِهِ؛ فَلاَ يَطْمَئنُّ فِي رُكُوعٍ وَلاَ سُجُودٍ، يُسْرِعُ في الحَرَكَاتِ وَلا يَتَلبَّثُ، وما أكثر هذا في صلاة الناس اليوم ،حتى إن المرء يحزن من هذه السرعة العجيبة في الصلاة ، فأين الناس عن قول أبي هريرة رضي الله عنه: نهاني رسول اللهصلى الله عليه وسلمعَن ثلاثٍ، وَذَكَرَ منها: وَعَن نَقرَةٍ كنقرَةِ الدِّيكِ أي: في صَلاتِهِ. رَوَاه أحمدُ وأبو يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
وَإِنْ تعجَبُوا فَعَجَبٌ ذَلِكُم الَمأْمُوم الَّذِي دَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي صَلاَتِه، وصارَ لَهُ بِالمرْصَادِ؛ يَسْتَعْجِلُ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ؛ يُسَابِقُ الإِمَامَ، أَنسِيَ أَو غَابَ عَن بَالِهِ أَنَّهُ لَنْ يُسَلِّمَ قَبلَ سَلاَمِ إمَامِهِ، وَأنَّ الرَّسُولَصلى الله عليه وسلم قَال: ((أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعْ رَأَسَهُ قَبلَ الإِمَامِ أنْ يَجْعَلَ اللهُ صُورَتَهُ صورَةَ حَمارٍ؟!)) أخْرَجَه البُخَارِيُّ.
وَلَرُبَّمَا طَغتِ العَجَلَةُ عَلَى المرءِ حَتَّى فِي اللَّحَظَاتِ الحَرِجَةِ الَّتِي يُنَاجِي فِيهَا رَبَّه وَيَدْعُوهُ مُتَضَرِعًا إِليه، فَيفْقِدُ بسَبَبِ ذَلِكَ الاسْتِجَابَةَ الَّتِي دَعَا اللهَ مِنْ أَجلِهَا، جَزَاءَ مَا اسْتَعجَلَ، غَيرَ آبِهٍ بِقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَم يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي)) رواهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ.
فالوَاجِبَ عَلَى العَاقِلِ لُزُومُ الرِّفْقِ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا وَتَرْك العَجَلةِ وَالخِفّةِ فِيهَا، إذ اللهُ تَعَالَى يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَمَنْ مُنِعَ الرِّفقَ مُنِعَ الخيرَ، كَمَا أنَّ مَنْ أُعطِيَ الرِّفقَ أُعطِيَ الخَيرَ.
وَإنَّ العَجَلةَ ـ عِبادَ اللهِ ـ قَد تَهُدُّ حُصُونًا مُعقَلةً وَبيوتًا آمِنةً، فَزَوجَةٌ مسكِينَةٌ انكَسرَ مِنهَا إِناءٌ أو غَلَبَ مِلحٌ عَلى طَعامٍ أَو نَسِيتْ أَمرًا تَكونُ بَعدَهُ ضَحِيَّةً لِعَجَلَةِ الزَّوجِ في إطْلاقِ لَفْظِ الطَّلاقِ لأيِّ سَببٍ وَأَدنَى حُجَّةٍ، فَتَتَفَرَّقُ الأُسرَةُ بَعْدَ تَجَمُّعٍ، وَيَظهَرُ الحُزْنُ بَعدَ الفَرَحِ، ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلكَ يَبحَثُ يَمْنَةً وَيَسرَةً عَن طَرِيقٍ يُعيدُ فِيهِ زَوجَتَهُ الَّتِي كَانَتْ ضَحِيَّةَ عَجَلَتِهِ، وَنَسِي قَولَ الرسولِصلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثٌ جِدِّهنَّ جِدٌّ وَهَزلهنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ والطَّلاقُ والرَّجْعَةُ)) رواهُ الخَمْسَةُ إلا النَّسائِيِّ بسندٍ حسنٍ.
البَيعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى أَنَّهُ مِن أمُورِ الدُّنْيا إِلاَّ أَنَّكَ تَرَى العَجِلَ فِيهِ سَرِيعَ الرَّأْيِ كَثيرَ الخَسَارَةِ، تَنْقَلِبُ عَليهِ الدُّنْيَا جَرَّاءَ عَجَلةٍ مَقِيتَةٍ دُونَ تَخطِيطٍ وَتَرْتِيبٍ. وَإِنَّ العَجَلةَ لَتَبدُو وَاضِحةً فِي كَثيرٍ مِنْ أُمورِ النَّاسِ المُعْتَادَةِ، وَقِفُوا طَوِيلاً عِندَ قَائدِ السَّيَارَةِ الَّذِي يَتَمَنَّى أَنْ تَسِيرَ بِه في الهَوَاءِ كَي يُسَابِقَ فِي تَرويعِ هَذَا وَشَتْمِ هَذَا وَمُضَايَقَةِ هَذَا، فَتَنْتَهِي بِهِ العَجَلةُ إِمَّا إِلى مَوتٍ مُحقّقٍ، أَو يَصِلُ إِلى مُبتَغَاهُ كَمَا وَصَلَ النَّاسُ لَكِنْ عَليهِ مِنَ الآثَامِ مَا يَبُوء بِحَمْلِهِ يَومَ القِيَامَةِ.
وَمِنْ صُورِ العَجَلةِ الحكمُ عَلى النَّاسِ قَبْلَ البَحْثِ وَالتَّحَرِّي، وَسُوء الظّنِّ قَبْلَ التَّثَبُّتِ وَاليقينِ، الَّتِي تَبدُو واضحةً فِي كثيرٍ منَ الأحيانِ فِي كِتَاباتِ النَّاسِ وَمَقَالاَتِهم، والغَضبُ وَالاستِجَابَةُ لِثَورَةِ النَّفْسِ المؤديةُ إلى الوقُوعِ فِي المحذُورِ، فيتحمَّقُ المَرْءُ عَلىَ عَجَلٍ، وَيكُونُ لِسانُهُ وَفِعْلُهُ قَبلَ قَلْبهِ وَعَقْلِهِ، فَلاَ يَزِمُّ نَفْسَهُ وَلاَ يَتَرَيَّثُ، بَلْ يَهْذِي بِأقوال وَيُشْطِطُ بأَفعالٍ يَحَتاجُ بَعْدَها إِلى اعْتِذَارٍ طَويلٍ وَتَلْفِيقٍ لاَفتٍ، في صُورَةٍ تَبدُو وَاضحةً في مُسْتَجِدَّاتِ الحَيَاة، حتى إذَا ما تَثَبَّتَتِ الأُمُورُ عَلِم الذين خاضوا وفي عجلة أفاضوا أَنَّهمْ وَقَعَوا ضَحِيَّةَ العَجَلَةِ في الحُكْمِ عَلَى مُستَجِدَّاتِ الدُّنْيَا وَأَحْدَاثِ العَصْرِ، وَلَقدْ صَدَقَصلى الله عليه وسلمحين قال: ((لاَ تَتَكَلَّمْ بِكَلامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا)) رَوَاهُ أَحمدُ وَابنُ مَاجَه بسندٍ صحيحٍ.
العَاقِلُ ـ عِبادَ اللهِ ـ يَلزَمُ الرِّفْقَ فِي الأَوْقَاتِ وَالاعْتِدَالَ فِي الحَالاَتِ؛ وَكَمَا أنَّ مَنْ سَكَتَ لاَ يَكادُ يَنْدَمُ، كَذِلِكَ مَنْ نَطقَ لاَ يَكادُ يَسْلَم. وَالعَجِلُ يَقولَُ قَبلَ أَنْ يَعلَمَ، وَيُجِيبُ قَبلَ أن يَفهمَ، وَيَحمدُ قَبلَ أَنَّ يجرِّبَ، وَيَذُمُّ بَعدَمَا يَحمدُ، وَيَعزِمُ قَبلَ أَن يُفكِّرَ، وَيَمضِي قَبلَ أَنْ يَعزِمَ. وَالعَجِلُ تَصْحَبُهُ النَّدَامَةُ وَتَعْتَزِلُهُ السَّلاَمَةُ، وَكَانَتْ العَربُ تُكَنِّي العَجَلَةَ: أُمَّ النَّدَامَاتِ.
َكَتَبَ عَمرُو بنُ العَاصِ إِلى مُعاَوِيَةَ يُعَاتِبُهُ فِي التَّأنِّي: (أَمَّا بعدُ: فَإِنَّ التَّفَهُّمَ فِي الخَيرِ زِيَادٌ وَرَشَدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لاَ يَنْفَعُهُ الرِّفْقُ يَضُرُّهُ الخَرَقُ، وَمَنْ لاَ تَنْفَعُهُ التَّجَاربُ لاَ يُدرِكُ المَعَالِي، وَلا يَبْلُغُ الرَّجُلُ مَبْلغَ الرَّأْيِ حَتَّى يَغْلِبَ حِلمُهُ جَهلَهُ وَبَصَرُهُ شَهْوَتَهُ، وَلاَ يُدْرِكُ ذَلِكَ إِلاَّ بِقُوَّةِ الحِلْمِ).
فَاتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ المؤمِنينَ، وَعَلَيكُمْ بالتُّؤدَةِ وَالتَّأَنِّي تُفْلِحُوا، وَإيَّاكُم وَالعَجَلَةَ، فَلَيسَت مِنْ هَدْيِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ هِيَ مِنْ شَأْنِهِ، فإنَّ النَّظَرَ إِلى الثَّمَرَةِ قَدْ يَطُولُ، فَهَذَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَدَ سُرَاقَةَ بنَ مَالكٍ بِسِوَارَيْ كِسْرَى وَلمْ يَلْبسهَا إلاَّ في عهدِ الفَارُوقِ رضي الله عنه؛ لأنَّ المؤمَّلَ غَيبٌ، وَلَيسَ لَنَا إلاَّ السَّاعَةُ الَّتِي نَحْنُ بِهَا، وَإنَّ غَدًا لنَاظرِهِ قَريبٌ. أَقْولُ هَذَا القَولَ...

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه .........
أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أيُّها النَّاسُ، وَاعْلَمُوا أنَّ دِينَ الإسْلاَمِ دِينٌ وَسَطٌ لاَ يَرْضَى بالإفرَاطِ وَلاَ بِالتَّفْرِيطِ، وَلاَ المغَالاَةِ وَلاَ المجَافَاةِ، وَالنَّظْرَةُ الشَّرعيَّةُ لِلعَجَلَةِ هِي نَظرةٌ عَادِلَةٌ كَرِهَهَا الإسلامُ في مَواضعَ وَنَدَبَ إليهَا في مَوَاضعَ أخْرَى، فَكَمَا أَنَّ التَّأنِي مَنْدُوبٌ إِليهِ فِي ظُرُوفٍ تَليقُ به، فَإنَّ ظُروفًا أُخْرَى تَتَطَلَّبُ العَجَلةَ.
وَلاَ يَعْنِي تَنِفيرُ الإِسْلاَمِ مِنَ العَجَلةِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَن يُعَلِّمَ أَتْباعَهُ البُطءَ فِي الحَرَكَةِ أَو الضَّعْفَ في الإِنْتَاجِ أَو التَّمَاوُتَ فِي العَملِ، كَيفَ وَرسُولُ اللهِصلى الله عليه وسلم قَد قَالَ: ((بَادِرُوا بِالأعْمَالِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيقُولُصلى الله عليه وسلم : ((مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شَيءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبيتُ لَيلتَينِ إلاَّ وَوصِيَّتُهُ مَكْتَوبَةٌ عِنَدهُ)) رَواهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؟!
وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ ـ عِبادَ اللهِ ـ هُنَاكَ أُمُورٌ وَمَواقفُ تَتَطَلَّبُ مِنَ التَّصَرُّفِ الحَازِمِ والعَملِ السَّريعِ مَا لاَ يُنَاسِبهُ التَّأْجِيلُ وَالتَّسويفُ، مِثلُ العَجَلَةِ في اغْتِنَامِ الأوقاتِ وَتركِ التَّسْويفِ فيها، وَكَذَا تَعجِيلُ الفِطْرِ للصَّائِمِ، وَتَعَجُّلُ المُسَافِر إِلى أهْلِهِ إذَا قَضَى نَهْمَتهُ، وَكَذَا صَدُّ الشَّرِّ الظّاهِرِ وَإغَاثَةُ المَلْهُوفِ، وَالنُّصْحُ لِله وَلرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأئِمةِ المُسْلِمينَ وَعَامَّتِهِم، وَعَدَمُ تَأخيرِ البَيَّانِ عَنْ وَقتِ الحَاجَةِ؛ كَبيَانِ حَقٍّ وَإِبطَالِ بَاطِلٍ وَأمرٍ بالمعرُوفِ وَنَهيٍ عَنْ المُنكَرِ، وَكَذَا الوَاجِبَاتُ الموقُوتَةُ بَوقْتٍ مَحدُودٍ، يَقُولُصلى الله عليه وسلم: ((التُؤدَةُ فِي كُلِّ شَيءٍ إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ)) رَوَاهُ أَبُو دَاودَ والبَيهَقي والحَاكِمُ وَصَححَهُ.
وَيَتَأكّدُ أَمرُ العَجَلَةِ بِشِدَّةٍ في وُجُوبِ الأخْذِ بِالحَقِّ إِذَا ظَهَرَ، وَعَدمِ التَّوَانِي فِي قبُولِهِ، وَالبُعْدِ عَن التَّعْليِلاَتِ وَالتَّبْرِيرَاتِ الَّتِي يُرى أَنَّها مُسَوِّغٌ لِتَركِهِ أَو تَأجِيلِهِ، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا. فَالَمعَاذِيرُ الَّتِي يُقَدِّمُهَا المَرءُ فِي تَأخِيرِ الحَقِّ أَو رَدِّهِ مَهمَا بِلَغَتْ مَا هِيَ إلاَّ أَوهَامٌ وَخُيوطٌ أَوْهَى مِنْ نَسِيجِ العَنْكَبُوتِ.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فيصل الشدي
  • مقالات ورسائل
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية