همس بأذني أحد الأحبة : هل عايدته ؟
فتمطى لسان حالي صهوته ، ومن خلفه لسان المقال ؛ ليعبران عما جاش في الصدر ،
واختلج في الفؤاد … ليصدح قائلا :
إيهٍ لك أيها الشجاع الأبي .. عاندت الأصنام واهززت كبرها ، فخضعت وأذعنت ومادت
لك مضطربة إثر تكبيراتك المتتالية :
وتعالى التكبير : يا سدة
الأصنام *** ميدي ، ويا علوج تنــائي
فالصلاة الطهور عالية الأصداء *** جوابة … بكل فضـــــــــاء
هوت الجاهلي ، فاهتز إنســــانا *** ثابت العزم ، مثقل الأعباء
فلله درك من شهم لا يحتاج أمرك إلى سؤال من
بعد ما انتشر شذاك ، وعبق عطرك ، واستأنس كل من سمع ذكرك … شمرت عن ساعد الجد
لما دعيت إلى منهل يوسف عليه السلام ، فلم تبالي .. بل تبعت خطى دعاة الفلاح في
نفس المسار ، مناجيا ربك :
فيارب إن حانت وفاتي فلا تكن
*** على شرجع يعلى بخضر المــــطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيلــــــه *** بجو السماء في نسور عواكـــــــــف
وأمسي شهيدا ثاويا في عصابة *** يصابون في فج من الأرض خائـــــف
فوارس من علماء ألف بينـــهم *** تقى الله .. نزالون عند التزاحــــــــف
إذا فارقوا دنياهم فارقــوا الأذى *** وصاروا إلى موعود مافي المصاحف
فلم تلين أو تستكين … ليسطر بذلك التاريخ
صفحة .. بل صفحات جديدة ؛ حبرها : الشموخ في زمن الذل ، وورقها : الصمود في عصر
الاستكانة ، أما سطورها :
ماض وأعرف ما دربي ومــا
هدفـــي والموت يرقص لي في كل
مـــــنــعـــطف
وما أبالي به حـــــــتى أحـــــــــــاذره
فخشية الموت عندي أبرد الــــــــطــــرف
ماض ولو كنت وحدي والدنا صرخــ ـت : قف … لسرت
فلم أبطئ ولم أقف
فأصبحت سيرتك ترانيم على لسان كل ملذوع
يرددها فخرا وعزة .
فهل ياترى .. أعايدك و أهنيك ، أم تعزي
نفسي ومن شاكلها على التقاعس والخذلان ؟
أيها البطل الصامد …
كأني بك لم تستعجل نفسك حين قذفتها في
المعركة ، ولم يدفعك الشوق إلى الجنة نحو هجمة خاطفة تنفجر فيها دماء الشهادة …
بل كايدت وغايظت ، وصبرت وصابرت ، وتركت طريق الأنبياء والمصلحين يستهلك نفسك
ويمتص طاقاتك ، حتى إذا ذبلت ونحلت … أذنت آنذاك لجسدك أن يستقبل الطعنة في
الصدر لا في الظهر .
فواعجباه !!
كيف هي قدرة دعاة الإسلام على العطاء
الدائم المتجدد … أعمالهم حية وإن سجنوا ، أفكارهم تقود الأمة وإن قتلوا … كيف
لا ، وقد سقوا الدعوة كأس الإخلاص والتضحية بدمائهم وتضحياتهم .
لله درك أيها الصامد ..
حتى وأنت في تلك البقعة الضيقة ، ذات
الأمتار المحدودة .. تأبى إلا أن تداعب محبوبتك التي سرى عشقها في عروقك ، ولم
العجب !!
فمن أجلها ضحيت ، وسجنت ، وبذلت ، وأعطيت .. ألا تستحق بعد هذا أن تصبح أنيستك
في زنزانتك ؟
فكم من الناس فتح الله بصيرتهم وشرح صدورهم على يديك ، وكم من الدروس التي
سطرها صمتك ووقارك … وكم ، وكم ، كل هذا وأنت تتمثل قوله تعالى ( وجعلني مباركا
أينما كنت …) ، حتى الزبانية والسجانون نهلوا من معين حكمتك ودعوتك ، ولسان
حالك تجاههم :
والصمت يقطعه رنين ســـلاسل
*** عبثت بهن أصابع السجـــان
من كوة بالباب يرقب صـــيــــده *** ويعود في أمن إلى الدوران
هو طيب الأخلاق مثلك ( يابني ) *** ماذا جرى فتمسه أضــغــاني
فلربما وهو المروع ســحــنـــــة *** لو كان مثلي شاعرا لرثاني
أو عاد من يدري إلى أبــنـــائـــه *** يوما .. تذكر صورتي فبكاني
شيخنا الجليل …
إن النفس لتعجز حقا أن توفيكم قدركم ، أو تقضي بعض الدين من حقوقكم … فأنتم من
تضرب به الأمثال ، وتحاك القصص ، وتسير الركبان … وحسبكم صدق قول القائل فيكم :
فخذ لك زادين من
ســيـــــــرة *** ومن عمل صـــالح يــدخــــر
وكن في الطريق عفيف الخطى *** شريف السماع ، كريم النظر
وكــن رجــلا إن أتــــوا بــعــده *** يقولون مر .. وهذا الأثـــــر
فكل عام وأنتم في شموخ وعزة وأنفة عن قيود
الخنا والنفاق والتزلف ، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال .
هبل … هبل
رمز السخافة والجهالة والدجل
لاتسألن يا صاحبي تلك الجموع
لمن التعبد والمثوبة والخضوع
دعها .. فماهي غير خرفان القطيع
معبودها صنم يراه … العم سام
وتكفل الدولار كي يضفي عليه الاحترام
وسعى القطيع غباوة … يا للبطل .