اطبع هذه الصفحة


مسائل في صيام ست من شوال: فضلها وصحتها ونيل فضيلتها قبل القضاء وعدم وجوب تبييت النية لها من الليل

عبد الرحمن بن صالح السديس
‏@assdais

 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم تسليما، أما بعد

فهذه مسائل في صوم ست من شوال


فضلها وحث النبي صلى الله عليه وسلم عليها


* عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر». رواه مسلم وغيره.

* روى الإمام أحمد عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة» وفي لفظ ابن خزيمة: «وصيام الستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة». ورواه ابن ماجه والدارمي والنسائي في الكبرى، وصححه أبو حاتم الرازي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم.

* وفي هذا الباب حديث لأبي هريرة وجابر بن عبد الله وشداد بن أوس.

= قال الإمام ابن المبارك رحمه الله: هو حسن، هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر. ذكره الترمذي.

هل صام النبي صلى الله عليه وسلم الست من شوال؟


* في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «كان يصوم حتى يقال: قد صام، قد صام، ويفطر حتى يقال: قد أفطر، قد أفطر».

* وفي لفظ للبخاري عنه: «ما كنت أحب أن أراه من (الشهر) صائما إلا رأيته، ولا مفطرا إلا رأيته ولا من الليل قائما إلا رأيته، ولا نائما إلا رأيته».

* وفي الصحيحين عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم».

* وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم».

* وقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد أن تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما قال: «أي يومين؟» قال: قلت: يوم الاثنين، ويوم الخميس. قال: «ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين.. ». رواه أحمد والنسائي، وهو حديث حسن.

= فهذه الأحاديث تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر نصفه تقريبا، ومن صام نصفه= فقد صام الست وزيادة قطعا.

هل يبادر بصوم الست بعد العيد مباشرة؟


قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني في «مصنفه»: «سألت معمرا عن صيام الست التي بعد يوم الفطر، وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم؟ فقال: معاذ الله إنما هي أيام عيد وأكل وشرب.. ».

قال راوي المصنف: «وسألنا عبد الرزاق: عمن يصوم يوم الثاني؟ فكره ذلك، وأباه إباء شديدا». اهـ

= عبد الرزاق عالم اليمن وحافظها، وهو من شيوخ الإمام أحمد، ومعمر بن راشد من كبار الأئمة.

وفي «مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية» للبعلي: «وكره بعضهم صوم الست من شوال عقب العيد مباشرة؛ لئلا يكون فطر يوم الثامن كأنه العيد، فينشأ عن ذلك أن يعده عوام الناس عيدا آخر».

وذكر نحو هذا المعنى بعض فقهاء المالكية وغيرهم.

وبعض فقهاء الشافعية والحنابلة يستحب المبادرة بها بعد العيد، ويرون أنها من المسارعة لفعل الخير.
وكأن الأول أحسن خصوصا إذا كان هناك لقاءات واجتماعات وزيارات، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لِزَوْرِك عليك حقا».
الزور: الزائر، الذي يزورك.

هل يصح صيام الست وغيرها من النوافل قبل القضاء؟


* يصح التطوع بالصيام قبل القضاء من غير كراهة عند الحنفية،
والمالكية والشافعية ورواية للحنابلة يرون صحة التطوع قبل القضاء لكن مع الكراهة،
وفي رواية للحنابلة أنه لا يصح التطوع قبل القضاء.
= لهذا يقال: يستحب أن يبدأ من عليه قضاء من رمضان بالقضاء قبل التطوع؛ لأنه أولى وأبرأ للذمة.

هل تحصل فضيلة صيام الست من شوال لمن صامها قبل القضاء؟


احتج من قال بأنها لا تحصل الفضيلة إلا بعد صوم القضاء بلفظ «ثم أتبعه» فقالوا: من قدم الست قبل القضاء= لم يصدق عليه أنه صام رمضان (ثم أتبعه) بست من شوال؛ لأنه لم يتم رمضان بعد، فلا تحصل الفضيلة، واشتهر هذا القول في المعاصرين.

وهذا القول فيه نظر، والفضيلة تحصل بصومها ولو أخر القضاء؛ لأنه في عدد من روايات حديث أبي أيوب وثوبان: «وستا من شوال»، «ستة أيام بعد الفطر»، وألفاظ روايات هذه الأحاديث مختلفة؛ مما يقطع به أن أكثرها مروية بالمعنى، وليس لأحد أن يأخذ لفظا منها ويحتج به مع أن غيره من الألفاظ يخالف دلالته، والواجب حينها أن ينظر في قرائن الحديث الأخرى..

وحين تنظر في القرائن الأخرى= تجد في حديث ثوبان الصحيح: «صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام الستة أيام بشهرين= فذلك صيام السنة».

وتجد مثل هذا التعليل في الفضل في صيام الثلاثة الأيام من كل شهر الذي في الصحيحين: «صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر».

وتجد أن هذا المعنى في كتاب الله قال تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).

= فإذا صام الست ثم قضى ما عليه بعد شوال= صدق عليه أنه صام رمضان وصام ستا من شوال، والحسنة بعشر أمثالها= فيحصل له هذا الفضل.

وليس للقول بأنها لا تصح الفضيلة حتى يقضي رمضان معنى معقول تبطل به دلالة هذه النصوص المحكمة، وإنما هو تمسك بظاهر رواية مما روي.

بل قال بعض العلماء إن الفضيلة تحصل ولو صامها في غير شوال


قال القرطبي المالكي في «المفهم»: «قال بعض علمائنا: لو صام هذه الستة في غير شوال لكانت إذا ضمت إلى صوم رمضان= صيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، كما ذكره في الحديث، وإنما خُص شوال بالذكر= لسهولة الصوم فيه إذ كانوا تعودوه في رمضان».

وقال القرافي المالكي في «الذخيرة»: «واستحب مالك صيامها في غيره خوفا من إلحاقها برمضان عند الجهال وإنما عيّنها الشرع من شوال للخفة على المكلف بسبب قربه من الصوم، وإلا فالمقصود حاصل في غيره؛ فيشرع التأخير جمعا بين مصلحتين».

وقال ابن مفلح الحنبلي في «الفروع»: «ويتوجه احتمال: تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال، وفاقا لبعض العلماء، ذكره القرطبي، لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها، كما في خبر ثوبان، ويكون تقييدُه بشوال ـ لسهولة الصوم لاعتياده ـ رخصةً، والرخصة أولى».

وقال علي القاري الحنفي في «مرقاة المفاتيح»: «لا يخفى أن ثواب صوم الدهر يحصل بانضمام ست إلى رمضان، ولو لم يكن في شوال فكان وجه التخصيص المبادرة إلى تحصيل هذا الأمر، والمسارعة إلى محصول هذا الأمر، ويدل على هذا المعنى الذي ذكرناه حديث ابن ماجه الذي قدمناه». (يعني حديث ثوبان).

وذكر هذا المعنى غيرهم من أهل العلم.

وقد ذكر طائفة من فقهاء الشافعية أن صيامها في شوال فضله= «كصيامها فرضا، وإلا فلا يختص ذلك بصوم رمضان وستة من شوال؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها». وكذا بعض متأخري الحنابلة.
وهو إقرار منهم بأنه لا فرق بين شوال وغيره، إلا بدعوى أن لها فضل الفرض، ولم يذكروا دليلا أنها كالفرض.

ويلزم من تمسك بظاهر (ثم أتبعه) من الفقهاء المعاصرين= أن يتمسك بظاهر (صام رمضان) لأن من أفطر يوما لعذر= لم يصم رمضان ولو قضاه؛ لأنه ما صام (كل رمضان)، فيفوته هذا الفضل، لكنهم تركوا هذا الظاهر، وقال به طوائف من فقهاء الشافعية المتأخرين.

هل يلزم تبييت النية من الليل لنيل فضيلة النفل المقيد كصيام ست من شوال؟


تحصل فضيلة صيام ست من شوال، ولو لم تنوِ إلا من وقت الضحى، إذا لم تكن فعلت مفطرا قبل ذلك= وتكون صمت صوما (شرعيا صحيحا)= فيصدق أنك صمت (يوما) من شوال، وتكون مطبقا لما جاء في الحديث: «من صام رمضان وستا من شوال».

وقد اختلف العلماء في مسألة تبييت النية،


فذهب الحنفية إلى أن كل أنواع الصوم لا يلزم لها تبييت النية من الليل إلا الواجب الذي لم يتعين زمانه كالقضاء والكفارات.
وعكسهم المالكية فقالوا كل أنواع الصوم يلزم لها تبييت النية من الليل.
وأما الشافعية والحنابلة فيفرقون بين الصوم الواجب والصوم المستحب، فيرون وجوب تبييت النية من الليل للصوم الواجب، وأما الصوم المستحب= فلا يلزم له تبييت النية من الليل.
لكنهم لم يفرقوا بين نفل مطلق ومقيد، فكل أنواع الصوم المستحب يصح بنية من الضحى، ويُنال الفضل المرتب عليه، ولا (تكاد) تجد التفريق بين النفل المطلق والمقيد إلا عند بعض المعاصرين، وهو تفريق ضعيف.

والخلاصة أن صوم الست لا يلزم له تبييت النية من الليل عند جماهير العلماء.

* عند الشافعية والحنابلة أن المتطوع بالطاعات كالصلاة والصوم... أمير نفسه؛ إن شاء أكمل فعلها ـ وهو الأفضل ـ ، وإن شاء قطع؛ إلا الحج والعمرة؛ فإنه يلزمه إتمامهما إذا شرع فيهما.
وخالفهم الحنفية والمالكية فقالوا يلزم إتمام التطوع. والقول الأول أصح وأدلته أقوى.

* من دخل في قضاء رمضان= لم يجز له قطعه بلا عذر ـ والعذر كالسفر والمرض ـ؛ قال ابن قدامة والمجد ابن تيمية: «بلا خلاف». كذا قالا.
ولكن للشافعية قول بالجواز، وجعلوه كالمسافر يشرع في الصوم ثم يفطر، لكن الأصح عند الشافعية هو القول بالمنع، كالمذاهب الثلاثة: الحنفية والمالكية والحنابلة.

والله أعلم، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم.

2 شوال 1435هـ

 

عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية