بدأ الشيخ ( إسماعيل )بسرد رحلته
الطويلة المتقلبة ... ويقول :
كانت أسرتي تفتخر بي في إيطاليا أمام الأسر الأخرى بكوني قساً تفوق في
الكاتدرائية الكاثوليكية وأصبحت قريتي ذات وجاهة دينية بسببي .
هذا التفوق لم يأت فجأة ودون مقدمات .. إنما كان السبب هو تبني الكنيسة لي منذ
أن كان عمري ( 12 ) عاما ، وإفرادي مع شخص آخر ببرنامج تدريبي خاص ، فتدرجت من
مرحلة إلى مرحلة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه .
هذا التفوق رشحني مع صاحبي الذي رافقني منذ الصغر لمهمة التنصير في دولة جزر
القمر وكان الترشيح قد تم من قبل لجنة التنصير الأفريقية التابعة لمجلس الكنائس
العالمي في الفاتيكان .
ذهبت إلى هناك ، وقدمت التقارير التي تثبت أني أبليت بلاء حسنا في مهمتي التي
أسندت إلي ، ولم أتم ستة أشهر وإلا وأتفاجأ باستدعائي إلى روما مرة أخرى ...
عدت إلى روما .. وهناك تم تكليفي رسميا بالإشراف على الكنائس والمنصرين في
جمهورية تشاد ، فأحسست بعظم المهمة التي أسندت إلي بانتقالي من مرحلة التبعية
إلى مرحلة الريادة والقيادة ..
واستمر الشيخ ( إسماعيل ) بالحديث .. واستمرت حدقتا عيني تتأمل قسمات وجهه الذي
أكل الزمان عليه وشرب ، ويقطع هذا التأمل بين الحين والآخر سعالٌ حاد .. يعقبه
سكوت يخيم على الأجواء ، يجعلنا نترقب بلهفة .. ماذا بعد هذا السكوت ؟
بادرته بسؤال كان من الأهمية بمكان
بالنسبة لي .. فقلت : كم عمرك يا شيخ ( إسماعيل ) ؟
فضحك وهو يهز رأسه ويقول : عمري ( 69 ) عاماً ..
وأضاف عليها وكأنه عرف ما سأقوله فسبق لسانه لساني : ولم أتزوج حتى الآن !
- سبحان الله !!
- نعم ، فالمذهب الكاثوليكي يحرم على القساوسة الارتباط بهذا العقد ، ويعتبره
تدنيس لشرفهم !!
وعندما أسلمت .. كنت قد بلغت من الكبر عتيا ، ووهبت نفسي للدعوة إلى الله .
واستمر في سرد رحلته ...
عام 1988 م حصلت مشكلة مالية بيني وبين باقي الموظفين في مكتب تشاد ، فغضبت
منهم وخرجت بعد تقديمي الاستقالة ..
ثارت ثائرتهم ، وغضبوا غضبا شديدا بسبب تصرفي .. فخاطبوا السفارة الإيطالية
التي رفعت الأمر مباشرة إلى المجلس العالمي للكنائس ، فجاء الأمر بإعادتي إلى
إيطاليا ، وخوطبت وزارة الداخلية التشادية بهذا الأمر .. فاستدعوني وأخبروني
بالخبر فرفضت الخروج من تشاد ، وقلت لهم أني أريد أن أعيش حياة مستقلة بعيدة
عنهم ، فوقف وزير الداخلية في صفي وكان مسلما ، ورفض الأمر بإخراجي من تشاد ..
وفشلت محاولات الكنيسة لإعادتي .
انتقلت إلى الريف ، وهناك بنيت منزلا متواضعا من الخشب ، وكونت مزرعة صغيرة
تشغلني ... ولم أزل أمارس العمل التنصيري لكن بعيدا عن الغطاء الرسمي .
حاولت الكنيسة بعد ذلك التفاهم معي فرفضت رفضا قاطعت .. فوصل الحال إلى القيام
بتهديدي إن لم استجب لهم ، فتوقعت انه مجرد تخويف وكلام منفعل خرج منهم .
وفي يوم من الأيام عدت إلى منزلي .. فلم أجده !!
وكل ما وجدته بقايا من لم تحترق من الخشب .. أما المزرعة فقد احترقت بأشجارها
وحيواناتها !!
والفاعل معروف لدي ، لكني لم أرد أن أثير القضية .. فانسحبت عن القرية وابتعدت
عنها .
أصبحت بلا مأوى .. ومشرد ، وكنا ذلك الوقت في موسم الأمطار ، فازدادت حالتي
سوءا ، ولكني لم أيأس .
ذهبت إلى أحد التشاديين وطلبت منه أن يقرضني مبلغا من المال بعد أن عرف حالتي
والذي حصل لي .. فأخذت المال وذهبت على منطقة تعتبر مفترق طرق للقرى والمناطق
فضلا عن وقوعها على الحدود مع نيجيريا .. فكانت المنطقة حيوية ولا تهدأ أبدا من
المسافرين ، فقمت باستغلال المبلغ الذي استندته ببناء مطعم بسيط يقدم المأكولات
السريعة التي أستطيع من خلال ثمنها الذي احصل إليه أن أوفر لنفسي معيشة مستقرة
.
كانت بدايتي موفقة ، وأصبحت معروفا عند الآخرين ..
وفي يوم من الأيام الممطرة ..
دخل علي شرطي وسألني : هل لديك مكانا لأصلي فيه ؟
فسألته لماذا ؟
فقال : إنه مسلم ويبحث عن مكان لأداء الصلاة في هذا الجو الماطر .
قاطعت الشيخ ( إسماعيل ) هنا ..
وقلت له : ماذا كانت حصيلتك عن الإسلام آنذاك ؟
قال : لم أكن أعرف عنه إلا ما تعلمته في الكنيسة ...
أنه دين يمقته الرب .. وأن محمداً رجل مجنون !!
أما التفاصيل فلم أكن أعرفها .
ثم استكمل حديثه فقال :
وفرت له مكانا للصلاة فصلى .. وبعد الصلاة أتاني وسألني :
هل تريد أن تنجح في مطعمك هذا ؟
قلت : بالتأكيد !
قال : إذن لا تبيع الخمور ولا لحم الخنزير .
فقلت له : لماذا ؟
فقال : لأن الله حرمها .. والمسلم لا يتعاطاها ، فإن بعتها فلن يشتري من
المسلمين منك أحد .
بعد هذا اللقاء .. بدأت أفكر بذلك الرجل ، وفعله وقوله .
وبدأت أسأل كل مسلم يأتيني عن الإسلام وما يتعلق به ..
إلى أن أتى يوم آخر من الأيام فدخل علي أحد الزبائن وبيده كتاب ..
وضعه على المنضدة ..
وطلب ما يريد .. وأنا عيني لا تفارق الكتاب .
فلقد شدني عنوانه ..
لأني باختصار كنت أبحث عنه منذ مدة طويلة جدا ...
سألته في البداية : هل أنت من تشاد ؟
قال : نعم .
قلت : هل تعرف الإيطالية ؟
قال : لا .
قلت له : هل تعرف ما هو الكتاب الذي بين يديك ؟
قال : لا .. فلقد جاءني هدية ، ولا أعرف عن ماذا يتحدث .
قلت له : نعم .. بالتأكيد لن تعرف ، لأن الكتاب مكتوب باللغة الإيطالية !!
لكن ...
قل لي : كيف حصلت عليه ؟
وهنا اخبرني بالمفاجأة ..
المفاجأة التي ساهمت بشكل كبير – بعد توفيق الله – بدخولي في الإسلام !!
ولعلي - خشية الإطالة - أكمل الرواية في طيف الأسبوع القادم بإذن الله .
والله المستعان