|  | 
   
  الحمد الله تقدست ذاتُه وعلت أسماؤه وصفاتُه ، أحمده سبحانه لا تحصى نعماؤُه ولا 
	تحصر مكنوناتُه ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد مصطفاه وخليله ، وأمينه على 
	وحيه ، خصه بخصائص علت بها منزلتُه وبَهرت مُعجزاتُه ، وعلى آله وأصحابه وسلم 
	تسليما كثيرا .. أما بعد .. 
	
	لقد بعث الله عز وجل نبيه بالهدى والنور ، فهدى البرية وزكى البشرية ، واطمأنت 
	إليه القلوب وانشرحت به الصدور ، بعثه رحمة للعالمين وقدوة للأخيار والصالحين ، 
	بعثه ليتمم من الأخلاق مكارمها ، ومن المكارم أجملها ، فكان صلوات ربي وسلامه 
	عليه إمامها وهاديها ، فأقسم له ربه جل وعلا من فوق سبع سموات أنه قد حاز 
	أفضلها وأشرفها وأعظمها فقال جل وعلا " وإنك لعلى خلق عظيم " نعم .. كان عظيمًا 
	وإمامًا في الأخلاق ، كَمُلَ أدبُهُ مع ذي العزة والجلال ، فزينه وكمله بأفضل 
	الشمائل والخصال ، فهو مع ربه أكمل الناس أدبًا وأشدهم خشية له وخوفًا منه " 
	إني أخشاكم لله وأتقاكم " قام في جوف الليل حتى تورمت قدماه من القيام وصام 
	النهار فما مل ولا سَئم بل واصل الصيام . 
	
	كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان دائم البِشْر طليق الوجه بالسرور ، 
	يقول جرير بن عبد الله "ما لقيت النبي إلا تبسم في وجهي ". 
	
	كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان سيد الأنبياء وإمام الرحماء ، يرحم 
	الصغير والكبير ويعطف على الجليل والحقير ، قال أنس بن مالك " ما لمست حريرًا 
	ولا ديباجًا ألين من كف رسول الله ولقد صحبت رسول الله عشر سنين ، ما قال لي 
	يومًا 
	كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان جوادًا كريمًا ، يُعطي الشاة والبعير 
	وما كان في بيته صاع من شعير و "ما سُئل عليه الصلاة والسلام شيئًا فقال : لا " 
	يقول عنه تلميذه حبر الأمة وترجمان القرآن القبس والنبراس عبد الله بن عباس وعن 
	أبيه " كان النبي أجودُ بالخير من الريح المرسلة " . 
	
	كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق حينما كان برًا بالعباد رحيمًا ، رحيمًا في 
	دعوته ، رحيمًا في توجيهه وحكمته رحيمًا بالأمة حتى في صلاته وإمامته ، كان 
	يصلي في الفجر بالستين إلى المائة آية ، فدخل ذات يوم يريد أن يطول فسمع بكاء 
	صبي فقرأ بـ " إنا أعطيناك الكوثر " فلما انفتل من صلاته قال " إني سمعت بكاء 
	صبي فأشفقت على أمه " وكان يوصي الأئمة ويقول " إذا أمّ أحدكم بالناس فليخفف ، 
	فإن وراءه الضعيف والسقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة .. " 
	
	كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق وهو على منبره يُفصّلُ الشريعةَ والأحكام ويأخذ 
	بمجامع القلوب إلى طريق السلم والرحمة والسلام ، فما كان يجرّح ولا يعنف ولا 
	يُشهِّرُ ولا يكسر الخواطر ، لم يكن جبارًا ولا فظًا ولا سخابًا ولا لعانًا ، 
	كان يقول عليه الصلاة والسلام " ما بال أقوام ، ما بال أقوام " 
	
	كان جوادا عظيمًا في الأخلاق ، فما كان يُعرف من بين صحابته من تواضعه بأبي 
	وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ، حتى كان القادم يقول : أيكم محمد ؟ أيكم محمد 
	..؟. 
	كان رحيمًا بالأحياء والأموات ، إذا جن الليل وأرخى سدوله ، خرج إلى بقيع 
	الغرقد يقف على قبور المؤمنين والمؤمنات ، يسأل ربه بصالح الدعوات أن يُسبغ 
	عليهم الرحمات ، ولما توفيت المرأة السوداء التي كانت تَقُمُّ المسجد قال أوما 
	أخبرتموني ، فصلى عليها ودعا لها . 
	كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، إذا دخل بيته ملك قلوب أزواجه بالعطف والإحسان 
	والرحمة والحنان ، فقد كان خير الأزواج وأبرهم وأفضلهم . 
	كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، ما عاب طعامًا وُضع بين يديه ، ولا سب امرأة 
	ولا شتمها ولا ضربها ولا أهانها ، كان يُكرم ولا يهين ، يُعزُّ ولا يُذلُّ ، 
	إذا جاءت زوجته بالشراب أقسم عليها أن تشرب قبله ، وإذا شربت من الإناء وضع فمه 
	حيث وضعت فمها ، وكان يؤتى له بالمرق والعظم فيه اللحم فيقسم عليها أن تنهش منه 
	قبله فإذا نهشت منه وضع فمه حيث وضعت فمها . 
	
	كان عظيمًا وإمامًا في الأخلاق ، حينما دخل عليه الأعرابي فبال في مسجده وهو 
	جالس والصحابة ينظرون وينهرون ويمنعون ، فقال لهم " لا تزرموه " حتى إذا انتهى 
	أمر بذنوب من ماء فصب على بوله ثم دعاه فوجهه وعلمه وأرشده , فدعا الأعرابي 
	قائلا " اللهم ارحمني وارحم محمدًا ولا ترحم معنا أحدًا " وصلى بأصحابه يوما 
	فصاح رجل وتكلم في الصلاة ، فما زال الصحابة يسكتونه حتى رمقوه بأبصارهم ، فصاح 
	الرجل : واثُكل أماه ، فلما سلم قال الصحابي : فبأبي وأمي ما رأيت معلمًا كرسول 
	الله فوالله ما كهرني ولا شتمني ، ولكن قال لي " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها 
	شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والاستغفار وقراءة القرآن " ما أكرمه من نبي 
	وما أحلمه من رسول وما أرحمه من إنسان صلوات ربي وسلامه عليه ، وبعد أيها 
	الأحبة .. 
	هذا فيض من غيظ ونقطة من بحر وقليل من كثير من سيرة البشير النذير السراج 
	المنير فما أحوجنا أن نملأ بمحبته قلوبنا ، ما أحوجنا أن نربي على هذه السنة 
	والأخلاق الكريمة صغارنا وكبارنا ، ما أحوجنا أن نتربى عليها مساء صباح ، 
	ونعتقد فضلها سرًا وجهارًا ، لتظهر آثارها علينا ليلاً ونهارًا ، فبحسب متابعته 
	تكون العزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد والهداية والفلاح والنجاة وطيب 
	العيش في الدنيا والآخرة ، وإلى أن ألتقي بكم في حلقة قادمة وموعدٍ قريب ولقاء 
	ماتع ، استودع الله دينكم وأمانتَكم وخواتيم أعمالِكم وسلام الله تعالى ورحمته 
	وبركاته عليكم .