اطبع هذه الصفحة


مناقشة لقول القائل: إن الفضل المرتب على صوم النفل المقيد لا يحصل إلا إذا نواه من الليل

عبد الرحمن بن صالح السديس
@assdais

 
 بسم الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وسلم أما بعد
فاشتهر عند جمع من الفضلاء المعاصرين التفريق بين صوم النفل المطلق والمقيد، وأن النفل المقيد لابد أن ينوى من الليل لحصول الثواب المرتب عليه، فمثلا: صيام ست من شوال وعرفة وعاشوراء لا ينال فضلها إلا إذا عقد نية الصوم من الليل.

لماذا؟ قالوا: لأنه لا يكون صائما اليوم كاملا إلا إذا نوى الصوم قبل الفجر، أما لو عقد النية أثناء النهار، فيكون فاته بعض اليوم ويكون أجره من بداية نيته، فلا يكون صام يوم عرفة ولا عاشوراء كاملا.

فلما قيل لهم: من قال بهذا القول من الأئمة السابقين والفقهاء المعتبرين ولم يجدوا قائلا مسمى قال بهذا= قال بعض فضلائهم: هذا القول هو مقتضى مذهب الحنابلة، إذ المنصور عندهم: (أن الصوم الشرعي المثاب عليه يكون من وقت النية)؛ وإن لم يذكروا مسألتنا هذه.

قيل: عدم الذكر= دليل على ضعف هذا الإلحاق، إذ تفريع الفقهاء ونصهم على ما هو دونها= أكثر من أن يذكر.

ثم يقال: حتى لو قيل بكون الصوم الشرعي المثاب عليه يبدأ من وقت النية (1)، فإنه لا يلزم من ذلك ألا يحصل الفضل المرتب على (مجمل العمل)، بل اشتراطه هنا تحكم وتحجير لفضل الله تعالى، وشبيه بهذه المسألة:

حصول فضل الجمعة لمن أدرك ركعة منها، وحصول فضل الجماعة من لمن أدرك ما قبل سلام الإمام -أو ركعة على القول الآخر- ولم يقل أحد في المذهب أن من لم يدخل مع الإمام من أول صلاته= فاته فضل الجماعة 27 درجة -وإنْ كان من أدرك الصلاة من أولها أفضل ممن فاته بعضها- وقل مثله في من فاتته تكبيرة من صلاة الجنازة= فله الثواب المرتب للجنازة، وكذلك من حج فجاء لعرفة مباشرة ولم يطف طواف القدوم= فله الثواب المرتب للحج..

فإن قيل: إدراك الجمعة والجماعة يحصل بإدراك هذا الجزء منها= فكذلك ترتب الفضل.
فيقال: وكذلك الصوم، يحصل إدراكه إذا نوى من النهار -ولم يكن فعل مفطرا قبل ذلك-= فكذلك ترتب الفضل.
فلم اشترطتم هنا لحصول الفضل أن يدركه من أوله ولم تشترطوه في مثيلاتها؟

فإن قالوا: لأن الفضل جاء لمن صام (يوم) عرفة و(يوم) عاشوراء و(ستا) من شوال.
وهذا ما صام (يوما) بل صام (بعض يوم).

فيقال: من صام يوم عرفة من أثناء النهار، فإن الشريعة صححت صومه، ويقال له: صام يوم عرفة؛ لا يقال صام نصف عرفة؛ إذ ليس في الشريعة صوم نصف يوم ولا ربعه، ولا يقال كذلك: له نصف الفضل ولا ربعه.
وكذلك في الست من شوال، لا يقال: صام 5 أيام ونصف لمن صام يوما منها من أثناء النهار، ويقال له: لو صمت نصف يوم= كمل لك الفضل، أو إذا صمت بعض عرفة القادم= كمل لك الفضل!

وكون من صام من أول النهار أفضل= لا يعني أن هذا فاته الفضل المرتب عليه.
كما قيل في شأن الجمعة والجماعة والجنازة.
والله أعلم.


------------------------------
(1) القول الآخر في مذهب الحنابلة: أن له الأجر من أول النهار، وهو المنصور عند الشافعية، ومذهب أبي حنيفة.


٣/ شوال ١٤٣٨

 

عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية