اطبع هذه الصفحة


هموم وغموم .. أيها تعتريك (2)

سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com

 
أنبياء الله جل وعلا هم أصدق الناس طوية ، تجردوا عن حظوظ أنفسهم وعاشوا من أجل بلاغ دينهم فكانت الآخرة همهم ، فهذا نوح عليه السلام يمكث في دعوة قومه قرابة الألف عام ، وهو يدعوهم إلى طاعة الله وعبادته ، وليس له من هم إلا ذاك " قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً" " ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً" وهكذا نبينا عليه الصلاة والسلام فقد عاش يحمل هم أمته عليه الصلاة والسلام ، ولذلك عاتبه ربه على ما يجده من هم وحزن في قلبه لعدم إيمان الكفار بدعوته قال الله " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " وقال " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً " وقال " ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" وقال " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" وقال " ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون" وقال " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون" كيف لا ؟ وقد وصفه الله عز وجل بقوله " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " ولو تأملت حق التأمل في سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم لرأيت هم الدعوة وهو من هموم الآخرة جلياً واضحاً ، ومن ذلك أنه لما ذهب إلى الطائف يدعوا أهلها إلى الإسلام كذبوه وأغروا به السفهاء فضربوه وأدموه ، حتى أنه عليه الصلاة والسلام شغله هم الدعوة عن جراحه التي وقع فيها ، وسنعرج على القصة بتمامها بعد قليل إن شاء الله تعالى ، وقد ورث هموم الآخرة الصالحون من أمته صلى الله عليه وسلم، ويظهر ذلك في أمانيهم وأحلامهم وتتبع أحوالهم، ومن ذلك، فهاهو عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه يوماً " تمنوا ، فقال رجل منهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله عز وجل ، فقال: تمنوا ، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله عز وجل وأتصدق به،ثم قال: تمنوا، قالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين. قال عمر: لكني أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح" [صفوة الصفوة1/367] وعندما يحلمون فإنما يحلمون بهموم الدين ، لذا تتوافق أحلامهم ، ومن ذلك ما رواه أبو داود بإسناده إلى بعض الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع يعني الشبور، وقال زياد شبور اليهود فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، قال: فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت، فأراني الأذان، قال وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً، قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له " ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت" [أبو داود ح498] وقال عمر رضي الله عنه" إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة " [رواه البخاري في باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة] وهم الإسلام والآخرة في صدورهم حتى الرمق الأخير من حياتهم، ولما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من يأتيني بخبر سعد بن الربيع الأنصاري " فقال رجل: أنا يا رسول الله فذهب الرجل يطوف بين القتلى فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك فقال له الرجل: بعثني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك قال "فاذهب إليه فاقرأه مني السلام، وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأني قد أنفذت مقاتلي ، وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي" [الموطأ 1013] وهذا عمر بن عبد العزيز لما مرض جيء له بطبيب فقال: به داء ليس له دواء، غلب الخوف على قلبه [ سير أعلام النبلاء 5/137] ويقول ابن مهدي عن سفيان الثوري: كنت أرمق سفيان في الليلة بعد الليلة ، ينهض مرعوباً ينادي : النار النار ، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ، ولما حضرته الوفاة ذهبوا ببوله إلى الطبيب فقال : هذا بول راهب ، هذا رجل قد فتت الحزن كبده ، ما له دواء [سير أعلام النبلاء 7/270، 274] وهذا الإمام البخاري أرقه العلم وتدوينه فحرمه لذة الرقاد ، قال محمد الوراق: كنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري ناراً ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلِّم عليها. [سير أعلام النبلاء 12/404]
 

سلمان المالكي
  • مـقـالات
  • رفقا بالقوارير
  • المرأة والوقت
  • الخطب المنبرية
  • إلى أرباب الفكر
  • وللحقيقة فقط
  • الهجرة النبوية
  • فتنة الدجال
  • الصفحة الرئيسية