اطبع هذه الصفحة


مسائل مختصرة تهم المسافرين في الجمع والقصر

عبد الرحمن بن صالح السديس

 
 بسم الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، وخاتم أنبيائه، محمد وآله وسلم. أما بعد:

فهذه مسائل متعلقة بأحكام صلاة السفر ذكرتها مجردة عن الدليل والتعليل غالبا، واقتصرت على ما ظهر لي أنه الراجح من أقوال العلماء، وبعضها مجمع عليه، وبعضها قول جمهور العلماء، وبعضها قولُ بعض المذاهب الأربعة، أو قولٌ فيها، واختيار بعض الأئمة كابن تيمية.
وراعيت سهولة العبارة قدر الإمكان، وذكرت بعض الأمثلة= ليسهل فهم المراد؛ لأنها موجهة للمسلم العادي لا لطلبة العلم.

1-
ما هو السفر الذي يجوز لك أن تجمع فيه وتقصر؟
ليس في القرآن ولا في السنة تحديد لـ (السفر) لا في مسافته ولا في مدته؟
لهذا اختلف العلماء فيه، فمنهم من حدد للسفر مسافة معينة، ومدة معينة.
والأصح أنه يرجع فيه للعرف، فما دام المكان المقصود يعتبره أهل بلدك (سفرا)، ويسمى الذاهب إليه (مسافرا)= فلك رخص السفر: كجمع الصلاة وقصرها.

2-
إن شككت في المكان الذي ستذهب إليه، هل يعتبر سفرا أو لا؟ = فلا تقصر؛ فالأصل أنك مقيم، واليقين لا يزول بالشك، والأصل بقاء ما كان على ما كان.

3-
إن شككت في الزمان الذي ستمكثه في خروجك من بلدك لبلد آخر، هل يجعلك في حكم المقيمين أو تبقى مسافرا، فالأصل أنك مسافر.

4-
إن اختلف أهل العرف في المكان هل يعتبر سفرا أو لا؟ فلا بأس بالأخذ بقول الفقهاء الذين حددوا ذلك بـ 80 كيلو.

5-
عند النظر للبعد بين البلاد، فالمعتبر: الحساب من طرف البلد إلى طرف البلد الآخر، وليس من بيت المسافر ولا من وسط البلد.

6-
المغتربون للعمل والدراسة لعدة أشهر أو أكثر، لهم رخص السفر في الطريق ذهابا وعودة، أما في مكان الدراسة والعمل فلهم حكم المقيمين.

7-
من سافر إلى بلد لحاجة لا يدري متى تنتهي أفي يوم أو أسبوع أو شهر، لكنه لا ينوي الإقامة بل متى انتهت حاجته غادر= فله أن يترخص برخص السفر ولو طالت المدة جدا.

8-
يستحب لكل مسافر أن يقصر الصلاة، حتى لو كان سفره للنزهة أو البر.

9-
يستحب للمسافر الجمع إن احتاج له؛ كالسائر في الطريق، أما إن كان غير محتاج للجمع= فالأفضل أن يصلي كل صلاة في وقتها قصرا.

10-
ولو جمع المسافر= فلا حرج عليه، والقاعدة: أنه إذا جاز القصر= جاز الجمع، ولا عكس.

11-
للمسافر أن يجمع جمع تقديم أو تأخير، ويفعل الأرفق به.

12-
يستحب للمسافر أن يؤذن للصلاة، وإن جمع الصلاتين أذّن أذانا واحدا ثم يقيم لكل فريضة.

13-
تبدأ أحكام السفر إذا فارق آخر بيوت بلده، قاصدا مكانا يعتبر سفرا، ويستمر حكم سفره حتى يدخل إلى بلده عائدا.

14-
لهذا لا يجوز أن يجمع أو يقصر الصلاة وهو في بلده ثم يسافر بعدها؛ لأنه لا بد من الخروج عن البلد.

15-
يجوز لمن كان مسافرا من أهل الرياض ـ مثلا ـ أن يقصر الصلاة ويجمعها وهو عائد إلى بلده ما لم يدخل حدود البلد.

16-
فلو جمع الصلاتين في وقت الأولى وقصر، ثم وصل إلى بلده قبل دخول وقت الثانية= فصلاته صحيحة ولا يلزمه أن يعيد الثانية.

مثال : أذّن الظهر قبل أن يصل إلى بلده بـ 30 كيلو، فصلى الظهر والعصر جمعا وقصرا، ثم وصل إلى بيته قبل أذان العصر بساعتين= ففعله صحيح، ولا يعيد العصر في بلده.

17-
المعتبر في رخص السفر: نية السفر مع مفارقة البلد، فلو خرجت من البلد وقصرت الصلاة، ثم غيرت رأيك وتركت السفر وعدت= كان ما صليته صحيحا.

18-
إذا دخل وقت الصلاة [أي: أذّن] وأنت في البلد، ثم سافرت= فلا يلزمك إتمام الصلاة؛ بل يستحب لك القصر، ولك أن تجمعها مع ما بعدها؛ كالظهر مع العصر.

مثال: أذّن الظهر أو المغرب وأنت في بيتك وتنوي السفر بعد بساعة، أو أذّن وأنت في الطريق لكن داخل البلد= فلك أن تؤخر الصلاة وتصليها جمع تأخير بعد الخروج من البلد.

19-
إذا أردت السفر فإنه يجوز لك قصر الصلاة وجمعها في المطار، وكذلك إن كنت عائدا إلى بلدك، بشرط إن يكون المطار خارج البلد.

20-
إذا كنت ستسافر في الطائرة؛ فإذا دخل وقت الصلاة؛ فصلِّ في المطار واجمع إن كانت الصلاة تجمع، وإذا كنت ستصل للبلد الآخر قبل خروج وقتها أو قبل خروج وقت الصلاة الثانية المجموعة معها= فلك تأخير الصلاتين وتصليهما جمع تأخير.

21-
وإن لم تُصلِّ في الأرض= فلك أن تصلي في الطائرة إن استطعت الإتيان بالأركان: القيام والركوع والسجود، واستقبال القبلة؛ وإلا فعليك تأخير الصلاة حتى تصل إلى الأرض، إن كنت ستصل قبل خروج الوقت.

22-
أما إن كنت لا تصل إلى الأرض إلا بعد خروج الوقت كما في الرحلات الطويلة المدة= فتصلي في الطائرة مع الإتيان بالأركان والقبلة؛ فإن لم تستطع فتصلي= حسب قدرتك.

23-
إذا ركبت الطائرة وشرعت في الصلاة، ثم مرت فوق بلدك، فلا يلزمك الإتمام، ولا ينقطع حكم سفرك.

24-
يجوز أن يجمع ويقصر حتى ولو لم ينو الجمع أو القصر عند ابتداء الأولى.

25-
ذكر جمع من العلماء أنه إذا اجتمع مقيم ومسافر، فالأولى أن يتولى الإمامة المقيم.

26-
إذا صلى المسافر خلف المقيم وجب عليه الإتمام إذا أدرك مع الإمام ركعة فأكثر، أما إذا لم يدرك معه إلا أقل من ركعة= فلا يلزمه الإتمام.

27-
إن أدرك المسافر مع الإمام ركعة أو ركعتين ولا يعلم هل الإمام مسافر أو مقيم كما في مساجد المحطات في أطراف المدن والطرق= فله أن يقصر.

28-
إذا كان المقيم يصلي المغرب والمسافر يصلي معه العشاء؛ فيجوز له القصر، فإذا قام الإمام للثالثة= نوى الانفراد وأتم تشهده وسلم.
أو يبقى جالسا وينتظر الإمام ثم يسلم معه.
أو يتابع الإمام حتى يسلم ثم يأتي بركعة بعد السلام فيكون صلى أربعا كصلاة المقيمين.

29-
إذا صلى المسافر المغرب خلف إمام مقيم يصلي العشاء، فإذا قام الإمام للركعة الرابعة؛ فعليه أن ينوي الانفراد عنه ويتشهد ويسلم ـ وهو أولى ـ، ثم إن شاء دخل معه مرة أخرى بنية العشاء.
وله أن يبقى جالسا؛ فإذا جلس الإمام للتشهد= تشهد وسلم معه.

30-
قال الإمام ابن عبد البر: أجمعوا على تخفيف القراءة في السفر.

31-
الأفضل لجماعة المسافرين ألا يصلوا مع المقيمين في الصلوات التي تقصر (الظهر والعصر والعشاء ) ليقصروا؛ فالقصر سنة.

32-
أما صلاة الجمعة؛ فالأفضل للمسافرين الذين في البلد أن يحضروها، لما فيها من الفضائل والاجتماع، نص على ذلك جماعة من العلماء.

33-
أما إن كان المسافر وحده وهو في البلد= فيجب عليه أن يصلي مع الجماعة، ولا يجوز له التخلف عن الجماعة من أجل القصر؛ فالجماعة واجبة، والقصر سنة، وكذلك الحكم في الجمعة.

34-
اختلف المتأخرون من العلماء في جمع المسافر صلاة العصر مع صلاة الجمعة، والأصح أنه يجوز الجمع؛ فالجمعة بدل عن الظهر تقوم مقامها.

35-
يظن بعض الناس أنه لا يجوز للمسافر أن يقصر صلاة الظهر يوم الجمعة ولا يجمعها مع العصر؛ بل يجب عليه أن يصليها أربعا بلا جمع! وهذا اعتقاد غلط، ليس له أصل في الشرع ولا في كلام العلماء.

36-
إذا لم تتيسر للرجل جماعة فليصلِّ بامرأته، وتصفّ خلفه، ويكون له حكم الجماعة.

37-
يستحب للمسافر أن يصلي سنة الفجر والوتر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها وهو مسافر.

38-
لو نوى الجمع وهو عائد من سفره، ثم وصل بلده وهو لم يصلِّ؛ فإنه لا يقصر. مثاله : رجل عائد من سفر، وهو في الطريق أذّن الظهر، فنوى أن يجمع جمع تأخير في بيته، فوصل منزله العصر، فإنه يصلي الظهر والعصر جمعا بلا قصر؛ لأن سفره انتهى بدخوله البلد.

39-
ويجوز له الجمع؛ لأنه وصل البلد بعد خروج وقت الظهر؛ وهو مسافر.

40-
لكن لو وصل إلى بلده في وقت الظهر= فقد انتهى حكم سفره، ويجب عليه أن يصلي الظهر في وقتها، ولا يجوز تأخيرها وجمعها مع العصر.

41-
من كان مقيما في مكة، وله بيت آخر في أبها ـ مثلا ـ ، يذهب إليه في الإجازات= فإذا ذهب لأبها= فحكمه كغيره من المسافرين، وملك البيت لا يؤثر على حكمه، ولا يجعله كأهل أبها.

42-
يجب على المسافر أن يعتني بالقبلة؛ فإن كان في بلد للمسلمين؛ فإنه يستدل على القبلة؛ إما بسؤالهم، أو بالنظر إلى المساجد.

43-
وليس له أن يجتهد في البلد؛ فإن صلى في بلدٍ إلى غير القبلة= لم تصح صلاته، ويجب عليه أن يعيد الصلاة.

44-
أما إن كان في البر أو الطريق ولا يوجد من يخبره عن القبلة؛ فيجتهد في معرفة القبلة بالنظر في الشمس أو القمر أو النجوم أو استخدام الأجهزة، ثم يصلي.

45-
فإن تبين له بعد الصلاة أنه لم يكن إلى اتجاه القبلة= فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة.

46-
لا يجوز للمسافر أن يتيمم مع علمه بوجود الماء في طريقه، ويمكنه الوصول إلى الماء قبل خروج وقت الصلاة.

47-
إذا نسيت صلاة من صلاة الحضر ثم ذكرتها وأنت مسافر، أو نسيت صلاة في سفرك ثم ذكرها في الحضر= وجب عليك الإتمام في الحالتين.

48-
(غلط منتشر) يظن بعض الناس أن المسافر إذا أراد الجمع؛ فإنه لا بد أن يصلي في أول وقت الأولى؛ فإن لم يصلِّ فيه؛ فلا يحل أن يصلي حتى يدخل وقت الثانية، وهذا غلط، وليس له أصل؛ فالظهر والعصر إذا نوى جمعهما= فإن وقتهما يتحد؛ ولا فاصل بين الوقتين، وكذلك المغرب والعشاء.
ويجوز له أن يصلي كيف شاء في الوقت الذي اتحد.
مثال: يؤذن المغرب الساعة 5 ويؤذن العشاء 6.30 ويخرج وقت العشاء الساعة 11 فمن الساعة 5 إلى 11 وقت للصلاتين وأنت مخير تصلي الساعة: 6 أو 7.30 أو 8 أو 8.40 أو 9.20 أو 10.10، المهم أن تصلي المغرب والعشاء بين الساعة 5-11.

هذا، والله أعلم، وصلى الله على عبد الله ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

كتبته في ربيع الأول 1428، ثم أضفت له وزدت ونقصت في شوال 1435

 

عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية