صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الحروفُ و صناعة الحضارة

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


التواصلُ الحرفيُّ بين الناسِ كلٌّ يُتقنه إبداءً و إظهاراً ، و لا يغيبُ إلا عن أخرس لا يستطيع لسانه ليَّ بكلامٍ ، أو مُعجَّمُ اللغةِ غريبها ، و سواهما فارسُ النطقِ ، و ما كلُّ ناطقٍ صوتاً باسقٌ صِيتاً ، فمن الناطقينَ مَن كلامُه كالِمُه ، و منهم مَن حرفهُ حاتفه ، و نُطْقُه ناطِقُه ، و هؤلاء ليسوا بشيءٍ سوى مظهراً صوتياً ، و لا يَعني شيئاً في الوجود البشري إلا قيمةُ التميُّزِ عن غير الناطقِ أو العجماويِّ .
حين تكون حروفنا سائقاتنا نحو حضارةٍ تعمُرُ الأرضَ ، و تنهضُ بالدنيا ، و تبني عقولاً ، فإنها تكون لها قيمةُ التمايُز التي خُصَّتْ به ، و إلا فليس النطقُ شيئاً إلا حينَ يكون لمعنى ناهضٍ من قلبٍ نابضٍ بعُرى الكمالِ قابضٌ .
في حينِ سارَ قليلٌ ، و القليلُ منزلةً لا منزلاً ، في إظهارَ أصواتِ حروفهم ، مُهملينَ و جافِيْنَ المعاني المُضمَّنَة تكوُّن الحروفِ اجتماعاً ، كانتْ لنا حُصَّةً من غيابِ الوصولِ إلى صُنعِ الحضارةِ ، و التكاسُلُ عَن مواصلة مسيرة الكمالِ ، لأننا " نسمع جعجعةً و لا نرى طحناً " ، و تلك التي أقصتْ بنا في أواخر المراكب ، ففادحتنا الغرائب العجائب .
الصوتُ بِلا إتقانِ الفَوتِ يزول مع الهواء الذي يصحبُه ، فلا قيمة لسهمٍ في كنانةٍ ، و لا قيمةَ له في هواءٍ ، إلا لفتَ النظرِ بالبصرِ ، و حين يُضربُ به هدفٌ فإنه يُلفتُ نظرَ البصيرةِ .
الحروفُ تصنع حضاراتٍ كبرى ، كما صنعتها قبلُ ، و لكن لا تكون تلك إلا حينَ تكون رُسُلَ المعاني ، فالحروفُ مبانٍ لكلِّ معنى في القلبِ و العقلِ ، و أما حين تكون ليست إلا مبانيَ خاوية على عروشها ، فالكثيرون ملءَ الأرضِ يُحسنون قولاً و صوتاً .
الحضارات مهما كانت آلاتُ صُنعها فإنَّها كانتْ بحروفٍ منثورة لا مغمورة ، و الحروفُ معرفة ، و الغلبةُ للأقوى ، و لا أقوى من المعارف ، و حين لا تكون ثمَّةَ معارف فلا حضارات ستقوم ، و الحروفُ ستكون من الحُتوفِ .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية