اطبع هذه الصفحة


[] سُحُبٌ []
9/3/2008
1/3/1429

عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


" أصْلُ السَّحابِ دُخانٌ اعتلى السماء "

كلامٌ منتشر


السحبُ تُغطي السماءَ بتجمُّعها ، و تتكثَّفُ بتعاونها ، و تختلفُ في عطائها بعد ذلك ، فمنها سُحُبُ القَطْرِ الطيب الهاطلِ على الأرضِ مُحدِثاً فيها أثراً ، فيرْغبُه الناسُ ، و يشتاقون إليه ، و يستسقون ربَّهم إذْ تأخَّر عن مجيئه ، لأثرِه و ليس لذاته .
و منها سُحُبٌ سوداءُ اللون ، تحملُ في جوفها مطراً ، لا يُغادرُ أرضاً إلا بإفسادٍ ، فيخافه الناس ، و ينفرون منه ، و يلوذون بربِّهم أن يصرفه عنهم ، لسوءِ بقيَّتِهِ ، و قُبْحِ أثره .
كالسُّحُبِ البشرُ ، تماماً ، فالبالغون درجاتٍ من الكمالِ و الرِّفْعَةِ ، في أي حالٍ و أي مجال ، تجد أنَّ منهم أولئك الذين إذا ما ارتفعوا و علوا بَقوا في حال النجم و القمر ، يَعتلي و يُضيءُ ، فيُناغيه الصغير ، و يُؤانسُه الكبير ، و تجتمع إليه أشياخُ القمراءِ في أحاديث السَّمرِ في وقتِ السَّحرِ عن أحدثِ الزمان ، فيُعطي من فيضِ أمطارِه ما يُنبتُ في قلوبهم محبَّتَه و الشوقَ إليه في كلِّ حين ، و لا يُرى إلا أبيضَ القلْبِ ، أبيضَ الأملِ ، أبيضَ الخاطرِ ، أبيضَ الفعل ، أبيضَ في كلِّ شيءٍ من أشياءِ حياته .
هذا يُسْتَسْقَى خاطرُه أن يكون رَضِيَّاً ، و يُسْتسقى مجيئه ، فلا يقفُ قلبُ محبٍّ عندَ حدٍّ ، بل يستديم التَّكرارَ ، حتى إذا ما جاءَ وجد القلوبَ و النفوسَ اختلطت فيها دموع الفرحِ مَع دموع البكاءِ ، و البكاءُ فرحٌ عند المشتاق ، ، فليسَ بلوغ الكمالِ إلا تصحيحٌ للفَعالِ و تصويبٌ للأقوال .

بَعْضُ مَن يبلُع تلك الدرجات الكمالية فيبلغ معها مبلغاً في الصدِّ بالخَدِّ بِلا مراعاة للحَدِّ ، فيأتي بسوادٍ في قلبٍ ، و عَتَمةٍ في نفسٍ ، و غَلَسٍ في خُلُقٍ ، فيصير حالُ مجلسه ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ ، لا يستنكفُ القمرُ إلا أن ينكسِفَ ، و النجوم إلا أن تلوذ بالأفول ، و القومُ في رِفعة للأكُفِّ بتحويل عطاياه نحو الخِراب و مهجور التراب .
فليكن الشخصُ سَحابياً في : رفعةٍ ، و بياضٍ ، و سَعة ، و رِقَّةٍ ، و عطاءٍ ، و ودادٍ ، و لا يكونَنَّ الأخرى فيكون في الإعراضِ من الناسِ عنه نصيبٌ موفورٌ .

عبد الله العُتَيِّق
 

عبدالله العُتَيِّق
  • مقالات
  • كـتـب
  • خواطر
  • أدبيات
  • كَلِمَات طـَائِرَة
  • الصناعة البشرية
  • منتقيات
  • للتواصل مع الكاتب
  • الصفحة الرئيسية