اطبع هذه الصفحة


لطيفة : لماذا أورد مسلم في صحيحه «لا يستطاع العلم براحة الجسم» ؟

عبد الرحمن بن صالح السديس

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا أثر لطيف معناه شريف خرجه مسلم في الصحيح، فقال:
حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال: سمعت أبي يقول:
« لا يستطاع العلم براحة الجسم » .
الصحيح :أوقات الصلاة رقم (612) .

قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ شرحه على الصحيح: 5/113 ـ:
قوله عن يحيى بن أبي كثير قال: « لا يستطاع العلم براحة الجسم » جرت عادة الفضلاء بالسؤال عن إدخال مسلم هذه الحكاية عن يحيى مع أنه لا يذكر في كتابه
إلا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم محضة ، مع أن هذه الحكاية لا تتعلق بأحاديث مواقيت الصلاة ، فكيف أدخلها بينها ؟
وحكى القاضي عياض ـ رحمه الله تعالى ـ عن بعض الأئمة أنه قال: سببه أن مسلما ـ رحمه الله تعالى ـ أعجبه حسن سياق هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عمرو ، وكثرة فوائدها، وتلخيص مقاصدها، وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام، وغيرها، ولا نعلم أحدا شاركه فيها ، فلما رأى ذلك أراد أن ينبه من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا، فقال: طريقه أن يكثر اشتغاله، وإتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم . هذا شرح ما حكاه القاضي.وانظر: إكمال إكمال المعلم 2/302.

وذكره السيوطي في الديباج على مسلم 2/266 ـ ثم قال ـ قلت:
وقد أخرجه ابن عدي في الكامل بزيادة، ولفظه : سمعت أبي يقول: كان يقال: « العلم خير من ميراث الذهب، والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ، ولا يستطاع العلم براحة الجسم »اهـ.انظر: الكامل لابن عدي 4/215 ، وحلية الأولياء 3 /66.

قلت: قد قالها ـ أيضا ـ الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم ـ رحمه الله ـ :
قال: كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل النسخ والمقابلة ، قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام ، وكاد أن يتغير ، فأكلناه نيئا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه، ثم قال: « لا يستطاع العلم براحة الجسد ».سير أعلام النبلاء 13/266 وتذكرة الحفاظ :3 /830 .

بدأت الإجازة، فاحذر يا طالب العلم أن يكون همك، أو معظم وقتك لراحة الجسد.

قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ : اعلم أن الراحة لا تنال بالراحة ، ومعالي الأمور لا تنال بالراحة ، فمن زرع حصد ، ومن جد وجد.
تفانى الرجال على حبها ** وما يحصلون على طائل .

أخي الموفق
هذه الإجازة غنيمة عظيمة، فانتبه لوقتك أن يضيع فيما لا ينفع.
احرص على نفع نفسك بالتزود من العلم، ونفع الناس في نشره لهم .


 

عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية