اطبع هذه الصفحة


لنكن أعضاء في هذه الجامعة ..!

سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com

 
الحمد الله والصلاة والسلام على نبي الله .. أما بعد
ما أجمل هذه الجامعة التي تجمع القلوب المختلفة ، وتؤلف بين الشعوب الإسلامية المتنافرة ، نعم .. الجامعة التي تتضاءل أمامها الشعاراتُ القبلية والدعواتُ العنصرية والانتماءاتُ الحزبية ، وبها تتلاشى كلُ دعاوًى جاهلية ، الجامعة التي من أجلها خُلقت الخليقةُ وأُرسلت الرسل وأنزلت الكتبُ وشرعت الشرائع ، جامعةُ جليلة ذاتُ فضائلَ عظيمةٍ وفواضلَ كريمةٍ ومزايا جمّة ، لا يمكن لمخلوقٍ استقصاؤها ولا حصرها ، موقعُها من الدين فوقَ ما يصفه الواصفون ، ويعرفه العارفون ، جامعة لها من المكانةِ ما لا يخطر ببال ، ومن المزايا ما لا يدور في خيال ، جامعة هي وربي زُبدةُ دعوةِ الرسل وخُلاصةُ رسالتهم
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّـاغُوتَ حقا } .. إنها جامعة التوحيد [ لا إله إلا الله ] .

ـ "لا إله إلا الله" العروةُ الوثقى التي من تمسَّك بها نجا وربح ، ومن أخلّ بها هلك وخسر { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّـاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } .

ـ " لا إله إلا الله " منتهى الصواب وغايتُه ، وأفضلُ الكلم وأجلُّه ، قال جل وعلا { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ } وَقَالَ صَوَاباً قال ابن عباس رضي الله عنه (الصواب: لا إله إلا الله) "لا إله إلا الله "

ـ " لا إله إلا الله " أفضلُ الحسنات وأجلُّ القربات { مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا } ثبت في المسند أن أبا ذر رضي الله عنه قال للنبي أفمنَ الحسنات " لا إله إلا الله " ؟ قال " نعم ، هي أحسن الحسنات "

ـ "لا إله إلا الله" أفضلُ الأعمال وأكثرُها تضعيفاً ، في الصحيحين عن النبي أنه قال " من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، في يوم مائةَ مرة كانت له عِدلَ عشرِ رقاب ، وكُتب له مائةُ حسنة، ومُحي عنه مائةُ سيئة ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به ، إلا أحد عمل أكثر من ذلك "
" لا إله إلا الله " لو وُزنت بالسماواتِ والأراضين لرجحت بهن عند الله جل وعلا ، ففي المسند بسند حسن عن النبي أنه قال : " إن نوحاً قال لابنه : آمرُك بـ"لا إله إلا الله" فإن السماواتِ السبعَ والأرضين لو وُضعت في كفة ووضعت "لا إله إلا الله" في كفة لرجحت بهن "لا إله إلا الله" ولو أن السماواتِ السبعَ [ كنَّ ] حلقةٍ مبهمة لقصمتهنَّ "لا إله إلا الله"

ـ " لا إله إلا الله " ليس لها دون الله حجاب ، بل تَخْرُقُ الحُجُبَ حتى تصل إلى الله جل وعلا ، ففي الترمذي بإسناد حسن عن النبي أنه قال " ما قال عبد : لا إله إلا اللهُ مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء ، حتى تُفْضيَ إلى العرش ما اجتُنبت الكبائر " "لا إله إلا الله" نجاةٌ لقائلها من النار " وفي الصحيحين من حديث عتبان أن النبي قال " إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله "

ـ " لا إله إلا الله " أفضلُ الذكر وأعظمُه ، جاء في الترمذي بسند حسن أن رسول الله قال " أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله " " لا إله إلا الله " .

ـ " لا إله إلا الله " من قالها خالصاً من قلبه كان من أسعدِ الناس بشفاعة رسولنا ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله ، من أسعدُ الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال رسول الله " لقد ظننتُ ـ يا أبا هريرة ـ أن لا يسألني عن هذا الحديثِ أحدٌ أوَّلَ منك لما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعدُ الناس بشفاعتي من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه "

ـ " لا إله إلا الله " لا تُقبلُ من قائلها بمجرّدِ نطقه لها باللسان فقط ، بل لا بد من أداءِ حقها وفرضها ، واستيفاء شروطها الواردةِ في الكتاب والسنة ، سأل رجل وهب بن منبِّه فقال : أليس مفتاح الجنة " لا إله إلا الله " ؟ قال "بلى ، لكن ما من مفتاح إلا له أسنان ، فإن أتيتَ بمفتاح له أسنانٌ فُتح لك ، وإلا لم يفتح "

ـ "لا إله إلا الله" لا تكون مقبولة دون قيامٍ من العبد بحقيقة مدلولها ، وتطبيقٍ لأساسِ مقصودها ، من نفيِ الشرك ومن إثباتِ الوحدانية لله ، مع الاعتقادِ الجازمِ بما تضمنته من ذلك والعملِ به ، فبذلك يكونُ العبد مسلماً حقاً ، وإلا لم يكن من أهل هذه الكلمة .

ـ " لا إله إلا الله " تضمَّنت أن ما سوى الله ليس بإله ، وإن إلهيةَ ما سواه أبطلُ الباطل ، وإثباتَها أظلم الظلم ومنتهى الضلال { ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَـاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ }.

ـ "لا إله إلا الله" لها مدلول لا بد من فهمه ، ومعنى لا بد من ضبطه ، إذْ غيرُ نافعٍ بإجماع أهل العلم النطقُ بهذه الكلمةِ من غير فهمٍ لمعناها ولا عملٍ بمقتضاها ، كما قال جل وعلا { وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَـاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } قال أهل التفسير: "أي: إلا من شهد بلا إله إلا الله ، وهو يعلم بقلبه ما نطق به لسانه " .

ـ "لا إله إلا الله" لا تنفع إلا من عرفَ مدلولَها نفياً وإثباتاً ، واعتقد ذلك وعمل به ، فمن قالها وهو يصرف أنواعاً من العبادة لغير الله كالدعاء والذبح والنذر والاستغاثة والتوكل والإنابة والرجاء والخوف والمحبة ونحو ذلك مما لا يصلح إلا لله من العبادات فهو مشرك بالله العظيم ولو نطق بـ"لا إله إلا الله" .

ـ "لا إله إلا الله" معناها الحقُّ الذي جاء به محمد لا معبود بحق إلا إلهٌ واحد ، وهو الله وحده لا شريك له .

ـ "لا إله إلا الله" ليست اسمًا لا معنى له ، أو قولاً لا حقيقة له ، أو لفظاً لا مضمون له ، كما يظنُّه بعض الظانين الذين يعتقدون أن غايةَ التحقيقِ هو النطق بهذه الكلمةِ من غير إقامةٍ لشيء من الأصول والمباني ، أو أن معناها هو إثباتُ الربوبيةِ فقط .

ـ " لا إله إلا الله " اسمٌ لمعنى عظيم ، وقولٌ له معنى جليل ، حاصله : البراءةُ من عبادة كل ما سوى الله ، والإقبالُ على الله وحده طمعاً ورغباً ، إنابة وتوكلا ، هيبة له وإجلالاً ، محبة وخوفاً ، رجاءً وتوكلا ، دعاءً وطلباً .

ـ "لا إله إلا الله" كلمةُ التوحيدِ النقيِّ والعقيدةُ الصافية التي تخرج بها النفوس من ظلمات الجهل ، وتترفَّعُ بها عن أوحال الشرك ، وتتطهَّر بها من دنس الخرافات والأوهام .

ـ " لا إله إلا الله " لا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم ولا ترتفعُ ولا تُصبحُ لائقة بالإنسان إلا بـها ، تطبيقِا في الحياة كلها ، وبجوانبها جميعها ، فلا يعلوا شان الأمة الإسلامية ولا تنجو من مصائبها ولا تصبح في خَير حالاتها إلا حين تتلقَّى من "لا إله إلا الله" تصوراتها ومفاهيمها ، وقيمَها وموازينَها ، وشرائعَها وقوانينها ، ولن تبلغ الأمةُ عزّا أو تحصّلُ سعادةً إلا حين تحكّم المعانيَ الشاملة لهذه الكلمة في كل مجالاتها ، وتخضع لها في أمور الحياة كلها ، ولا يرتفع شقاءٌ عن الأمة ولا يزولُ همّ وغمّ يقع بها كما هو الآن ، إلا حينَ تستلهمُ منهجَ حياتها من "لا إله إلا الله" .

ـ " لا إلا الله " كلمة تقضي أن على الأمةِ السيطرةَ على النفوسِ وبواعثِها وغاياتها ، تعني توجيهَ المجتمعاتِ الإسلاميةِ في معاملاتِها وأنظمتِها ، تعني الهيمنةَ على الحياةِ في شتى ميادينِها وأنشطتها ، تقضي أن تُسْلِمَ المجتمعاتُ الإسلامية حكاماً ومحكومين الوجوهَ لله ، وأن ينقادوا لأوامره ، وأن يلتزموا ذلك في المنهج والعمل ، وَفقَ منهجٍ كاملٍ متكامل بكافة أنماط النشاط البشري ، على نور من الله ، ابتغاءَ مرضاة الله جل وعلا .

ـ " لا إله الله " من حقائقها أن تسيرَ أنظمةُ المسلمين في جوانبِ حياتهم السياسيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ وغيرها ، أن تسيرَ وَفق ضوابطِ هذا الدين ، ووفق تعاليمه وأهدافه ومقاصده ، كما أقام بذلك نبينا محمد دولةَ الإسلامِ العظمى .

ـ " لا إله الا الله " كلمةٌ توجب على الأمة جميعاً أن لا يحكموا في أيِّ شأن من شؤونهم أو حالٍ من أحوالهم أو نزاعٍ من نزاعاتهم مع إخوانهم أو مع غيرهم ، إلا بشرع الله وسنة رسول الله { فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } .
فمتى تراجعُ الأمةُ أوضاعَها ؟ ومتى تستفيق من غفلتِها ؟ ومتى تعلم أنها قد أسرفت على نفسها كثيراً بالبعد عن منهج الله وعن منهج رسوله ؟ متى يفيق قومٌ بَنوا نظامهَم الاقتصادي على الربا ، وأقاموا نظامهم القضائيَ على غير شرع الله ، بل على قوانينَ وضعيةٍ ودساتيرَ بشرية ؟ إلى متى الغلوُ الشديدُ في التعلقِ بالدنيا والاستغراقُ الكاملُ في الأهواء والشهوات ، والتسمكِ بالقشور والماديات ؟

فما أحوج المسلمين اليوم إلى من يردُّ عليهم اعتزازَهم بإيمانهم وثقتَهم بأنفسهم ورجاءَهم في مستقبلٍ مشرق ، تكون فيه كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر ، وكلمة الذين كفروا السفلى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

سلمان المالكي
  • مـقـالات
  • رفقا بالقوارير
  • المرأة والوقت
  • الخطب المنبرية
  • إلى أرباب الفكر
  • وللحقيقة فقط
  • الهجرة النبوية
  • فتنة الدجال
  • الصفحة الرئيسية