هي مهنة لا يحسنها الكل …
ذلك أن محاورها وأسسها تبنى على امتيازات تمنحها النفس السقيمة لصاحبها، فتعطيه
الحق لممارسة فن غريب من نوعه ، ركيزتاه الأساسيتان :
الكذب على النفس في البداية .. ومن ثم
المرحلة الانتقالية والمتمثلة: بالكذب على الغير !!
وأمثال هؤلاء نجدهم يبحرون في بحر من المتناقضات لا ساحل له ، وييممون وجهتهم
نحو مرتع خصب من الحيل النفسية ... فيرغمون أنفسهم على اختيار الظلام رغم أن
النور قد أحاط بهم ( ومن لم يجعل الله له من نور فماله من نور ) .
والناظر لمجتمعاتنا العربية يجد أن فئاماً منها تشبعت بهذا المفهوم، ابتدءاً من
حكامها، ومروراً بأرباب فكرها، وانتهاءاً بفردها العادي . فأخذوا الجانب
الإبداعي من هذه المهنة فأبدعوا في صنع الوهم ، فتشكل بصور شتى :
فحاكم صنع الوهم لنفسه وأدلى به لغيره .. فأصبح هو للتجديد عنوانا ، وأخذ
المنبهر يردد مع الجموع هتافات التلبية المعممة : من الخليج الثائر إلى المحيط
الهادر ... فكان أن انكشف الوهم وصار النتاج الذل والهوان .
وآخر أوهم نفسه أنه بالبطش والتنكيل والتهديد ؛ سيورث الخضوع ، وليس إلا صوته
المسموع !!
فعربد وأزبد .. وتوعد وهدد ، وظن المسكين أنه فلح ونجح ، وماعلم أنه لو كانت
الغلبة تورث بالصراخ والصياح لكانت الحمير أحق بها من بني البشر .
وآخر زين لنفسه حماسة مرتجلة ، وإباء مصطنع .. فصد نفسه عن الفطرة وتمرد ،
واهماً بأن الحرية لاتنال إلا هكذا ، فجثم على صدر الأمة قسراً وكرهاً ، يقودها
إلى الإباحية ، والإسفاف والمجون بدعوى الحرية الشخصية ، والرقي الفكري !!
فإن نصح ناصح قيل : رجعي ، وإن اعترض مسلم قيل : متطرف ... كأن الصواب لهم
محتكر ، أو قد قيدت لهم الرقاب ؟!
والصور الأخرى أكثر واكثر ...
وبالعموم :
أوهام الجاهليين هي التي تجفلهم وتعيشهم في حياة صاخبة مضطربة ، لذلك لا يهدأ
لهم بال ، ويحرمون السكينة التي كان لهم أن يقيسوا أمور الحياة وفق منطق
بدهياتها .
فمهلاً.. مهلاً يا صناع الأوهام .