اطبع هذه الصفحة


الطريق إلى الاستقامة

سلمان بن يحي المالكي

 
لقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالثبات على هذا الدين القويم ، والاستقامة عليه حتى الممات ، وكان على رأس الخلق إمام الموحدين ، وقائد الغر المحجلين سيد المرسلين المعصوم صلى الله عليه وسلم حيث قال الله له " فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير " [ هود :112 ] وقال أيضا
" فلذلك فادع واستقم كما أمرت ومن تاب معك " [ الشورى :15] كيف لا ؟ وقد جعل الله لمن آمن بدينه حقا ، واستقام على طريقه صدقا ، الفضائل العظيمة ، والمنازل الرفيعة ، والدرجات العلا في يوم تزل فيه الأقدام ، وتخف فيه الموازين ، ولا شك أن الاستقامة من أعظم المسؤوليات ، وأوجب الواجبات ، التي كلفنا الله عز وجل بها ، وأن على المرء أن يبذل جهده ويسأل ربه العفو والغفران إذا ما قصّر أو أخل في حياته بشيء منها ، قال الله عز وجل على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه " [ فصلت :6 ] وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن الناس لن يعطوا الاستقامة حقها فقال " استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " [ رواه ابن ماجة ،ح277 ] وقد تنوعت أقوال سلف هذه الأمة في تعريفها ، وما المراد منها ؟ فها هو أعظم الخلق استقامة بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول عنها : الاستقامة أن لا تشرك بالله شيئا ، ويقول الفاروق أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب ، ويقول ترجمان القرآن وحبر هذه الأمة ابن عباس رضي الله عنهما : استقاموا أي أدوا الفرائض ، وحقيقة الاستقامة : السداد في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد والحق أخي المستقيم : أن الاستقامة تعني التمسك بهذا الدين كله ، صغيره وكبيره ، قليله وكثيره ، جليه وخفيه والثبات عليه حتى الممات ، ورحم الله شيخ الإسلام بن تيمية يوم قال " أعظم الكرامة لزوم الاستقامة " [ تهذيب المدارج ص529 ] نعم .. الاستقامة طريق إلى الجنة ونعيمها ، والفوز بالنجاة من النار وجيحيمها .. الاستقامة تعني طاعة الكريم الرحمن ، ومتابعة أشرف الرسل من ولد عدنان .. الاستقامة طريق إلى محبة الله والانقياد له وعبوديته وحب التلذذ بذكره .. الاستقامة ثبات على الدين ، ولزوم لصراط الله المستقيم .. ومما يعينك أخي المسلم على سلوك سبيلها ونيلها والتشرف بأن تكون من أهلها ما يلي :

* الإخلاص لله تعالى .
فإن من أعظم الأصول المهمة في دين الله تعالى ، تحقيق الإخلاص لله تعالى ، إذ إنه حقيقة الدين ، ومفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " [ البينة:5 ] وهو مما ينبغي للعبد المجاهدة فيه حتى يُرزق تمامه ، سئل سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى ، أي شيء أشد على النفس ؟ قال : الإخلاص ، لأنه ليس لها فيه نصيب .

* متابعة المعصوم صلى الله عليه وسلم .
قولا وفعلا في كل ما يأتي الإنسان ويذر في حياته ، فلا يكمن حب المسلم لرسوله صلى الله عليه وسلم إلا بمتابعته عليه الصلاة والسلام " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم " [ آل عمران:31 ] ولا شك أن اتباع هدي المعصوم صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره في الأقوال والأعمال والأحوال عظيم ، وطريق جليل لنيل الاستقامة والثبات عليها ، وحق لمن فارق السنة أن يفارق الدليل ، ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل .

* فعل الطاعات واجتناب المحرمات .
فإن مما يعين العبد المسلم إلى الوصول إلى الاستقامة وتحقيقها محافظته على الطاعات فرائض كانت أو نوافل ، وهي مما أهمّ الوسائل التي تجلب للعبد محبة سيده ومولاه " ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه " [ رواه البخاري ح6137 ] فإذا أحب الله عبدا أعانه وسدده ووفقه للاستقامة على دينه ، كما أن اجتناب المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها جليِّها وخفيِّها له الأثر الكبير في تحقيق معنى الاستقامة ، إذْ يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه "[رواه أحمد ح13071 ]

* العلم .
وأفضله بلا شك : علم الوحيين الكتاب والسنة ، الذي هو أفضل القربات إلى الباري جلّ وعلا ، وهو تركة الأنبياء وتراثهم ، وبه تحيا القلوب ، وتُعرف الشرائع والأحكام ، ويتميز الحلال والحرام ، وهو الدليل على السراء والضراء ، والسلاح على الأعداء ، وهو الصاحب في الغربة ، والحديث في الخلوة ، والأنيس في الوحشة ، وبه يعرف العبد ربه ، ويوحده ولا يعبد غيره ويأنس به ولا يلتجأ إلى سواه ، ورحم الله عمرو بن عثمان المكي يوم قال " العلم قائد ، والخوف سائق ، والنفس حرون بين ذلك جنوح خداعة ، رواغة ، فاحذرها وراعها بسياسة العلم ، وسقها بتهديد الخوف يتمّ لك ما تريد " [تهذيب مدارج الساكين ص484 ]

* مصاحبة الصالحين .
إن اختيار الصاحب مرحلة خطيرة تشبه مرحلة اختيار الزوجة من حيث إنها تشكل منعطفا في حياة المرء له ما بعده ، ورحم الله وهب بن منبه يوم قال " استكثر من الإخوان ما استطعت ، فإن استغنيت عنهم لم يضروك ، وإن احتجت إليهم نفعوك " [ السير 4/550 ] ويأتي في مقدمة هؤلاء : الصالحون الأخيار الذين هم الساعد الأيمن بعد توفيق الله في سلوك العبد طريق الاستقامة ، والثبات عليها ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم يوم قال " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " [ رواه أبو داود ح4833 ] .

* الدعاء .
وهو السلاح الخفي للمؤمن ، وحقيقته : إظهار العبد افتقاره إلى سيده ومولاه ، وهو سمة من سمات المحسنين المستقيمين " وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت على الله قريب من المحسنين "[الأعراف :56] وليس شيء أكرم على الله من الدعاء ، فهو من أجلّ وأهمّ الأسباب الجالبة للاستقامة بإذن الله تعالى ، كيف لا ؟ والعبد يقرأ في كل ركعة من صلاته " اهدنا الصراط المستقيم " ورحم الله إمام أهل البصرة الحسن البصري ، كان إذا قرأ هذه الآية ( فاستقم كما أمرت ) كان يقول : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة [الجامع لأحكام القرآن ج15ص358 ] .
 

سلمان المالكي
  • مـقـالات
  • رفقا بالقوارير
  • المرأة والوقت
  • الخطب المنبرية
  • إلى أرباب الفكر
  • وللحقيقة فقط
  • الهجرة النبوية
  • فتنة الدجال
  • الصفحة الرئيسية