اطبع هذه الصفحة


10 حقائق للتأمل .. بمناسبة انتهاء عام على احتلال العراق

سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com

 
الحقيقة الأولى :
تعيش البشريّةُ اليومَ في عالمٍ يتجسَّد فيه حصادُ التمزّقِ والتشرذُم ، ويغيب عن كثيرٍ من أحواله منطقُ الحِكمة والعقل ، عالمٌ يمرُّ بمنعطفٍ تاريخيّ خطير ، اضطربَت فيه العلاقاتُ وانقلبَت لديه الموازين ، بُعدٌ عن الله جلّ وعلا ، ونسيانٌ لتعاليمِ الشرائعِ الصحيحةِ المنزّلة ، عالمٌ فيه المصالحُ الدنيويّةُ هي القائدُ والميزانُ المحرّك ، عالمٌ فيه المآربُ النفعيّةُ هي الغايَة التي تبرِّر الوسائلَ والتصرّفات ، عالمٌ فيه مبدأ القوّة والعلوِّ والتجبّرِ يعلو مبدأَ السلامِ والرّحمةِ والإحسانِ ، عالمٌ تُزوَّق فيه الشّرور والحروب بمصطلحاتٍ خادعةٍ موهومَة ، وتُنتَهك فيه الحقوقُ بمبادئَ مزعومةٍ زائفة { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادََ  }

الحقيقة الثانية :
تمر أمَّتُنا الإسلامية ولا تزال تمرّ بأيّامٍ عصيبةٍ وظروفٍ قاسيةٍ مريرة ، مهما أوتيَ القلَمُ من براعةٍ ومهما وصلت إليه البلاغةُ اللِسانيّة فلن تفيَ في تصويرِ الواقع المأساويّ الواقعِ في فلسطينَ الغاليةِ وأرض الرافدَينِ الحبيبةِ ومدينةِ السلامِ بغدادَ العزيزة ، ومعقِل أهل السنة والجماعة الفلوجة ، ممَّا يعتصِر معه قلبُ كلِّ مسلم ، وتذرف له عينُ كلّ مؤمن ، معاناةٌ عاشها ويعيشها مسلمون مدَنيّونَ أبريَاءُ لا عن وزرٍ عمِلوه ، ومآسي ذاقَها ويذوقها مؤمنون لا عَن إثمٍ وجُرم اكتسبوه ، دماءٌ طاهِرةٌ ذهبت هدَرا ، ونفوسٌ أُزهِقت ظلما وجورًا ، ومقدَّراتٌ لا تُحصى ضاعَت عبَثا ، واللهُ غالب على أمره ، فإليه الملجَأ والمشتَكى ، ورحِم الله النفوسَ المؤمنة ، وجعلها في عِداد الشّهداء ، وأحسنَ الله عزاءَ الأمّةِ الإسلاميّة جمعاء .

الحقيقة الثالثة :
لقد عاشت بعضُ بلدانِ المسلمين ولا زالت تعيشُ في كثيرٍ من البقاع تحتَ عالمِ الشّعارات الزائفة والنّزعات التّافهة والحزبيَّات القوميّة التي زعزعت الولاءَ لله ولرسوله ووهنَت معها أواصرُ الأخوّةِ الإيمانيّة واهتزّت فيها الروابِطُ العقائدية ، فأُقيمت أنظمةٌ على تركِ التناصُر بالإسلام ، بل طغَت أنظمتُها على كلِّ طريقٍ محمّديّ ونهجٍ نبويّ ، فماذا ـ يا تُرى ـ أكسبت لأصحابِها إلا ذلاًّ وهوانا ؟! وماذا جرّت على أمَّتها إلا خزيًا ودمارًا ؟! ماذا جنَت لأهلها إلا عارًا وصغارًا ، ولبلدانها إلا هلاكًا وبوارا ؟! ما جرّت تلك الحزبيّات والقوميّات إلا استباحةَ الحِمى ونهبَ الديار وسلبَ الخيرات ووقوعَ الأمّة في أزمات معنويّة ومِحنٍ ماديّة خانقة ؟! للهِ كم جنتَ تلك المناهجُ والأحزابُ البعيدةُ عن الإسلام ونظامه على الأمّة المحمديّةِ من ويلاتٍ وويلات ، تعجز الأقلام عن تسويدها ، ولا يسعُ الصحفُ عرضَها ، ولا تستطيع الذاكرة استيعابَها ، بسبَبِها تداعت على الأمّة الإسلاميّة سائرُ الأمم ، وتكالبت عليهم الشرورُ من كلّ حدب وصَوب ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، ولن تزالَ الأمّةُ كذلك حتى يُطهِّرَ الإيمانُ الحقيقيُّ قلوبَ أبنائها ، ويعيدَ التمسّكُ بالإسلام بناءها وتماسكَها ، وحتى تعُمّ أحكام الشريعة الإسلاميّة مناحيَ حياتها بشتّى جوانبها .

الحقيقة الرابعة :
الأمّة المحمديّة خيرُ الأمَم ، كريمةٌ عندَ ربِّها ، عزيزة عند خالقِها ، وما يصيبها من أزماتٍ ومِحن ما هي إلا سنّةٌ من سنن الله في الابتلاء والتَّمحيص { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ  } ويقول جل وعلا { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ  } فكم من مِحنة مرّت بها أمّةُ محمّد حملت فتوحاتٍ وإصلاحات ، وكم من مصائبَ نزلت بالأمّة كانت بها الاستفاقةُ من الغَفَلات ، مِحنٌ أظهر الله بها المنافقَ من المسلم والمؤمنَ من الكافر والصادقَ من الكاذب والمجاهدَ في الله من المجاهدِ في سبيل الشيطان ، محنٌ ظهر بها الولاءُ لله ومدى المحبّةِ لرسول الله .

الحقيقة الخامسة :
حالُ الأمّة اليومَ لا يخفى على أحَد ، مآسي بكلِّ المقاييس ، وآلامٌ ومصائبُ بكلِّ المعايير ، يعجز اللّسان عن تصوير واقعِها ، ويخفُق الجنانُ عند ذكرِها ، ويعْيَى البيان عن الإحاطةِ بها ، فعلى المسلمين جميعا ـ وهم تنزِل بهم النوازل وتقع بهم الوقائعُ ـ أن يعلَموا أنَّ مِن دروس الابتلاءات الحاجةََ إلى المراجعة والضّرورةَ إلى التّمحيص والإصلاح وتقييم المَسَار ، حقٌّ على الأمَّة كلِّها أن ينظُروا بجدٍّ وإِخلاص ، وأن يتبصّروا بصدقٍ في أسباب ما حلّ بهم وفي عوامل ما أصابَهم من خزيٍ وعار { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } .

الحقيقة السادسة :
إنَّ الأمّة يجب أن تعالجَ خللَها من واقعِ ثوابتِها ، وأن تصحِّحَ مسارَها الخاطئَ من منطَلِق أصولِها وتأريخها وحضارتها ، وإنَّ أولي الأولويّات التي حان لكلِّ الأمّة أن لا تغفلَ عنها هو أنَّ المسلمين حُكّامًا ومحكومين بحاجةٍ ماسّةٍ للرجوع إلى الله جلّ وعلا واللجوء إليه ، فذلكم هو النّور العاصِم من التخبّطِ والدّرعُ الواقي من الاضطِراب ، وإنَّ على حُكّام العالم الإسلاميّ أن يتَّقوا الله في أنفسهم ، ويستشعِروا مسؤوليّتهم نحوَ الاتّفاق على ميثاقٍ لإصلاح الأوضاعِ من رؤيةٍ إسلاميّة محمّدية ، وعلى تحمّلِ المسؤوليّةِ أمام الله جلّ وعلا ، والعملِ على بدء مرحلةٍ جديدة في العلاقات قائمةٍ على الصراحَةِ والوضوح والعقلانيّةِ والواقعيّة ، والحرصِ على تقويةِ القدرات الذاتيّة وتدعيمِها ، مع الالتزامِ بمبادِئ الأخوّة الإسلاميّة الصّحيحة والتّعاونِ الواجب في الدّفاع عن الدّين أوّلاً والأمّةِ ثانيًا ، وفقَ قاعدةِ الشّريعة { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى; وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } واللهَ اللهَ في الرّأي الحاذق والحِكمةِ المطلوبَة والعقلِ الراجِح حتى لا تقع سياسةٌ خرقاء ولا تصرّفات حَمقاء .

الحقيقة السابعة :
على الأمّة اليوم أن تستيقنَ أنَّه لا سنَد إلا سنَدُ الله ، ولا حول ولا قوَّة إلا به ، ولا ملجأ منه إلاّ إليه ، في محيطِ تثبيتٍ لا يتزعزع لعقيدَةِ التوكّل على الله ، وأنَّ الأمَّة مكفيّةٌ سوءَ البلاء ما استقامَت على أمرِ الله ، محفوظةٌ من كيدِ الأعداء ما اعتصَمَت بحدودِ الله ، أمّةٌ متى فقدَت الثقةََ بربِّها اضطربَت أحوالها وكثُرت همومُها وضاقت عليها المسالك وعجزَت عن تحمّل الشدائد ، فلا تنظرُ حينئذ إلاّ إلى مستقبلٍ أسود ، ولا تترقَّب إلا للأمَل المؤلِم { وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِراطٍ مّسْتَقِيمٍ } لا عِزَّ لهذه الأمّة ولا مَنَعةَ ولا سلطان ولا قوّةَ إلا بدين الله والالتزامِ بنهج كتابِ الله وسنّة رسوله وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـئَلُونَ يقول عبد الله بنُ رواحة : حانَ غزوة مؤتة وعددُ المسلمين ثلاثةُ آلاف ، وجيش الروم مائتا ألفِ مقاتل ، يقول عن الحقيقةِ الغائِبة عن كثير من المسلمين اليوم ( والله ، ما نقاتل الناسَ بعُددٍ ولا قوّة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلاّ بهذا الدين الذي أكرمَنا الله به ، فانطلِقوا فإنّما هي إحدى الحسنين: إمّا ظهورٌ وإمّا شهادة) .

الحقيقة الثامنة :
لقد حانَ الوقتُ أن يستيقنَ الحاكم والمحكومُ والعالِم والمتعلّم أنَّ ردَّ الأمّةِ إلى الجادّة وعودتِها إلى ريادتِها وقيادتها مسؤوليةٌ كبرى وأمانة عظمى ، يتحمّلها الجميع ، كلٌّ من موقعِه ، حان الوقتُ أن ندركَ أنَّ المجاملةَ لا تخدِم مصلحةً عامّة ، وأنَّ التغافلَ عن الإصلاحِ وعن تشخيصِ السلبيّات بموضوعيّةٍ وتجرّد لا يجرّ إلا شرًّا وفسادًا ، أليس في الأمّة وقائعُ غير سارّة ؟! صورٌ كثيرة من الضّياع وعدمِ المبالاة بأوامِر الله جلّ وعلا مناهجُ في حياةِ الأمّة مضطرِبة ، مظاهرُ في أبناء الأمّة مرفوضة ، انتشارٌ في أرض المسلمين للدّعوات السافرة والأفكار المنحلّة من عَلمانيّة وشيوعيّة وقوميّةٍ وإباحيّة ومظاهرِ زندقة ، أليس كتابُ الله وسنّة رسوله قد نُحِّيا في كثير من بلدان المسلمين عن الحكم والتحكيم في جميع المجالات والشؤون ؟! وصدق رسولنا حينما يقول " وما لم تَحْكم أئمّتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسَهم بينهم " ألم تفشُ في الأمة الأحقادُ والضغائنُ والتفرّقُ والتشتُّت ، فكانت نذيرَ هلاكها وسبيلَ فنائها والسلاحَ البتّار الذي ضرَب به الأعداءُ الأمّةَ لتُحرِق حاضرها ومستقبلها ؟! أليست ! الأمّة قد فرّطت في ما أمرَها بها ربُّها جلّ وعلا حينما قال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ } ونسيَت ما ألزمها به خالقها حينما قال { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ } ألم تقعِ الأمّة في خلطٍ الموازين وترتيبِ الأولويّات ، فأصبحت الوسائلُ لديها غايات ، والغاياتُ عندها منسيّات ؟! قدّمت المهمّ على الأهمّ والتحسيناتِ على الضروريّات والحاجيّات ، اهتمّت بالقشورِ واشتغلت الأمّة بتوافِه الأمور فسنة الله قاضيةٌ أنَّ كلَّ أمّةٍ تستبدل الضلالَ بالهدى وتتقاعَسُ عن العمل المثمِر النافع لا تزال في تقهقُر وانحطاطٍ وتلاشٍ واضمحلال في فكرها وقوّتها وسلوكها ، فلا بدَّ من عودةٍ صادقةٍ واستعادة لمواقع الصّدارة ومِقوَدِ القيادة ، لا بدَّ من تضافرِ الجهود في تربيةِ الأجيال على الاعتزاز المطلَق بدينها واستشعار عظمةِ رسولها .

الحقيقة التاسعة :
يجب المسلمين أن يَعُوّا منهجَ النظامِ الإسلاميّ العظيمِ في الحكم ، وأنّه نظامٌ يقومُ على تحقيق جلب المصالح العامّة والخاصة ودرءِ المفاسد الكليّةِ والجزئيّة ، نظامٌ يقوم على حِفظ أمور الدّين والدنيا ، قال شيخ الإسلام رحمه الله " يجِب أن يُعرَفَ أنَّ ولايةََ أمر الناس من أعظمِ واجباتِ الدّين ، بل لا قيامَ للدّين والدّنيا إلا بها ، فإنّ بني آدمَ لا تتمّ مصلحتُهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضِهم إلى بعض ، ولا بدّ لهم عند الاجتِماع مِن رأس... ـ إلى أن قال : ـ ولهذا روِي أنّ السلطانَ ظِلّ الله في الأرض ، ويقال : سِتّون سنةً بإمام جائرٍ أصلحُ من ليلةٍ واحدَة بلا سلطان... ـ ثم قال : ـ والتجربةُ تبيّن ذلك"، وقال رحمه الله : " وإن انفرَدَ السلطان عن الدّين أو الدّين عن السلطان فسَدت أحوال النّاس" .

الحقيقة العاشرة :
لقد انخدَع كثير من العالَم بعباراتٍ مزوّقة ومصطلَحاتٍ زائفة فقالوا عن الإسلام بهتانًا وزورًا ، وعكسوا الأمورَ ، وقلبوا الحقائق ، مصطلحاتٌ يُصدّرها الأعداءُ ويقبَلها الأغبياء ، أينَ من يسِم الإسلامَ بالإرهاب عن الواقِع الحالي الذي دار ويدور في أرض العراق وفي الأيام القليلة الماضية ، ضرب للمدنين ، قتل للأطفال ، ذبح للكبار ، تشريد للنساء ، إرهاب للعامة ، تقتير في المآكل والمشارب والخدمات العامة ، إحصار ومنع التجول في أنحاء كثيرة من العراق ، أين أولئك الحاقدون على الإسلام ليقارِنوا بين هذا الواقِعِ وأمثاله وبين تعاليمِ الإسلام وتأريخ الإسلام ؟! فمَن هو أولى بالإرهاب إذاً ؟! ومَن هو الفائزُ بحقوق الإنسان حينئذ ؟! التاريخ خيرُ شاهد ، والواقع أصدق برهان { وَإِنَّا أَوْ ِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ  }
 

سلمان المالكي
  • مـقـالات
  • رفقا بالقوارير
  • المرأة والوقت
  • الخطب المنبرية
  • إلى أرباب الفكر
  • وللحقيقة فقط
  • الهجرة النبوية
  • فتنة الدجال
  • الصفحة الرئيسية