صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







معامل التأليف

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس.
الخطيب البغدادي

التأليف عملية حضارية تنقلُ ثقافةَ زمنٍ و مكانٍ و أناسٍ إلى جيلٍ ومكانٍ و زمنٍ بعده. حرصَ الناسُ على التأليف، حرصاً يُبرهنُ على أن التأليف فخرٌ للمؤلِّفِ، فأقبلوا عليه بصورٍ متعددة في شتى المجالات. فصار في كلِّ علمٍ تأليفٌ، إمَّا يُبيِّن أُصولَه، و إما يُثبتُ آراءَ مرجِعٍ فيه. و صار المؤلفون أنواعاً كثيرة، فمؤلفون للعلم و المعرفة، و مؤلفون للذات، و مؤلفون للزمان، و مؤلفون للمكان. و مؤلفون نثراً و آخرون شعراً.

و مهما يكن التأليفُ فهو يبقى حركة حضارية. إلا أن قانون التأليف الصحيح، و أدب التأليف المُعتبَرِ عن العقلاءِ في الثقافة و الحضارة يقضيان بأن التأليف المأمون المعتبَر هو ما كان من صنيع صاحبه، و على عينٍ فاحصةٍ منه، فالتأليف يحكي المؤلِّفَ و فكره، لهذا كان التأليف ميزانا يُوزن به المؤلِّف.

لا يُشكُّ بأن التأليفَ جمعٌ، و لأجل هذا كان مؤلَّفاً مما سَبَقَ من فكرٍ منثورٍ منشورٍ، لكنَّ الكلامَ في التأليفِ في صناعةِ تلك المنثوراتِ حتى يُؤلَّفَ بينها لتتكوَّن تأليفاً يُنسب إلى من قام بالتأليف بين تلك المنثورات.في ظاهرة تَيّسُّرِ الأحوال للناسِ، و توافرِ الاحتياجات بين أيديهم، أصبح التأليف عملية اعتيادية، يقوم بها، أو يُقام بِها له، كلُّ إنسان يريد بروز كتابٍ له في الساحةِ الثقافية، بأيِّ صورةٍ كانت. و تلك خطوة جيدةٌ في أن يخلُقَ الإنسان لنفسه حيِّزاً في تاريخ الثقافة.

لكنَّ أدب التأليف بات غائبا عند الكثيرين، و خاصةً من هم رموزٌ في حركاتٍ شتى، وهو أدبُ القيام بالتأليفِ من لَدُنِ الإنسانِ المنسوبِ إليه التأليف ذاته. فأصبح كثيرين يلجأون إلى معاملِ التأليفِ ليُقدموا لهم تأليفاً مُحْكَماً، متناسباً مع المقاييس الفكرية، و متمشياً في خدمة المصالح الذاتية، و الذاتية فقط. فأصبحت بذلك ظاهرةٌ عريضةٌ في قطاعٍ كبيرٍ من الناسِ، و أصبح الاستئجارُ لمُحترِفي التأليفِ ظاهرة تَشِيْ بالحُزنِ على ما يُستقبلُ من ضياعِ قيمة التأليف الجوهرية، و التي هي نقلُ الفكر، لتكون نقلاً لأسماءَ من ليس لهم في الثقافة و الفكرِ و لا حضورَ الشرف.

التأليف يحتفظ بلمساتِ مؤلِّفه و روحه، و الماهرُ بالتآليفِ يَعرفُ من التأليف ما إذا كان مصنوعاً على عينِ مؤلفه و بيده، و ما إذا كان مصنوعاً فقط بإشارته ومنسوبا إليه تأليفاً تشريفاً فقط. فروح الكاتبِ تصطبغ في كتابته، لذلك يُبرهنُ البعضُ على الكتبِ المنحولةِ على أشخاصٍ بأنه ليست لهم بقولهم: ليسَ فيها نَفَسُه. و ليس فيها حِسُّه. و ليس هذا أُسلوبه. و ما جرى مجراها.

ففرقٌ بين تأليفٍ فيه حكايةٌ لرؤيةٍ مزيَّفةٍ على أثرِ تجربةٍ منحولةٍ، و بين تأليفٍ فيه جُرأَةُ صِدقِ ذاتٍ يَحكي حياةَ إدارةٍ فكرٍ. فالتأليفُ برهانٌ، و البرهان لا يكذب.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية