اطبع هذه الصفحة


ذاتُ الشُّهود

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


الذات الحقيقية لا تموت ..  أوشو

يتساءل الإنسان عن ذاته بغية الوصول إلى حقيقتها، من أجل أن يخبر الناس بشيء عنه. لكنه كثيرا ما يفشل هنا، فإعلام الآخرين وتعريفهم بالذات من أصعب الأمور، تتخذ الذات تعاريف لها عديدة، تحوم حول أحوال الوجود، لكنها لا تصل أبدا إلى سر الشهود، وهنا يكمن النقص في التعريف بالذات.

تعريف الإنسان بذاته، عندما يبديه، يقصد منه إثبات أنه هنا، أنه موجود، لذلك يربط إثبات وجوده بمظاهر حياته المتكررة، فهو يريد أن يري الناس ذاته كما يريدونها، يريهم ذات الوجود، من خلال تعاريف كثيرة؛ التعريف العَلَمي، بالاسم الذي وسم به من والديه، و كذلك التعريف العملي في بيان وضع الذات مهنيا وعمليا، ويدخل هنا التعريف من ناحية العمل العلمي، التعريف الحاليُّ المتعلق بالمجتمع من حيث التأهل العائلي وعدمه.

إنَّ ملاحظة ذات الوجود يَخلق الخوفَ المستمر، وملاحظةَ أحوال الحياة ليكون إثباتها متناسباً مع تجدد الأحداث و الأحوال، لكن ذات الشهود تكون في مأمَن، و استمرار تجدُّدها تلقائي، لأنها حقيقة، و ل،ها متناغمة مع الحقيقة الباقية.

ذات الوجود تتكوَّن من معطيات ما حولها، فيصنع التعريف الوجودي كلُّ محيط بالذات، فتكون في قيود ذلك المحيط، لأنها صنعت نفسها وَفْقَ رؤية المحيط حولها. أما ذات الشهود فهي تتكوَّن من ذاتها بذاتها، و ينبثق منها الكثير من المحيطات، لأنها في عملية تكوُّنٍ كونيٍّ.

هنا غاب التعريف الشهودي للذات، والشهود الذاتي هو الذي من أجله كان الوجود الذاتي، فحكمة الله في إيجاد الذات البشرية إنما هو ليكون شهودها في الحياة و الكون، وهذا هو الذي يجب أن يعرفه الناس عن بعضهم.

التعريف الشهودي يكون بالحضور الانسجامي و التناغمي مع الحياة و الكون بصورة عامة من أجل تحقيق الحكمة الكبرى من إيجاد الإنسان، وهي حكمة الأثر الباقي بعد الإنسان بعد أن بدأ ظهوره في حياته.

إن أثر الإنسان الفاعل في خدمة حكمة الإيجاد هو التعريف الحقيقي لذاته، وهذا الأثر ليس إلا توظيف حقائق عالم الوجود في عوالم الشهود، ذلك التوظيف هو الذي غاب عن كل من انتمى إلى الذات الوجودية، ذلك أنهم أرادوا فقط الشعور بأن اعترافهم بوجودهم من خلال الإلمام بأشياء الوجود، ولم يلتفتوا إلى الاعتراف بشهودهم وحضورهم في الوجود الكوني من خلال أشياء الوجود.

السبب في ذلك يكمن في عدم معرفة التعريفين للذات، لأجل هذا كانت آثار الوجود لا تعطي إثباتا حقيقيا للذات إلا من خلال تعريف شكلي، والأشكال لا تدوم و إنما تدوم الآثار لأنها حقائق التعريف الشهودي للذات.

 

عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية