اطبع هذه الصفحة


كِنانةُ المستور

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


" في جعبة الغيب ممكناتٌ لا متناهية "
أحمد الحمدي


عالمُ الشهادة ندركه بحواسنا , ونعرفه بعقولنا , ونقف على ما فيه في وقته , فلا شيء مستورٌ فيه , إذ الحواسُّ موصلةٌ ما فيه إلى مدركاتنا الذاتية , العقلية والمشاعرية , والمحسوس محدود , وله نقطة ينتهي إليها , فلا يكون العمل فيه إلا حركة دولاب ماء , تكرارٌ في تكرار , والمكرَّرات لا تزيد شيئاً إلا نُسْخَة رَقْمٍ في ضميمةِ رقمٍ مُشَابِهٍ .
النفوس لا تتطلع إلى المشاهد كما تتطلع إلى الغائب , فهي تجد في نفسها قلقاً أن الغائب يحملُ شيئاً يجعلها تهفو إليه , فلا ترضى بالبقاء , بل تسعى تنقيباً وبحثاً لكشف المغيب .
لما لم نكن نعرف مضمون المغيَّب عنا لم نعرف حداً له , فالغيب مجهول , والمجهول لا حدود له , لأن الحدود لا تكون إلا لمعلوم معروف .
المشاهدُ في الكون كثيرٌ جداً , ولكن الغائب أكثر , فقد يكون واحدٌ في الشاهد أضعافه في الغائب .
في صناعة الوجود , وعمارة الحياة , لا يوقف على المشاهد فيكرر , بل ينظر إلى الغائب فيُستجلَب عن طريق النظر في أبعاد المشاهَد , فليس في الغيب كل شيءٍ مستحيلاً , بل المستحيل أقل من الممكن , إذ الممكنات في عالم الغيب كثيرة , تظهر في وقت موقوتٍ لها , لأن " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم " أفق تلك الممكنات , فكما أن عالم الشهادة فيه مستحيل , فيما انتهى إلى حد فلا يتجاوز فكذلك في الغيب ممكن لا حدَّ له , والغيب يعمل فيه العقل حرثاً , والحواس بعثاً , والشهادة تعمل في الحواس حرثاً والعقل حثاً .
الوقوف في عالم الشهادة , ولزوم عتبته , رضا بالقعود عن الانتهاض , ومَنْ رضي بالقعود أول مرة لم تنهض به العزائم ثانية , ولا يقف عند عتبة المشاهدة المحسوسة إلا مَنْ لم يدرك سرَّ وجوده , ومن أدرك سر وجوده انطلق في أعماق الآفاق ببذل ما يطاق , ومًنْ طلب حصل .

 

عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية