شل جسمي ، اقطع لساني ، هدم أركاني ...
هل تستطيع أن تفرض قيداً على فكري ؟
فكر الإنسان ليس له قيود ، لا تحده أرض ولا تظله سماء .. حامله بين مرتبتين :
إبداع او جمود ، وبينهما الكثير من المنازل .
لكن ..
مما يثير العجب ، ويحملنا على الاستغراب
، أن نرى فئام من الناس أرهنوا فكرهم وسلموه للغير ، فأقحموا أنفسهم في عالم
الاستعباد الفكري !! .. نعم الاستعباد الفكري .
كلنا سمعنا أو رأينا الاستعباد الحسي ، بالظلم ، بالقهر ، بالدكتاتورية ... لكن
يصل الحال إلى أن يعم الفكر ، فتلك هي الطامة ، وقاصمة الظهر .
وبالله عليكم .. ما حال رجل سوي ، حباه الله بشتى النعم ، أبى إلا ان يعيش
قهراً وذلاً ، ليس فرضاً عليه ، بل من تلقاء نفسه.. إن سألت عن فكره : فهو بيد
غيره يقلبه كي يشاء ، حتى تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق .
وإن سألت عن نهجه وتوجهه : فلسان حاله
وهل أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت ،
وإن ترشد غزية أرشد
أما إن ناقشته وقارعته فأفحمته قال : (
إنا وجدنا أباءنا على أمة .. وإنا على آثارهم مقتدون )
!!
فكره أجوف .. لا يملى إلا بفضلات الغير ، فيكون النتاج : ريح عفنة تحمل بين
جنباتها النفاق والتزلف ، والتصفيق والتمجيد ، والانسلاخ من المبادئ والأسس
والأخلاق .
فذاك متعالم .. جعل عبودية فكره للحضارة الغربية ، ولرفاق ماركوس ولينين..
فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فتصدر وترأس وتفنن بنفث سمومه بشتى الصور
والأساليب ... فكان أن انسلخ من آيات الله ، وأخلد إلى الأرض واتبع هواه ،
كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ..
وذاك آخر .. عاش في كنف الطغاة الظالمين ، فرضع من ثدي ولائهم ، والتعظيم
لأمجادهم .. فاستعبدوا فكره ورأيه ، فصار الطاغية ولي نعمته ، وملاذه عند كربته
، يسبح بحمده صباح مساء .. فمن والى الطاغية والاه ، ومن نصحه وذكره عاداه .
فكانت أوثق عرى الإيمان عنده : أن يحب في الطاغية ، وأن يبغض في الطاغية .
يخاطبه قائلا له /
فليتك ( تعطي ) والحياة ( قتيرة ) ***
وليتك ( تغدق ) والأنام ( سلاب )
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
يرفع دوماً شعار : ( عاش طاغيتنا المعظم
، وإن أذاقنا العلقم ) .
وآخر .. عرف الحق بالرجال ، ولم يعرف الرجال بالحق ، فإياك ثم إياك أن تناقشه
أو ترد عليه في قول عالمه ، فهو المنزه عن الخطأ ، وما في الجبة إلا هو ..
تقول له : قال الله ، قال رسول صلى الله عليه وسلم ... فيقول لك : بل قال فلان
وعلان ، وكل نص خالف قول عالمنا إما منسوخ أو مؤول !!
فعطل عقله وإدراكه ، وجعله بيد فلان الداعية أو الخطيب أو المجاهد ... ونسي أنه
بذلك يدمر ملكات الأمة ، وإمكانياتها .. فجعل مهمة التفكير والإبداع مقصورة على
فلان وعلان .. وهي بحد ذاتها إجحاف في حق الأمة وقبل ذلك في حق نفسه هو .
ولا تغلو في شيء من الأمر واقتصد ***
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
أخي القارئ ..
إن من ذكرت إنما هم بعض الأصناف وغيرهم الكثير، وهم غيض من فيض .. ممن رضوا
الذل والهوان .